برز الراحل رمزي الخالدي بكتاباته البناءة وأسلوبه الجميل وتميزه بشفافية الكلمة وجمال المعنى.. ليشكل بها أسلوباً جديداً للشعر الجميل والبسيط في مرحلة هامة تنير الطريق أمام الشعر وكاتبه.. بالنسبة له كشاعر فهو يمتلك حساً مرهفاً وقلم يخضع دوماً لرغباته يتحكم به كتحكمه بمزاجه الذي يسيطر عليه معظم الأوقات، يكتب كل ما يجول في خاطره من آهات وتنهيدات نصفها عبارة عن أحزان والبقية بين الحنين والأحلام.. أما عن شخصيته كإنسان فهو رجل ذو أخلاق عالية.. وفي لأبعد حد مع رفقائه.. وإذا تأملت إلى شخصه فسوف تجده فناناً محباً لفنه ذا انتماء لبيئته، وإذا قرأت بعض كتاباته وأعماله في مشواره فسوف تجده قد صعد سلم النجاح من أوله، بداية بالواقعية التي كان يعيشها وختاماً بالنهاية المأساوية التي كان يتوقعها ويتعايش معها. غير أنه إنسان فلسفي عميق ودائماً ما يتحدى الموت في شعره ولا يهابه بل في بعض الأحيان يعتبره صديقاً له ودوماً ما كان يترقب الذهاب.. رمزي الخالدي وكما يحب أن يعرف نفسه "عالم آخر من التضاد، يعيش بالشعر والهيدراء، حيث أن الشعر ليس مراقاً للكثير وخاصة في الوسط المتأخر، لذلك حين تكتمل هذه الفوضى العابرة ستجد أنها تحكي عن الشعر، وعن مرحلة ترجلت لتصبح شاقة، أو لتصبح من البدون إلى البدون".. والشعر في نظره هو التحول من عالم إلى آخر حيث أنه سيظل ملاحقاً للشاعر حتى في حال وفاته، وأعجبني حينما وصف نفسه في حوار كان معه عندما قال: "سأجد نفسي في فلسفة القصيدة تلك الفلسفة التي أصبحت تتمخض وتظهر في الواجهة على اعتبار أنها الوجود الإنساني ذاته ،فلا أحتمل وجودنا-أنا والقصيدة- بغير الذات الواحدة، فهي الأصل والفرع والمواطن والوطن، وأنا ذاتها تماماً".. وكان قد قال: إن الشعر في مرحلة من المراحل كان جسد الأمة العربية، وكذلك الأمة الإسلامية، وكل الأمم ومثلها خير تمثيل.. هكذا كان وصفه لنفسه وللشعر قبل وفاته (رحمه الله).. * سيرته الذاتية كما يعرفها الآخرون هي:- الاسم: رمزي حسن عبدالقادر الخالدي تاريخ الميلاد سنة 1983م تخرج عام 2004/2005م تحصل على دبلوم علوم حاسوب وعمل بالتعاقد في مكتب ضرائب كبار المكلفين بتعز.. له ديوانان لم يطبعا بعد وهما:- أطياف الهيدراء - فقاعات منسية تحت شجرة الغريب وثلاث روايات لم ينجزها بعد وهي: - المزلاج - الزجاجة - الكيميائيون الثلاثة ورواية أنجزها مجهولة الاسم.. كما له عدد من الدراسات النقدية المنشورة في الصحف والمواقع الثقافية الإلكترونية، وكثير من الكتابات الفكرية والسياسية. وله أيضاً تجربة في الكتابة النقدية ونشرت له كثير من القراءات النقدية لبعض الأعمال الشعرية أبرزها كان قصيدة (الذئب) للشاعر الكبير محمد حسين هيثم. بعض من كتاباته التي تركها قبل رحيله: أموات هذه الليلة يعبرون فوضى في سحاب هشيم تذرهُ غفوة الكتاب كما أنت في الشجن قلبي عامر بالموت على روحي الجافة سلاس