مازلنا في فصل الشتاء، والأفكار عادة ما تتجه إلى تناول المزيد من السكاكر والحلويات لكنها في العيد ليست أكثر من شكليات وعادات اجتماعية يصعب على الغالبية العظمى التخلي عنها رغم أنها أصبحت تهدد ميزانية الأسر في ظل غياب ترمومتر ضبط الأسعار، الخارج عن الخدمة منذ بدء زمن التردي الاقتصادي الذي نعيشه. اقتصادي: مفهوم الكرم في مجتمعنا تحول إلى مفهوم للإسراف.. والتباهي يهدد ميزانية الأسرة كان الشيء الصعب بالنسبة لعبد الرحمن الجمالي (25عاما)ً هو التفكير ب(جعالة العيد)، تحقق من هذا الشعور حين تلا بائع الجعالة قائمة من السياط السعرية- تلاها كخطبة عصماء شملت أسعار جملة من الأصناف المستوردة بينها الزبيب واللوز سرَ تباهينا في سوق المكسرات العربي على الأقل. يقول وهو يقضم أظافرة الأسعار جنونية، لقد تقافزت أضعاف ماكانت عليه العام الماضي، رغم أنها كانت عالية في الأساس. ويقارن" كان سعر الكيلو اللوز الأمريكي 1200ريال العام الماضي والآن الضعف. إيقاع سيئ بالنسبة ل( الجمالي) جعله يتمتم (طار الراتب طار الراتب) هذا في الوقت الذي لم تراوده فكرة التخلي عن جعالة العيد ولو للحظة. يقول مبرراً: "أين سأذهب من نظرات الضيوف، لا أستطيع تحمل ذلك بالتأكيد". الناس حول جعالة العيد ليسوا منقسمين مثلها مثل الكثير من التقاليد المجتمعية التي ترى (ثقافة العيب) أنه من غير الممكن التخلي عنها ولا حتى الحد من أنواعها وتخفيف التكاليف التي تقصم ظهر ميزانيات الأسر متوسطة ومحدودة الدخل. لكن يتفق الجميع على أنها مجرد"اتكيت عيدي" له حضوره المعتاد وسط غرف الجلوس، حتى لدى الأسر الفقيرة التي تحاول جاهدة تزيين طاولات العيد بجعالة حتى ولو كانت رديئة الصنع من النعناع المحلي والمكسرات البسيطة ما يؤكد ضرورة تواجدها حتى لو كلف الأمر. موسم الجعالة ومثلما تتربع الجعالة على طاولات العيد تجدها تتصدر الأسواق والشوارع العامة في محال مؤقتة (بسطات) تظهر في هذه الأماكن مع انتصاف شهر رمضان ولها تجارها المتخصصين الذين يتسابقون بل ويتصارعون على الفوز بالأماكن الأبرز في الأسواق، حتى أنهم يعقدون صفقات مع أصحاب بعض المحلات والمتاجر الكبيرة بموجبه يسمحون لهم بإقامة تلك (البسطات) أمام محلاتهم بمقابل يتفق عليه تحدده أهمية السوق وتصدر الموقع، ولا يتوقف الأمر عند ذلك فالعائد الكبير من هذه التجارة الموسمية يسمح كذلك بأن يدفع صاحبها مبلغاً آخر لصاحب متجر قريب بموجبه يمتد خط كهربائي إلى البسطة ينيرها طوال ساعات الليل. يقول أحد التجار: مع اقتراب موسم العيد أترك متجري الاعتيادي للأولاد وأتولى أنا العمل في (بسطة الجعالة) فعائدها كبير جداً لكن مشكلتها أن هذه الأرباح تنتقص منها تلك الكميات المتبقية من الجعالة بعد مرور العيد التي يصعب تصريفها إلا مع قدوم عيد آخر. كعك البيت يتوارى خارج أسوار السوق لم يعد المنزل بذلك القدر من الاحتفاء بحلوى العيد مقارنة بما كان عليه الأمر في سالف السنين، فكثير من الأمهات أصبحن يعتمدن على ما يجلب لهن من السوق من معمول وحلوى جاهزة، بل وحتى أنواع الكعك. وعلى النقيض تماماً لا تحبذ أمل الجبري- موظفة حكومية عادة جلب حلوى وكعك العيد من خارج البيت تقول: أُنفق أكثر من نصف راتبي في جعالة العيد، لكنني لا أتنازل عن أحاول إعداد الجزء الأهم من جعالة العيد وهو الكعك في البيت، وما أجلبه من السوق لا يزيد عن الزبيب واللوز والفستق. وتراهن أمل على ضرورة تواجد جعالة العيد "تأفف أحد أقاربي المسنين العيد الفائت بعد أن ساءهُ عدم تقديم جعالة العيد له أثناء زيارة إحدى قريباته.. قال حينها بعد عودته من تلك الزيارة أحسست أني ضيف غير مرحب به. وظاهرة تراجع صناعة الحلوى والكعك العيدي- عائلياً- تبررها الأخصائية الاجتماعية ثريا يعقوب بانشغال المرآة العاملة وقلة خبرة الجيل الجديد من اليمنيات في صنع الكعك مقارنة بجيل الأمهات والجدات. لكن ما تريد يعقوب الإشارة إليه هو أن أعيادنا المحدودة جداً والمحصورة في الأعياد الدينية تعمق حضور تلك العادات المرتبطة بالعيد ومنها جعالة العيد رغم تكاليفها الكبيرة اليوم. وتلفت إلى أن مجموعة من الأبحاث الاجتماعية أجريت محلياً على فئات مجتمعية حول العادات المختلفة بينت أن الفقراء أكثر التزاماً بتلك العادات رغم ظروفهم الاقتصادية الصعبة بينما يبالغ الأغنياء في التباهي بشراء أصناف غالية الثمن من جعالة العيد أو استبدالها بعادات أجنبية. رأي اقتصادي وحين يصل الأمر حد المخاوف على ميزانية الأسرة ينبغي الإعلاء من الرأي الاقتصادي والإنصات له. بعض الخلفية أولاً يوضحها الدكتور علي الحجري أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة صنعاء (أن الوسع على الأهل في المناسبات الدينية ينبغي أن يكون في حدود الإمكانيات المادية التي يمتلكها رب الأسرة. وينتقد قراءة البعض للمفاهيم بشكل مغلوط – على سبيل المثال، الكرم كقيمة يقول: لقد تحول مفهوم الكرم إلى مفهوم للتباهي والتفاخر والإسراف رغم ضيق الحال ومحدودية دخول الأفراد. وطالب الحجري رب الأسرة بإعادة التقييم الاستهلاكي للحد من الاستهلاك الإسرافي المضر وغير المبرر في العيد، من غير المعقول أن تتحول عادة اجتماعية شكلية مثل جعالة العيد إلى مشكلة اقتصادية تربك ميزانية الأسرة لعدة شهور لاحقة للعيد.