الحدث العظيم الذي صنعه شعب الجنوب عندما خرج يوم 7 /7 /2007م معلناً ثورته الشعبية السلمية ضد الظلم الذي يعانيه منذ عام 94م ، هذا الحدث السياسي الثوري الكبير والعظيم لشعب الجنوب ، لابد ان ترافقه بعض السلبيات والهفوات وهذا وضع طبيعي جداً أمام حدث عظيم بحجم الثورة السلمية الجنوبية وأنا هنا أتحدث فقط عن السلبيات التي رافقت العمل القيادي على المستويين الميداني والسياسي خلال الفترة الماضية والهدف من ذلك هو تصحيح السلبيات التي رافقت هذه الفترة لكي تواصل الثورة السلمية الجنوبية زخمها النضالي بقوة اكبر مما كانت عليه في السابق حتى تحقق أهدافها الكاملة بحل القضية الجنوبية والمتمثلة بحق تقرير المصير لشعب الجنوب، ونعتقد أن المرحلة الحالية بالنسبة للقضية الجنوبية تعتبر مرحلة مهمة وحساسة للغاية حيث يتطلب من الساسة الجنوبيين وفي مقدمتهم قادة الحراك السلمي وأيضا القوى السياسية الجنوبية الأخرى مطلوب منهم جميعاً في هذه المرحلة - خاصة ونحن نمر الآن في مرحلة طرح الحلول لقضيتنا الجنوبية العادلة - التعاطي السياسي مع هذه المرحلة بوعي سياسي احترافي ناضج يؤهلهم للتفاوض مع الطرف الشمالي من ناحية وأيضا الجلوس مع الجانبين الدولي والإقليمي من ناحية أخرى لشرح قضيتنا الجنوبية العادلة والناتجة أصلا عن حرب صيف 94م . التباينات التي نشاهدها اليوم في الصف القيادي لفصائل الحراك الجنوبي هي تباينات ناتجة في تقديري الشخصي عن أربعة أسباب رئيسية هذه الأسباب لها مصدران داخلي وخارجي وسنستعرض هذه الأسباب على النحو التالي : السبب الأول : يعود إلى عدم وجود فصل واضح بين مهام القيادات الميدانية للحراك السلمي من ناحية ومهام القيادات السياسية في الداخل من ناحية أخرى بمعنى أن هناك قيادات ميدانية للحراك ناجحة قيادياً وبامتياز ويضعها كل أبناء الجنوب تاجاً على رؤوسهم ولكن البعض منهم غير مؤهلين أن يكونوا قيادات سياسية وهذا ليس عيباً في حقهم ولكن مواصفات القيادة الميدانية تختلف تماماً عن مواصفات القيادة السياسية وربنا سبحانه وتعالى منح كل شخص ملكات قيادية معينة وله في ذلك حكمة ، فالبعض من القيادات الميدانية التي لا تتوفر لديها مواصفات القيادة السياسية تريد أن تكون هي أيضا في مربع القيادة السياسية وهذا خطأ كبير لأنه كما يقال (فاقد الشيء لا يعطيه) ، فيجب علينا أن نضع القيادي المناسب في المكان المناسب. السبب الثاني : يعود إلى تصدير مشاكل المعارضة الجنوبية في الخارج إلى قيادات الحراك في الداخل ما اثر في وجود تشتت في صناعة القرار من مركز قيادي موحد يجمع ولا يفرق ونعتقد أن تقديم الدعم المالي من قبل الخارج إلى بعض قيادات في الحراك دون أخرى أوجد شرخاً كبيراً بين قيادات الحراك مما أوصلها اليوم إلى هذا الوضع. السبب الثالث :يعود إلى وجود بقايا الثقافة الصراعية التي ورثناها - نحن الجنوبيين - من (نظرية الصراع الطبقي ) فنجد بعض قيادات الحراك مازالت متأثرة بهذه النظرية التي تفرق ولاتجمع وبسببها دفع شعب الجنوب ثمناً غالياً...ومازال يدفعه حتى هذه اللحظة .. هذه الثقافة الصراعية الاقصائية مازالت آثارها السلبية للأسف موجودة بين صفوفنا ويجب علينا التخلص منها .!! السبب الرابع : يعود إلى هوس وميول البعض من قادة الحراك إلى الزعامة الفردية والشخصنة وحب الظهور الإعلامي ليقول أي كلام وإذا ما توقفنا أمام هذه الأسباب الأربعة بموضوعية وأمانة سنجد أن الحل المناسب لهذه المشكلة أي مشكلة القيادة للحراك السلمي من ناحية ومن ثم مستقبل القيادة للقضية الجنوبية بشكل عام من ناحية أخرى ، هذا الحل يتضمن إيجاد اطر قيادية للقضية الجنوبية مكونة من ثلاثة مستويات ودعونا هنا نستعرضها بإيجاز شديد: المستوى الأول : وهو وجود صف قيادي ميداني وهذا المستوى من القيادة موجود لدينا والحمد لله ويعود له الفضل الأول بعد الله في إظهار القضية الجنوبية في الدوائر الثلاث ( المحلية، الإقليمية، الدولية ) وهذا الصف القيادي الميداني ومعهم ثوار الجنوب في الميدان من واجبنا أن نرفع لهم تعظيم سلام ونقول لهم لقد دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه انتم وجمهوركم الميداني الجنوبي العظيم وذقتم المعاناة والتعب والسهر و..