الفراش وهدوء من نواح أجاهر قمة البلاهة وأداعبها من منتصف الهروب *** سأحرص على القبلة الأولى من حبيبتي أن لا تمتزج بالتراب أو برتابة الموت.. في الحقيقة أن تموت أو أن تعيش.. لا فرق.. الشأن واحد بالمضغ أو دونه.. أتحسس مثواي بحسد أعد نتوءات الليل.. بينما الأثداء الجديدة للنوم هي كعكة (بويطيقيا) الموت.. *** - لا تكتب شيئاً.. دون عنوان لا تكتب شيئاً دون قافية لاشك أنهم - وبدون إذن - يقرفونك ويكنسون أفواههم فيك! ويرضخون للكاذبين - كعاداتهم - كالبشر مع الكلاب يتساومون ومع الذئاب يعدون.. لذبح العافية! *** - ما عاد للوقار هيبته لم تعد البغتة التي رسمتها في الصورة نبتتان واجهتي إقليم للهذيان فيها وتاريخ أطول من التاريخ ذاته انطوائي هذا التاريخ إلى حد الرونق والأصيل مصفر كعادتي مصفر كالنبتة الأولى وسأدفن عُراة. *** - أتعافى من شيخوخة القلق ثم اقرأ.. تعاويذ صلاتي لأصلي تراتيلاً في الغضب تراتيلاً في الصمت صلاة (للفوليك) و(الهيدراء).. *** - يداهمني الليل.. ويأخذ أفكاري لماذا كل هذا؟.. من اجل أشوفك.. بيني وبين خواطري وتمتمات ازراي.. لا تخاف إني على وعدي .. اقرأ حبك .. لأهديك أشعاري.. أن أخافك .. أنت.. إني أخاف ليلك أن يغتال نهاري.. اشعر بك تكلمني .. اشعر بك .. تهز كياني.. أن أموت عليك.. أموت إذا نطقت بكلماتك لساني.. لن أموت كمداً.. لكنني سأموت.. بين خيالي.. أموت إن لم أرك.. بين يميني.. ويساري.. إني أقول لك.. خذ رأيك فيني وادفني بين ضحاياك.. لأموت حيا.. قبل أواني... تعال لنبقى أبداً.. تعال لنتحدى الأزمان.. لنموت بغير العام.. الذي ماتت أمي العربية.. بغير زماني *** في أوردتي منتجع للرهبة، وفي الحب لثغة لنفاية مهووسة كلنا مدينون للنقيض الأنقاض مُهاجرة ضآلة في الخريطة بصقة الفجر في كفي كانت هذيان للسنديان بمنفضة واحدة سأزور العالم وأجمعني دُمى شائكة للوجع مر عام لم ترضع فيه الأدخنة في اليأس حليبنا.. ومتسع للضحك الجناية: أن تغسل وجعك بك، وتغتسل بما يرسمه الملحدون *** - حين أموت، من المؤكد إني سأشتاقكم، ومن اللامؤكد أن دموعكم البسيطة ستحتفل بقبعات مدهونة.. سأعاتب الله قليلاً لاستعجاله دفني، في هذه الحالة لن أتحايل عليّ ، كالعادة ، اركل الكذب واسمع له بإبتسمولوجيا مقارنة.. لا بأس حين ارتحل مع حي بن يقضان، وحين أنتهي من الصلاة عليّ، سأحاول أن اخرج الابتسامة من منديل سبق أعددته لهذا اليوم.. "حقيقة من أجمل ما قرأت عن تصوير الموت والاستعداد له فعلاً له فلسفته الخاصة وإن كانت لاذعة بعض الأوقات وعليها مجمل تساؤلات"..! رحل مخلفاً وراءه كلماته وأشعاره وفلسفاته ورواياته الأخيرة التي أغلبها لم تكتمل بعد ليحتفظ بما تبقى منه أهله وأصدقاؤه ومحبوه وفي ذكرى وفاته يظل القلم عاجزاً عن فك طلاسم المرادفات أمامه ويبقى معلقاً على جدران أرواح كل من يذكره ويبقى الخالدي حكاية من الوفاء تتجدد عام تلوعام..