* شباب أغرار و "ثوار" مراهقون، وخطباء ما يسمى "الثورة الشبابية الشعبية"، واصلاحيون لا يطيقون تحمل طبائع الأشياء مثل التنوع والاختلاف والتعدد الفكري والثقافي وحرية الرأي والعقل.. هؤلاء وصفوا الكتاب والإعلاميين المؤتمريين والمستقلين ب"بلاطجة" و"أعداء الثورة" لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم حول ما يدور وما يرتكب باسم "الثورة" من أخطاء وفضائع، وانتقدوا وفندوا وقائع حقيقية مخزية ومجرمة. هؤلاء الجلادون يحاولون أن يفرضوا علينا خيارين: إما أن ننضم للثورة أو الثوار وهم على ما هم عليه، وإما السكوت أو عدم تأييد النظام..وعندما نحترم أنفسنا وعقولنا ونرفض هذا الاستقطاب الطائش ونستمر في ممارسة حقوقنا ومنها حقنا في التفكير بحرية وإبداء الرأي بدون خوف من الجلادين والمستبدين، قام هؤلاء بإعداد "قوائم سوداء" سجلوا فيها اسماء من يخالف آراءهم وعززوها بصور لكل واحد ليسهل التعرف عليه، ونشروا ذلك كله على شبكة الانترنت، مع التغذية اليومية للقوائم السوداء التي سموا من فيها "بلاطجة" إلى جانب التحريض الكريه.. وقد ادخل بعضهم اسم كاتب هذا وصورته في قوائمهم السوداء تلك منذ وقت مبكر، ولم أعرهم اهتماماً، رغم أني أشعر بالأسى على زملاء مهنة يسمون زملاءهم "بلاطجة". * أحد الذين أدخلوني وادخلوا زملائي في قائمتهم السوداء، أستاذ جامعي! وأعرف هذا الأستاذ الجامعي معرفة جيدة، قيل إنه حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية، وكنت أشك في ذلك لكن تبين إنه دكتور ويحاضر في جامعة صنعاء على بلادة تفكيره ووضاعة معارفه وضيق أفقه السياسي، ولا يقبل من أحد سوى أن يصدقه، وأن يكذب الآخرين.. بل أكثر من ذلك.. تصديق مطلق وتكذيب مطلق.. وبالنسبة لي لا أستطيع أن أؤيد الذين يفضحون سخافة هذا الدكتور وهم كثر، ولكني أستطيع أن لا أصدقه في شيء مما يقوله، لأنه شاهد زور وافاك.. ومؤخراً صار جديراً بالاحتقار لأنه نذر قلمه ولسانه لخدمة شيوخ قبائل جهلة ولتلميع قيادات عسكرية تحتقر الجامعة والجامعيين وأولي العقول فما بالك برأيها في أكاديمي بليد يبيع كرامته بدراهم معدودة. * إني لا أتناول هذه القضية لأنها تمس شخصي وتمس زملاء محترمين.. بل أحببت الاستشهاد بها كعاهة أو كمظهر من مظاهر الداء الذي فرض نفسه على عقول مثقفين.. هذا الداء المتمثل في الاستبداد.. إما أن تكون معي أو اسكت وإلا فأنت "بلطجي".. صدقني وكذب الآخرين.. أكتب كذا ولا تكتب كذا.. وحتى عندما لا تكون ضده لا يكتفي بهذا بل يطالبك أن تكون إلى جانبه.. قبل ألفي سنة قال عيسى المسيح من ليس ضدنا فهو معنا.. وهؤلاء يريدونك أن تفصل نفسك على نموذجهم.. وأي نموذج (!).. نموذج معاداة حرية الرأي والتفكير والتعدد والاختلاف.. والأخطر في هذه القضية أنها تسوق في سياق الدعوة للتغيير والحديث عن "الثورة" والكلام عن الحرية.. ولكن لا بأس، فهي تكشف لنا حقيقة ما يؤمن به هؤلاء وطريقة تفكيرهم وأي نمط من أنماط الثقافة الاستبدادية يحملونها ويعملون لها.