يوم الأربعاء تاريخ 27 إبريل للعام 2011م، الساعة العاشرة مساء، هاتفني أخي، وحمل لي خبراً مؤسفاً ، كان ذاك هو رحيل زرقاء اليمامة د.رؤوفة حسن كما عرفها الناس، وإن كان اسمها في شهادة الميلاد أمة الرؤوف حسن ،ولقد حزنت لرحيلها ، لكنها أقدار الله، ولا راد لاقداره . عرفت الراحلة منذ سنوات ، وكانت العلاقة التي جمعتني بها هي علاقة القارئ بالكاتب، وكانت هي الطرف الثاني ، وكنت أنا الطرف الأول، وحين عدت إلى بريدي على الشبكة وجدت أن أول رسالة بعثتها إليها كانت في الخامس من فبراير للعام 2005م ، هي إذن سنوات ست جمعت بيننا . كانت تكتب حينها مقالا أسبوعيا في صحيفة 26 سبتمبر ، ثم تحولت عنها إلى صحيفة الثورة في مقال أسبوعي في عمود يوميات، وكنت أنتظره كل سبت، أقرأ فيه ماتخطه يداها، وما تجود به قريحتها، ولقد كانت، رحمها الله ، تتناول في يومياتها هموم وقضايا عدة، فتارة يكون الهم الإعلامي هو شاغلها ، وتارة ترى الهم الثقافي يحل محله، وطورا تأخذك إلى الهم الاجتماعي، وطوراً آخر إلى قضايا المرأة والمجتمع . لم تنحصر في موضوع واحد، أو هم واحد، فأنت لاتدري في كل سبت أي جديد ستفاجئك به هذه الكاتبة المقتدرة، ولم تكن كتاباتها تتميز بالعمق في الطرح، واستشفاف الرؤى المستقبلية، ورصانة التفكير فحسب، بل إن أسلوب الطرح المتميز بسلاسته، وبالقدرة اللغوية والأدبية الفائقة ، تجعلها تبز كثيرا من أقرانها الذين يكتبون العمود اليومي أو الأسبوعي. وكان يطيب لي بين الحين والآخر أن أكتب لها مناقشاً لهذه الفكرة أو تلك، شجعني على ذلك أنها ما كانت لتهمل رسالة من رسائلي، إذ ترد على كل رسالة أبعثها رغم كثرة مشاغلها في التحضير والإعداد أو المشاركة في المؤتمرات الداخلية والخارجية، والمعارض والأنشطة الثقافية والإعلامية، ولقد كانت، رحمها الله، كتلة من نشاط لاتكاد تعرف للراحة معنى. وفي مرضها الأخير الذي امتد لأشهر كانت تجهد ذاتها لتفي بالتزامها تجاه قرائها لعمودها الأسبوعي على الرغم مما كانت تكابده ، كتبت لي في إحدى رسائلها تقول: ((أنا في فراش المرض منذ ثلاثة اشهر ولكني اكتب مقالي بشكل ثابت كي لا احمل القراء وزر القلق، أنا أتجنب الإشارة إلى مرضي مااستطعت وحالتي تحت الفحوصات ولا تزال تبدو طويلة المدة قبل ان يجد الاطباء حلاً أو قراراً نهائياً، وقدرتي على التركيز ليست متاحة فأنا اتعب بسرعة من أي مجهود، وكتابة المقال التي كانت لا تكلف سوى نصف ساعة تأخذ الآن امتداد اسبوع لكتابته فقرة فقرة. الله لا اراك في صحتك اعتلالاً )) أي روح هذه التي تتغلب على علتها وآلامها المبرحة كي لا تحمل القراء وزر القلق .. أرأيت معي جمال العلاقة التي ربطتها بقرائها . كانت، رحمها الله، أكثر من رائعة، وإن كنت أختلف معها في بعض منطلقاتها وأطروحاتها، إلا أنني أشهد أنها كانت نموذجاً إعلامياً وفكرياً رائعاً. ويظل السؤال دون إجابة حتى اللحظة، لماذا سميتها زرقاء اليمامة ، والحق أنني اقتبست ذلك من آخر مقال لها نشرته في يومياتها في صحيفة الثورة في الثلاثين من يناير لهذا العام،ثم انقطعت بعده، ويبدو أن المرض قد استبد بها، ليس هذا فحسب، بل إنها قد أصابها شيء من الإحباط النفسي، وهي ترى كيف أن صرخاتها فيمن حولها لاتجد آذاناً مصغية، ولا قلوباً تفقه ما تقول ولا عقولا تعي كنه تلكم الصرخات. واقرؤوا معي إن شئتم فقرة وردت في ذلكم المقال ((وكزرقاء اليمامة تحذر وتنبه قومك بين الحين والآخر حسب مساحة الصوت التي تملك، وكزرقاء اليمامة لا يطيع قومك إلا أهواؤهم وينحدرون نحو دمار الذات المستمر دون حيطة ودون أي خط رجعة، وتدفع رغما عنك معهم الثمن. ويتكرر التاريخ فيدمع القلب وتحاول من جديد، فتصرخ في قربة مقطوعة ويقل في كل أزمة عن سابقتها عدد من يسمعونك، ويقول بعضهم ليت الذي جرى ماكان وليتنا استمعنا الى تنبيهاتها بعين العقل، لكننا كنا ضحية معتادة للغة الحشد وللأفكار الشائعة، وكنا نظن أننا هذه المرة نسير نحو خط سليم )). لله درك زرقاء اليمامة، رحلت عنا فكان في رحيلك الألم . أسأل الله لك الفردوس الأعلى مناً منه وفضلاً .