لا أحسب، أن بين خلائق الله مما عرفنا، وما لم نعرف، خليقة يمتد وعيها إلى ماضي الزمان، فتحس بأنه وقت مضى وانقضى، ويمتد وعيها إلى مستقبل الزمان فتحس أنه وقت يستقبل ويرتجى، كبني آدم. معنى الزمان دائماً حاضر لدينا قائم، نتعرف إلى الرجل فتدرك منه وجهه، وتدرك محبته الله، وحب الخير ومساعدة الفقراء، ويعد انتشار الدين الإسلامي في الأرض، سبباً في نشر الخير ومحاربة الفقر والمرض ونشر العلم بين الناس، وقد أكد الدين الإسلامي ضرورة العلم من زجل نشر الخير والسعادة بين الناس، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي شهر رمضان من كل عام قبل أن يشرفه الله برسالته وحيداً في تلك البقعة المنعزلة لا يؤنسه سوى تذكره وتأوله في أسرار الكون الذي يحيط به هناك فوق جبل النور شمال شرقي مكه في غار حراء الوحي وفي الغار هبط الوحي على محمد لأول مرة معلناً بداية الرسالة وبداية النور .. ومن منا لا يتذكر قصة نزول الوحي على الرسول .. تلك القصة التي تهز مشاعر كل مسلم. فقد جاء جبريل على محمد في غار حراء وقال له: إقرأ .. قال محمد: ما أنا بقارئ. ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني وقال: إقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني. فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم). ورجع رسول الله الى منزله وقد تملكه الروع وقص على خديجة الخبر وقال: زملوني، زملوني ، فزملوه حتى هدأت نفسه. وقال لخديجة: لقد خشيت على نفسي . فقالت: (كلا والله مايخزيك الله أبداً.إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق). وبعد أن كرم الله رسوله برسالة الإسلام، عمل سيدنا محمد على نشر الإسلام والحضارة الإسلامية التي تؤكد وقوف الإسلام مع المدنية والعلم وقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .. إن الكتابات الإسلامية المعاصرة لا تطرح مشكلات وتحديات، عارضة حلولاً أو مشاريع حلول، بل ترى أن المطلوب الإقلال من الكلام والتنظير والانصراف إلى العمل كما عمل الرسول والخلفاء الراشدون حيث عملوا بالحس الشوروي. الحس الشوروي ولا أعتقد، ولا يعتقد مسلم، ان الصديق الذي مارس الصدق مع ربه ونبيه ونفسه في اشد الظروف ملكة وعسرا وفي أكثرها إضاءة وسهولة ويسرا يمكن ان يتناول من صدقه في أخطر مسألة في حياة المسلمين. وهو ذاهب بعد لحظات أو ساعات او أيام للقاء الله الذي لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض .. يتنازل عن صدقه (عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة. الحال التي يؤمن فيها الكافر وينفس الفاجر ..). وإننا لنلمح الحس الشوروي في كافة الخطوات التي قطعها الرجل من أجل إختيار الخليفة الجديد وهو يطلب من كبار الصحابة ان يتشاوروا في الأمر مطلقاً إيمانهم من بيعته.وإذا عليهم أمرهم، وهم يخولونه الاختيار. وهو يدرس وينقب، واصفاً اشد المقاييس عدداً وموضوعية في المرشح الذي سيتولى الخلافة، وهو يعرض اختياره على جمهور المسلمين وكبار الصحابة ويتلقى منهم الموافقة .. ثم وهو يؤكد حرصه وخشيته وإحساسه بالمسؤولية خلال اختياره عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) طارحاً تحفظه على ما يمكن أن يحدث في المستقبل وما هو في طيات الغيب الذي لا يعلمه الا الله.. مندداً بصراحة بالغة بهذا الذي يمكن أن يحدث.. وأخيراً فأن الرجل الذي رشحه لا يمت إليه بقرابة ولا عصبية .. وفضلاً