فرض الإنترنت واقعه علينا وأصبح من أساسيات حياتنا، بل وحتى أصبح حقاً من حقوق الإنسان في بعض الدول. فمعظمنا يقضي وقتاً طويلاً من اليوم لتصفح شبكة الإنترنت، وعندما نترك جهاز الكمبيوتر وننتقل إلى مكان آخر يكون في جيبنا الهاتف الذكي الذي يطلعنا على أحدث المستجدات عبر شبكة الإنترنت. وحتى شكل التواصل بين البشر تغير، إذ لم تعد الرسائل البريدية هي أكثر أنواع التواصل انتشاراً، وقد قدم الإنترنت خدمات للتواصل عبره مثل (الماسنجر) والمواقع الاجتماعية، هذه الخدمات التي تتميز برخص الكلفة مقارنة مع الاتصالات الهاتفية وبلحظية التواصل وسهولته، وإمكانية التواصل مع مجموعات في وقت واحد. ولكن هل تساءلتم يوماً ما هو تأثير هذا الارتباط الدائم بالإنترنت على عقولنا؟! البعض منا لا يعرف بأن الإنترنت يقوم بتشتيت التركيز ونسيان المعلومات المهمة ويجعلنا نفكر بشكل سطحي ما يفقدنا الكثير من الصفات التي كنا نتمتع بها ونمتلكها قبل ظهور الانترنت في حياتنا واستخدامه بهذا الشكل المفرط. يقول الكاتب نيكولاس كار، مؤلف كتاب ما الذي يفعله الإنترنت بعقولنا، أن الإنترنت يجعل تفكيرنا أكثر سطحية، حيث أننا نكون في حالة عدم تركيز مستمرة بسبب تركيزنا في أكثر من شيء في نفس الوقت. فهذا إعجاب على (فيسبوك) وهذه رسالة على البريد الالكتروني وتنتقل مسرعاً لترى الفيديو الذي نشره صديقك على (تويتر)، وبالتالي نعيش فترة طويلة جداً من اليوم في حالة تشتت دائم وعدم تركيز. وعن دراسة حول أن الانترنت يسلبنا حياتنا يقول غراهام جونز عضو الجمعية النفسية البريطانية: إن الإنترنت أصبحت جزءاً مكملاً في حياة الإنسان، وكذلك الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع. وأضاف محذراً «نحن فقط خدشنا السطح». وجاءت هذه النتائج وسط تنامي الجدل بشأن تأثير الإنترنت على أدمغتنا وحياتنا اليومية. وقال جونز: إن الأبحاث والدراسات المتعلقة بالإنترنت تظهر تناقضات، ولكن هناك دلائل على أن للإنترنت تأثيرات على ذاكرتنا أيضاً. واستدل بذلك على أننا لم نعد نتذكر المعلومات في الوقت الذي بات فيه محرك البحث متاحاً يمكن اللجوء إليه في أي وقت. إذاً نستطيع القول إن الإنترنت سلاح ذو حدين فكما يقدم الإنترنت المعلومات المفيدة والتي تنير حياة مستخدمه فهو أيضاً يقدم المعلومات السلبية، مثل المعلومات الإباحية والمعلومات التي تحرض على العنف والطائفية وخلافه. صحيح أن الإنترنت يعد مصدراً جيداً للمعلومات، ولكن المشكلة في طريقة استخدامنا وحفظنا لهذه المعلومات. فعندما نكون على جهاز الكمبيوتر لنقرأ مقالاً هاماً ومليئاً بالمعلومات المفيدة، يكون التشتيت كبيراً من مواقع الشبكات الاجتماعية والبريد الالكتروني، وبالتالي لا تظل المعلومات في ذاكرتنا لوقت طويل.. فالمعلومات تحتاج إلى بعض الوقت من التركيز حتى تتحول من معلومات في ذاكرتك القصيرة إلى معرفة محفوظة في الذاكرة طويلة الأمد، وهذه العملية تسمى Memory) (Consolidation أو تعزيز الذاكرة، ولكن مع ما نفعله بأنفسنا ومع هذا التشتيت المستمر لا نحصل على أي معلومات تقريباً لأن جميعها تُنسى بسرعة كبيرة لوجودها في الذاكرة القصيرة. والمتعارف عليه أن التركيز في أكثر من شيء في نفس الوقت، مع وجود ذاكرة قصيرة لا تحفظ المعلومات.. يذكرنا هذا بشيء واحد فقط ألا وهو!.. جهاز الكمبيوتر.. فنحن نتحول ببطء إلى أجهزة كمبيوتر آدمية تتعامل مع المعلومات بسطحية وتنسى بسرعة هائلة بسبب الذاكرة المؤقتة. إضافة إلى أن الإنترنت بسط سيطرته على عالمنا ولا نستطيع الاستغناء عنه.. والحل المتعارف عليه إذا ما أردت أن تخرج نفسك من مأزق الانترنت وسيطرته على عقلك هو أن تستقطع وقتاً من يومك بشكل منتظم لتركز فيه على شيء واحد فقط، سواء مهارة ما أو هواية أو قراءة كتاب أو غيرها بعيداً عن كل وسائل التكنولوجيا المشتتة، وبالتالي تترك الفرصة لعملية تعزيز الذاكرة لتحول المعلومات إلى معرفة لتبقي عقلك متجدداً ومليئاً بما هو مفيد بالتالي تعود حياتك إلى طبيعتها بعيدة عن شتات التكنولوجيا وتطورها المستمر.