حدد التعداد العام للسكان والمساكن الأخير الذي جرى في ديسمبر الماضي عدد المغتربين اليمنيين في دول المهجر بحوالي 1.7مليون مغترب وكانت وزارة شئون المغتربين قد قدرت في أوقات سابقة العدد الكلي للمغتربين أصليين ومن أصل يمني بأكثر من 5.7ملايين مغترب منهم 4ملايين و 730ألف من أصل يمني يتواجدون في إندونيسيا 4.5ملايين والهند 100ألف ونفس العدد الأخير في ماليزيا و 30ألف منتشرين بالتساوي في كل من سنغافورة وبروناي وجزر القمر وتتركز أكبر عدد من المغتربين اليمنيين في المملكة 700ألف تليها الإمارات 500ألف مغترب ثم جيبوتي 25ألف وتتواجد أعدد كثيرة منهم في دول شرق أفريقيا في مقدمتها كينيا ومدغشقر وتنزانيا والصومال وكذا في بعض دول الأمريكيتين وعلى رأسها الولاياتالمتحدة 40ألف مغترب إلى جانب عدد من الدول الأوروبية منها بريطانيا 22ألف مغترب. وما يثير التساؤل هنا هو مدى تلك الروابط والوشائج التي تجمع بين تلك الأعداد الكبيرة الموزعة على دول الشتات؟ ما يميز هذه الهجرة لليمنيين إلى كافة القارات الخمس هو احتفاظ اليمني في غربته بالكثير من روابطه بأهله ووطنه وعاداته وتقاليده ونقله لأولاده ما أمكنه ذلك، وأشار وكيل وزارة شئون المغتربين إبراهيم الرشيد إلى ارتباط المغتربين اليمنيين في كل مهجر بالكثير من الصلات والروابط الحميمة، ولم تقلل من ذلك سنوات الغربة ومشاقها كما لم تقلل منه عوامل النجاح والثروة والاستقرار التي تحققت لكثيرين منهم بل زادتهم ارتباطا ببعضهم وبوطنهم وأهلهم، وفي كل بلد اغتراب كان اليمني خير ممثل وخير سفير لبلده وشعبه اكتسب ثقة واهتمام من عاشرهم وتعامل معهم على اختلاف الوانهم ودياناتهم وثقافاتهم واكتسب من النجاح ما هو جدير به وما أهله لمزيد من احترام أبناء بلدان اغترابه . وقال الوكيل في دراسته الموسومة "من صور الهجرة اليمنية وحقائق الاغتراب" أن مظاهر التعاون والتكافل التي تسود أوساط المغتربين اليمنيين في العدد من بلدان الاغتراب مشهودة على الرغم من بعض حالات الضعف والقصور هنا أو هناك وحب المغتربين لشعبهم ومن يصل ضيفاً عليهم وكذا حنينهم لوطنهم بذكرياته ومسمياته وجباله ووديانه جميعها أمور يوازيها في أحيان كثيرة الجحود وعدم الاهتمام الذي يطالهم في غربتهم، وعند عودتهم وأبناءهم للوطن. ويرى وكيل وزارة شئون المغتربين أن جانب كبير من المشاكل التي يعانيها المغتربون تقع فيما بينهم، وأسبابها إلى جانب ضعف الوعي لديهم وضعف مستويات الرعاية وأشكال التواصل معهم، تعود إلى علاقات غير إيجابية وحساسيات وخلافات ربطتهم في مناطقهم قبل وخلال غربتهم أفراداً وأسراً وقرى ومناطق، وذلك بالنظر إلى أن الطابع البارز لهم في غربتهم وتجمعاتهم في الخارج يأخذ شكلاً يجمع بين الأسري والقرابي والقروي الأمر الذي لا يمكنهم في معظم الأحيان من التخلص من نمط علاقاتهم والتزاماتهم الاجتماعية السابقة في الوقت الذي يكون في كثير من الأوقات السبب المباشر في احتفاظهم بعلاقات هشة وسطحية، إلى جانب أنه يمثل في أحيان أخرى سبباً لعلاقات أكثر سلبية مع باقي المغتربين المقيمين معهم ممن ينتمون لمناطق ومحافظات أخرى، الأمر الذي يشغلهم ويكلفهم كثيراً، وفي ذات الوقت يحرمهم من حقوق ومصالح كثيرة كان بإمكانهم الاستفادة منها فيما لو كانت أشكال العلاقة والترابط فيما بينهم أفضل من ذلك، بما في ذلك إمكانية استفادتهم وابنائهم من الإمكانيات والفرص المتاحة أمامهم في بلدان اغترابهم للتعلم واكتساب المهن والمعارف والخبرات،و انعكس هذه الحال بشكل واضح على أوضاع وأداء الجمعيات والهيئات المنبثقة عنهم في عدد من بلدان الاغتراب . وتختلف هذه الأوضاع والتوضيح للوكيل عبد الرشيد من بلد ومنطقة اغتراب لأخر، أما بسبب طبيعة الأنظمة والأحوال العامة في تلك البلدان، أو بسبب تركيب وثقافة أولئك المغتربين أنفسهم وأحياناً للسببين معاً، إذ يعاني المغتربون في بلدان الخليج إلى حدٍ كبير من أثار الأحداث والمتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية والتي أدت إلى إحلال العمالة الأسيوية محل العمالة العربية وتشبع كثير من القطاعات ومجالات العمل التقليدي في حين هناك كثير من المغتربين في بريطانيا يعيشون على رواتبهم التقاعديه، أو من أجور غير كافية أمام مستويات المعيشة وتكاليف الحياة الباهظة هناك وهي في الأصل ناتج أعمال شاقة في بعض المصانع أو في مجال التجارة، ومع اختلاف حال المغتربين في أمريكا بعض الشيء، فإنهم يعيشون ويعملون في الغالب في ظروف عمل وحياة أقل ما يمكن وصفها أنها جهادية واضطرارية، وفي الوقت نفسه تواجه المغتربين في بريطانياوأمريكا مشكلتان على قدر كبير من الأهمية والحساسية، وتتمثل الأولى في مخاطر فقدان أولادهم وبناتهم المقيمين معهم هويتهم الثقافية، فيما تتمثل الثانية في معاناتهم من جراء عدم قدرتهم على التكيف الحقيقي في حياتهم الجديدة. إن هذه التأثيرات تكاد تذوب بالنسبة للمهاجرين اليمنيين المقيمين في إندونيسيا والهند وسنغافورةوماليزيا، حيث هجرتهم أقدم بكثير، وقد اندمجوا كثيراً وتعايشوا واستقروا في بلدانهم الجديدة، وانقطعت بالمقابل أكثر صلاتهم وروابطهم بالوطن الآم، لكن هذا الأمر لا يخلو من احتمالات المشاكل والأخطار والتحديات العاجلة أم الآجلة.