عن هذا وذاك فإن عمر (رضي الله عنه) لم يكن بالرجل العادي الذي يمكن أن يكون اختياره مسألة غير متوقعة بالنسبة للمسلمين .. على العكس فإن اختياره جاء مصداقاً لمتطلبات اللحظات الراهنة .. وكأنه والتاريخ كانا على ميعاد، الأمر الذي يفسر لنا ترحيب المسلمين بمحبته الذي كان متوقعاً، بل محسوباً .. ويفسر لنا في الوقت نفسه الإنجاز التاريخي الذي حققه .. فإن أمه تطحنها الخلافات لا تستطيع أن تعمل شيئاً!؟.. كانت هنالك ايضاً بيعتان خاصة وعامة، وكانت هنالك ايضاً خطب وكلمات هي أشبه بمؤشرات عمل عبر سني المسؤولية .. قال (إنما مثل العربي مثل جعل أننا أي حديث عهد الولادة فلينظر قائده حيث يقوده. أما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق) وقال (ولست ادع احداً حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على الخد الآخر، حتى يذعن للحق. ثم إني بعد شدتي تلك أضع خدي على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف). وهكذا نرى الدين الإسلامي في عهد الرسول والخلفاء الراشدين عمل على نشر العدل والحرية والمساواة ونشر العلم والمعرفة ومساعدة المحتاجين والفقراء .. قال عمر بن الخطاب (اللهم ارزقني فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة). وقال المأمون: (لا خير في السرف، ولا سرف في الخير). وقد حث الدين الإسلامي المسلم على حب العمل من أجل كسب القمة الشريفة، كما حث على مساعدة الفقراء والمحتاجين، واليوم تنتشر العديد من المظاهر التي تدعو إلى الوقوف أمامها منها مظاهر الترف، والفقر، أنه مثل يحضرني دائماً كلما ذكرت الوحدة بين الخلق، ذلك مثل الكوخ والقصر. في كل منهما حياة، تختلف في ظواهرها كثيراً، ولكنهما متشابهتان متطابقتان في أصولهما. رجل القصر يجلس في غرفة، وينام في غرفة، ويأكل في غرفة، وقد يفطر في غرفة، ويتغدى في غرفة، ورجل الكوخ له غرفة واحدة للجلوس والنوم والطعام وكل شيء، ورجل القصر يجلس إلى المائدة فيجد الملاعق، ملعقة للحساء، وملعقة للحلو، وملاعق شراب وكذا السكاكين هذه سكين اللحم ، وهذه للسمك وهذه للحلوى وهذه الفاكهة ورجل الكوخ ليس عنده الا ملعقة واحدة لعلها من خشب، يستعملها للطبخ، وللمائدة هذا إذا كان يجلس إلى مائدة والملابس عند صاحب القصر أصناف وأنواع ولكل مناسبة ملبس من طراز ولكن رجل الكوخ له ملبس واحد هو الليل والنهار، ولكل مناسبة وغير مناسبة. ومع هذا فالرجلان يجريان الحياة في عمليات واحدة، أصولها واحدة. الإنسان أثمن رأسمال لقد عمل الدين الإسلامي على حماية الإنسان وتكريمه، وحمايته من الفقر والمرض والجهل لذا واجب الدولة أن توفر العمل المناسب والمسكن المناسب .. وتوفير الغذاء والكساء، والمأوى، والتعليم .. ومحور العدالة الاجتماعية التي أقرها الدين الإسلامي تحتوي على نظام العدالة الاجتماعية مع قدر صغير من الموارد يستطيع أن يتحملها نظام آخر به موارد أكبر ولكن لا تتوفر فيه العدالة الإجتماعية، والمشكلة إذاً ليست تعبيراً عن سباق غير متكافئ . نمو السكان في الدول الإسلامية ونمو الموارد المحدود من ناحية أخرى، ادى الى انتشار الفقر في معظم الدول العربية، اليوم نجد جمود وتخلف التشكيلات الإجتماعية المهيمنة بالبلاد المتخلفة ومابها من ظلم إجتماعي. ولا يجوز ان ننسى ولو للحظة واحدة ان الإنسان هو أثمن رأسمال، وأنه ثروة وأن التنمية في النهاية نتاج عمل الإنسان وثمارها يجب أن تعود إليه.