مرت أيام رمضان وليليه سريعا لم نشعر إلا وقد دخلنا في العشر الأواخر منه ، وهي الخواتيم المباركة من هذا الشهر التي يعتق فيها الله رقاب المؤمنين الصادقين المتقين من النار ، ويبدأ فيها المسلمون بالجماعات بالتهجد فيها لله عز وجل طالبين العفو والمغفرة ، وهي من السنن المستحبة . أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالتهجد، وصلاة الليل، فقال له: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) سورة الإسراء 79. وقد جاءت آيات كثيرة تبين فضل قيام الليل، وأن المحافظين على قيامه هم المحسنون المستحقون لجنات الله ونعيمه، وقد رويت أحاديث كثيرة في فضل قيام الليل، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة لسيئاتكم، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء من الجسد ". ما هو قيام الليل وما هي صلاة التهجد؟ قيام الليل : " هو قضاء الليل، أو جزءا منه ولو ساعة، في الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله، ونحو ذلك من العبادات، ولا يشترط أن يكون مستغرقا لأكثر الليل . وجاء في مراقي الفلاح : معنى القيام أن يكون مشتغلا معظم الليل بطاعة، وقيل : ساعة منه يقرأ القرآن أو يسمع الحديث أو يسبح أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم " . أما التهجد : فهو صلاة الليل خاصة، وقيده بعضهم بكونه صلاة الليل بعد نوم . قال الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه: "يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد، إنما التهجد أن يصلي الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، وتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " فتبين بهذا أن قيام الليل أعم وأشمل من التهجد، لأنه يشمل الصلاة وغيرها، ويشمل الصلاة قبل النوم وبعده . هذه الليالي المباركات من ليالي الرب - جل جلاله- تتنزل فيها رحماته، وتعظم هباته، ويعتق خلقًا كثيراً من عباده من النار، وأحظى الناس بذلك من عمروا هذه الليالي بطول القنوت، والتدبر والخشوع، وكثرة الركوع والسجود، وألَّحوا على الله - تعالى - بالدعاء في أوقات تجليه - سبحانه - لعباده، ونزوله إلى سماء الدنيا، ليعطي السائلين ويغفر للمستغفرين ويجيب دعاء الداعين بينما غيرهم في سبات ورقدة، أو لَهوٍ وغفلة . إن هذه الليالي العظيمة هي ليالي الذكر، والقرآن، والدعاء، والقيام، وصلاة الليل هي أفضل الصلاة بعد الفريضة كما جاء في الحديث، وثلث الليل الآخر هو أفضل أجزاء الليل{إِن نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6]، وقد امرالله بصلاة الليل ورغَّبَ فيها، وحضَّ العباد عليها في كثيرٍ منَ الآيات؛ فقال - تعالى - {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء]. وأثنى - سبحانه - على المتهجِّدين، فقال في وصفهم : {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة]. وقت صلاة التهجد تبدأ صلاة التهجد في منتصف الليل، وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بصلاة الليل، فإنها دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم). وعدد ركعاتها من ركعتين إلى ثمانية، والأفضل أن تكون ثنائية؛ أي يصليها ركعتين ركعتين، يسلم على رأس كل ركعتين. وتجوز قيام صلاة الليل في أول الليل ووسطه وآخره، وأفضل أوقاتها ثلث الليل الأخير، فعن عمرو بن عبسة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل الأخير، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن". ويستحب أن يبدأ تهجده بركعتين خفيفتين، فإن النبي كان يفعل ذلك، وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا إذا وجد من يضره رفع الصوت، فيكون الإسرار بها أفضل، ويستحب المداومة على تطوعه، فخير الأعمال أدومها وإن قل. والله أعلم وفي قول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في صلاة التهجد وهو قيام الليل بعد النوم، خصوصا في ثلث الليل الآخر، أو في ثلث الليل بعد نصفه في جوف الليل وهذا فيه فضل عظيم، وثواب كثير، ومن أفضل صلاة التطوع التهجد في الليل، قال تعالى : {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ سورة المزمل] بعض الناس يختلطون في صلاة الوتر عند دخول العشر الأواخر من الشهر فهل تصلى بعد التراويح، أم بعد قيام الليل ؟ في هذا يقو ل الشيخ الفوزان: إذا صلى المسلم التراويح، وأوتر مع الإمام، ثم قام من الليل وتهجد، فلا مانع من ذلك، ولا يعيد الوتر، بل يكفيه الوتر الذي أوتره مع الإمام، ويتهجد من الليل ما يسر الله له، وإن أخر الوتر إلى آخر صلاة الليل فلا بأس، لكن تفوته متابعة الإمام، والأفضل أن يتابع الإمام وأن يوتر معه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) رواه أبو داود في سننه والترمذي والنسائي . عدد ركعاتها ويصلي في الليل ركعتين بغير عدد محدود قدر طاقته، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى". وروي من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة بإضافة ركعتي الفجر، فعن عائشة رضي الله عنها قال: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا" . وفي قول الدكتور محمود عبد الله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-: إن صلاة التهجد تعتبر نافلة، وليست من الصلوات المفروضة، بل هي بالنسبة لنا سنة مندوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وثبتت مشروعية صلاة النوافل عامة بفعل النبي صلوات الله وسلامه عليه فقد روى مسلم في صحيحه عن ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود). فضائل صلاة التهجد وقيام الليل سبب لمحبته عز وجل لعبده القائم القانت، ومن من المؤمنين لا يرجو محبته سبحانه روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم ....وذكر منهم: الذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول الله عز وجل: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد " رواه الطبراني وحسنه المنذري. ولأهمية صلاة الليل في حياة المسلم، وأثرها في صلاح قلبه، واستقامة دينه، وثبات أمره كانت فرضا في أول الإسلام، وقام الصحابة - رضي الله عنهم - حتى تورمت أقدامهم من طول القنوت، ثم خفف الله تعالى عن المسلمين فرفع فرضها وأبقى فضلها ..