في عالمنا العربي، يخرج الناس عادة إلى الشوارع إما هاتفين فرحاً (وهذه صارت حالات نادرة) أو صارخين غضباً، وهذه أيضاً صارت نادرة ليس لندرة ما يثير الغضب ولكن لأسباب تتعلق بممارسات قوى الأمن في هذا العالم العتيد. والناس في عالمنا عادة ما يهتفون لفرق كرة القدم المنتصرة في حروبها الكروية، وأيضاً حينما يعلمون بوجود نجم سينمائي أو مطربة من وزن نانسي عجرم أو هيفاء وهبي. وفي حالات معروفة فهم يخرجون بناء على تعليمات مشددة ليصطفوا على جوانب الطرقات ملوحين بالأعلام عند مرور بعض المواكب الفخمة. أما الخروج صارخين وغاضبين، معبرين عن استياء معين من أوضاع سياسية واقتصادية وإنسانية، فقد صار نادراً جداً، عدا في بعض العواصم التي صار خروج الناس فيها للشوارع قاعدة وسلوكاً يومياً في بعض الحالات، كمصر ولبنان وفلسطين. وفي هذه الأيام انضاف اليمن السعيد إلى القائمة. واليمن بلد على عراقته وجماليات تفاصيله وغرائبياته وأسرار قبائله وتاريخه وتداخلات التاريخ والجغرافيا والسياسة فيه، لم يحظ بالاهتمام الإعلامي المطلوب، لكن ذلك لا يمنع بروز اليمن لواجهة الأحداث بين الفينة والأخرى. فقد احتل اليمن المواجهة الإعلامية في أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 للعلاقات الشائكة التي اكتشفت بين تنظيم القاعدة وجهات دينية موجودة على أراضيه. ثم عاد اليمن ليحتل الواجهة يوم ذهب الرئيس علي عبد الله صالح مدعواً من قبل الولاياتالمتحدة لحضور اجتماع قمة الثماني مع أمير قطر وآخرين، ثم يوم دعا السيد الرئيس الأنظمة العربية لمزيد من الإصلاحات مطلقاً تلك العبارة المدوية ذات الدلالات الخطيرة حول الرؤوس التي ستحلق إذا لم تستوعب دروس الحلاقة العالمية التي تحدث حولها. علي عبد الله صالح اليوم يعلن بصوت عال إنه سيبدأ بنفسه، مستوعباً درس الحلاق العالمي، وذلك بعدم ترشحه للرئاسة.لا أدري إن كانت هناك علاقة بين إعلان الرئيس عدم ترشحه مجدداً، وارتفاع أسعار الوقود وخروج الناس للشوارع وأعمال العنف والقتل ونزول الجيش والدبابات لمحاصرة الوضع ولمنع تفجره، لا أدري إن كان ما يحدث في بلاد اليمن السعيد أمراً مخططاً مسبقاً بهدف خلط الأوراق وصولاً لغايات براغماتية أخرى أم أن السياسي لا علاقة له بالاقتصادي هذه المرة، أم أن نزول الناس غضباً يمكن أن ينقلب فرحاً عما قليل؟! هل أعلن صالح عن نيته بعدم الترشح ليستدعي الجماهير اليمنية للخروج مطالبة ببقائه رئيساً إلى الأبد كما فعلت قيادات أخرى، محاولاً الاستفادة من درس جمال عبد الناصر عام 1967 مع اختلاف الظرف والرمز والشخوص، أم أن الرئيس يضرب المثل لآخرين تطالبهم شعوبهم بعدم الترشح مجدداً بينما يبدو إصرارهم على الترشح أكثر من أي شيء آخر؟. * عن البيان-الإمارات - 23- يوليو-2005