و.. و.. الخ ولكن يجب عليكم أن تستوعبوا أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين فن القيادة في الميدان والقدرات المطلوبة لقيادة العمل السياسي الاحترافي في الغرف المغلقة وعلى طاولات الحوار .. فهذه الأماكن لغتها السياسية ليست لغة الخطابات الجماهيرية بل لغة السياسة الاحترافية وهذا لايعني تهميش الصف القيادي في الميدان بل يجب أن يكون الصف القيادي الميداني هو المتحكم بمجرى الأحداث الميدانية ولكن مطلوب منهم أن يمنحوا محترفي السياسة فرصة لكي يقوموا بدورهم السياسي المطلوب في المرحلة الراهنة . المستوى القيادي الثاني : وهو الصف القيادي المتخصص في الجانب السياسي الذي نفتقده في الوقت الراهن والمطلوب تأسيسه في اقرب وقت ممكن .. ويجب أن يكون هذا الاطار القيادي هو المتصدر للمشهد السياسي الجنوبي خاصة وان المرحلة تتطلب سياسيين محترفين ويضم هذا الإطار القيادي السياسيين المحترفين من فصائل الحراك المتوفرة لديهم الكفاءة السياسية الاحترافية ومن القيادات الجنوبية في الأحزاب بشرط أن يكون ولاؤهم الأول والأخير للقضية الجنوبية وليس للمركز المقدس في صنعاء وأيضا السياسيون المحترفون من المستقلين ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميون والشخصيات الاجتماعية وممثلو الشباب وممثلو المرأة والمشايخ والسلاطين ورجال المال والأعمال ورجال الدين والمغتربون ويجب أن يكون أعضاء هذا الصف القيادي - وهذا مهم جداً - من السياسيين المحترفين وليس من هواة السياسة هذا المستوى من القيادة الذي أسميناه بالصف القيادي السياسي الجامع لساسة الجنوب في الداخل يجب أن يكون هو الواجهة السياسية الرئيسية للقضية الجنوبية الذي يحق له التمثيل الشرعي للقضية الجنوبية أمام الجهات الشمالية والإقليمية والدولية بالتنسيق والتشاور مع القيادات الميدانية في الحراك والاستئناس فقط برأي المعارضة الجنوبية في الخارج .. الصف القيادي الثالث : وهذا الإطار القيادي يجب أن يكون من نصيب المعارضة الجنوبية في الخارج .. ويكون بمثابة مرجعية فقط للقيادة الجنوبية في الداخل.. وهذا لا يعني التقليل من قادة الجنوب في الخارج بل بالعكس يجب أن يكون لهم دور فاعل على المستوى الخارجي .. وعليهم أن يدركوا جيداً أن دورهم وجهودهم يجب أن تكون مضاعفة على اعتبار أن معظمهم كانوا مساهمين في إدخال شعب الجنوب إلى هذا ( ... ) فنعتقد أن مهمتهم السياسية في الخارج يجب أن تتجه إلى توظيف علاقاتهم الشخصية والجماعية مع أنظمة الجوار العربي ..وأيضا الجانب الدولي لشرح قضية شعب الجنوب وما يعانيه من ظلم. الخلاصة :القيادة السياسية الاحترافية في أي مجتمع تلعب دوراً كبيراً في التسريع بحل قضايا مجتمعها ..فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى هذا النوع من القيادة .. فقضيتنا الجنوبية العادلة قد صارت اليوم والحمد لله في واجهة المشهد السياسي المحلي والإقليمي والدولي .. فنحن الآن بأمس الحاجة إلى إطار سياسي موحد وليس واحداً .. وليكن التنوع في إطار التوحد.... ونعتقد أن هذا الإطار السياسي المطلوب يجب أن يكون الإطار القيادي الثاني كما أشرت إلية سابقاً .. وتكون آلية عمله في رسم السياسات وصناعة القرارات التي تخدم قضية شعب الجنوب تتم بالتشاور والتنسيق والعمل التكاملي بين الأطر الثلاثة ...ولكن القرار النهائي يجب أن يتخذ من قبل القيادة السياسية الجنوبية الجامعة في الداخل ممثلة بالإطار القيادي الثاني. ما طرحته هو اجتهاد شخصي قابل للخطأ والصواب وكما تؤكد شريعتنا الإسلامية السمحاء في هذا الجانب ( من اجتهد وأصاب فله أجران ...ومن اجتهد وأخطأ فله اجر ).. نعتقد بل نجزم أن المساهمة في طرح الحلول لقضايا مجتمعنا الجنوبي واجب ديني قبل أن يكون واجباً وطنياً وسياسياًَ خاصة وشعب الجنوب يعاني كثيراً من النهب والتدمير والإلغاء منذ عام 94م وحتى اللحظة وعلينا أن نطرح الأمور بموضوعية ومصداقية وشفافية بعيداً عن المجاملات والمحسوبية والتمترس الحزبي او المناطقي .. قضية شعب الجنوب أمانة في أعناق كل جنوبي حر .. خاصة الفئات السياسية المذكورة سابقاً .. فيجب علينا أيضا أن نقود ثورة جنوبية تنويرية هدفها الأول والأخير تنمية الوعي الكامل بقضيتنا العادلة في الداخل والخارج لنصل في نهاية الأمر إلى قيام حوار جنوبي - جنوبي في اقرب وقت ممكن.. تكون مخرجاته وجود قيادة جنوبية موحدة وليس واحدة .. ويا مخارج خارجنا.