لهذه الاستعارة تقسيمات متعددة حسب حالات الصورة البلاغية نبسط منها، ونضرب نماذج من البلاغة القرآنية المعجزة ، ونتناول مراتب أخرى في استخدام أنواع من الاستعارات في أقوال الأدباء والشعراء العرب . 1 - الاستعارة التصريحية : وتعتبر أعلى مراتب هذه الصور البيانية في باب الاستعارة . وفيها يطلق المشبه به ذاته على المشبه ، وهي لون بياني راق . يقول الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من (الظلمات ) إلى (النور ) فقد صور المولى جل وعلا ( الضلال ) الذي كان يعيش فيه الناس قبل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ( بالظلمات ) وحذف المشبه من الصورة البيانية، وصرح مباشرة بالمشبه به وهو ( الظلمات ) . كما ذكر ( النور ) كمشبه به ( للحق ) الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام على سبيل الاستعارة التصريحية في أكمل صورها . ومن النماذج الجيدة لمرتبة البلاغية الشعرية في الاستعارة التصريحية قول المتنبي وقد قابله ممدوحه وعانقه : فلم أر قبلي من مشى البحر نحوه = ولا رجلا قامت تعانقه الأسد فقد صور الكريم ( بالبحر ) وحذف المشبه ، وصرح بالمشبه به . وصور المعانقين له الشجعان ( بالأسد ) على سبيل الاستعارة التصريحية . 2 - الاستعارة المكنية : صورة بيانية يتم فيها تصوير المشبه ، بشيء متعلق بالمشبه به المحذوفأو قرينة له أو شيء من صفاته . ومن أمثلتها في الإعجاز القرآني البليغ قول الله سبحانه وتعالى : (وقطعناهم في الأرض أمما ) فقد شبه تفريق الجماعات في الأرض بفصل الأجسام المتماسكة الذي هو التقطيع ، واستعار الثاني للأول ، وجعل الجامع بينهما إزالة الاجتماع وهو داخل في مفهوم الطرفين المشبه والمشبه به ( التفريق والتقطيع ). ومثل قوله تعالى :( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) فإن المستعار منه هو :كشط الجلد عن نحو الشاة ، والمستعار له : كشف الضوء عن مكان إلقاء ظلمة الليل. فيكون حال النهار حينئذ كحال الشاة تظهر من الجلد وتخرج من الإرهاب ويترتب على ذلك ختام الآية ( فإذا هم مبصرون ) ولا يترتب عليه ( فإذا هم مظلمون ) . ومن الأقوال الأدبية النثرية قولهم :( كان فلان أكتبَ الناس إذا شرب قلمه من دواته ، أو غنى فوق قرطاسه) ومن الشعر قول الشاعر : وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لاتنفع ولئن نطقت بشكر ربك منصحا فلسان حالي بالشكاية أنطق صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعرى أفراش الصبا ورواحله فقد شبة المنية بالسبع ( المضمر في النفس ) ورمز له بشيء من لوازمه وهو ( الأظفار ) على سبيل الاستعارة المكنية . وفي البيت الثاني شبه (الحال) بإنسان وأثبت القرينة وهي اللسان .على سبيل تخيل المكنية . وفي البيت الثالث شبه ( الصبا ) بجهة من جهات السفر . والسكاكي يرى أن الاستعارة المكنية في جعلها : ( لفظ المشبه المذكور المستعمل في المشبه به بادعاء أنه عينه ) فالمكنية هي مالم يصرح فيها بلفظ المشبه به، المحذوف المستعار للمشبه إليه بذكر شيء من لوازمه.عكس التصريحية . 3 - وهناك تقسيم للاستعارة من حيث الترشيح والتجريد والإطلاق : فيعرف البلاغيون ما يسمى بالاستعارة الترشيحية : وهي ماذكر معها ملائم المشبه به في الصورة البلاغية مثل : خلُقُ فلان أرقُّ من أنفاس الصبا إذا غازلت أزهار الربا . فقد أتينا بقرينة للإنسان المشبه به والمستعار لتصوير ( الصبا ) في الاستعارة المكنية ، ثم تأتي الاستعارة الترشيحية في قولنا : (غازلت ) فقد ذكرت لتلاءم المشبه به وهو الإنسان في نفس تصوير عمل الصبا في الربا ( استعارة مكنية ) ويعرف البلاغيون الاستعارة المجردة : وهي ما يذكر معها ملائم المشبه . مثل قول البحتري في المدح : يؤدون التحية من بعيد إلى قمر من ( الإيوان باد) فالاستعارة هنا في ( قمر ) التصريحية مع قرينتها السابقة عليها المتعلقة بالمشبه وهو الممدوح ( يؤدون التحية ) ثم يرشح للصورة بأن ( القمر ) من ( الإيوان باد ) في استمرار للصورة البلاغية المجردة الجديدة للقمر بالإنسان . فالاستعارتان مستقلتان وهو ما يطلق عليه البلاغيون ( التجريد) . ثم يعرف البلاغيون الاستعارة المطلقة : وهي ماخلت من ملاءمات المشبه به أو المشبه . وضربوا لذلك أمثلة منها : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ) فالصورة هنا ليس فيها مايلائم أحد الطرفين المشبه به أو المشبه وتسمى ( مطلقة ) ومنها قول الشاعر قريظ بن أنيف : قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا فقد خلت الصورة الاستعارية مما يلائم الطرفين . 4 - الاستعارة التمثيلية : وتعريفها : هي تركيب بياني بلاغي استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة ، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي . ومنها تلك الأمثلة : يقال لمن يريد بناء بيت مثلا قبل أن يتوافر لديه المال :( قبل الرماء تملأ الكنائن ) ويقال لمن يلح في شأن لايمكن الحصول منه على غاية :( أنت ترقم على الماء ). قال الشاعر لمجاهد عاد إلى وطنه بعد سفره : عاد السيف إلى قرابه وحل الليث منبع غابه ويقال لمن لم يرزق الذوق الرفيع لفهم الشعر الرائع: ومن يك ذا فمٍ مرٍّ مريضٍ يجد مرا به الماء الزلالا وقول الشاعر : متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم .