عاد الهدوء الي العاصمة اليمنيةصنعاء بعد مظاهرات الجوع التي استمرت ثلاثة ايام، واسفرت عن اكثر من اربعين قتيلا وعشرات الجرحي، ولكن جذور الازمة ما زالت باقية علي حالها وتهدد بمظاهرات جديدة ربما تكون اكثر صخبا. الاسباب المباشرة لاندلاع المظاهرات تتلخص في اجراءات اقدمت عليها الحكومة مضطرة، مثل رفع اسعار الوقود والمشتقات النفطية بمقدار الضعف. ولكن الاسباب غير المباشرة تتمثل في الفساد المستشري والاوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتصاعد موجات العنف الاجتماعي، والصراعات المناطقية والطائفية. الحكومة اليمنية ارتكبت خطأ فادحا عندما زادت الاسعار دفعة واحدة، ودون ان توازي ذلك برفع معدلات الرواتب بطريقة موازية، وتوفير المزيد من فرص العمل لطابور العاملين العاطلين. اسواق العمالة الخليجية، والسعودية منها علي وجه الخصوص، كانت تشكل حاضنة استيعابية للعمالة الزائدة، وتوفر مصدراً جيداً للدخل يزيد من حركة العجلة الاقتصادية اليمنية. فقد بلغ مدخول اليمن من عوائد اليمنيين العاملين في الخليج والمملكة العربية السعودية ما يقارب المليارين ونصف المليار دولار، واحدثت هذه الدخول حالة من الانتعاش الاقتصادي انعكس في اعمار واستثمارات داخلية في ميادين زراعية وسياحية متعددة وفرت عشرات الآلاف من الوظائف. الاسواق السعودية اغلقت ابوابها في وجه العمالة اليمنية منذ حرب تحرير الكويت عام 1991، حيث جري ابعاد حوالي مليون عامل يمني انتقاما من موقف اليمن، حكومة وشعبا، علي معارضة تدمير العراق. وفشلت الاتفاقات الحدودية التي وقعتها الحكومة اليمنية مع نظيرتها السعودية قبل اربع سنوات من اعادة فتح هذه الاسواق مجددا واعادة الامتيازات التي كان يتمتع بها العامل اليمني في السعودية ومن ضمنها الغاء شروط الكفيل. التنازلات الحدودية اليمنية الضخمة للسعودية، سواء فيما يتعلق باسقاط المطالبة باقليمي نجران وجيزان بشكل نهائي بعد الغاء معاهدة جدة التي كانت تنص علي تأجير هاتين المنطقتين لفترة مؤقتة، وفيما يتعلق بترسيم الحدود الجنوبية، لم تؤد هذه التنازلات الي فتح الاسواق امام العمالة اليمنية مرة اخري، وتقديم مساعدة مالية للخزينة اليمنية مثلما كان عليه الوضع في السابق رغم الارتفاع الكبير في اسعار النفط ووصول العائدات المالية السعودية الي مئة وعشرين مليار دولار سنويا في الوقت الراهن. الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اراد ان يسجل سابقة تاريخية باعلانه عدم رغبته في خوض انتخابات الرئاسة المقبلة واعتزال العمل السياسي، ولكن المظاهرات افسدت عليه خطوته هذه، ووضعته امام تحديات جديدة صعبة ربما تجعل من اشهره الاخيرة في السلطة، اذا استمر في خطته هذه، كابوسا مرعبا. الفساد هو اساس البلاء في اليمن، وبعد ذلك تأتي النواقص الاخري مثل عجز الادارة او انعدامها، وسوء توزيع الثروة وسيطرة المافيات القبلية علي الاقتصاد. خطورة استمرار هذا الفساد تكمن في تهديده ليس فقط لاستقرار اليمن، وانما ايضا لأهم انجازين في تاريخه وهما الوحدة والديمقراطية. 23 يوليو 2003م