عشرات القتلى والجرحى، وتضارب الأنباء حول وجود وساطة قبلية الدولة تبحث عن "شرعية الأحزاب" وتلوح بتصعيد عسكري كبير متابعة/ قسم التحقيقات سيطر الغموض مجدداً على تفاصيل الموقف السياسي والعسكري بصعدة في وقت بدأت تلوح فيه السلطات في صنعاء بأن الحلول السياسية قد وصلت إلى طريق مسدود. السلطات الرسمية والتي دأبت خلال الفترة الماضية ومن خلال إعلامها على الاتهام الضمني لبعض الأحزاب بالانجرار وراء الدعايات المضللة "للحوثين" دعت يوم الاثنين الماضي إلى اجتماع موسع مع قيادات وممثلي الأحزاب والقوى السياسية لاطلاعهم على التطورات الخطيرة في محافظة صعده والوقوف أمامها بمسؤولية باعتبار ما يجري حسب عبد العزيز عبد الغني رئيس مجلس الشورى قد تعدى "الساحة الداخلية" وبات مهمة انقلابية يؤديها "الحوثيون" بمساعدة خارجية وإسناد داخلي.. مؤكداً بأن الدولة التي انتهجت كل الوسائل والطرق لإيجاد حلول سلمية باتت ترى بأن ما يجري يهم الجميع في الوطن ويستدعي من كافة القوى السياسية اتخاذ موقف جاد ومسؤول لمحاصرة الفتنة. ويرى محللون سياسيون بأن لقاء الاثنين بين السلطة والمعارضة يأتي في إطار سعي السلطات فيما يبدو إلى اتخاذ موقف تصعيدي في الميدان وتلافي أي انتقادات لما قد يترتب على ذلك من آثار ونتائج. معالجات لم تفلح ومن أهم المعالجات التي طرحتها السلطات في الاجتماع مع ممثلي الأحزاب تسليم ما أسمتهم بالعناصر الإرهابية لأنفسهم للدولة وكذا تسليم أسلحتها المتوسطة والثقيلة وتسليم "الجناة" المتسببين في الأحداث الأخيرة إلى السلطات المحلية للتحقيق معهم وفقاً للقانون وأن تعود بقية العناصر إلى منازلهم مواطنين صالحين يمارسون حقوقهم الدستورية بما فيها حق تشكيل حزب سياسي وفق المعايير القانونية وهو الأمر الذي عده متابعون بمثابة إضفاء الشرعية على ما قد تقوم به الدولة من إجراءات عسكرية خلال الأيام أو ربما الساعات القادمة. تضارب الأنباء حول الوساطة وتضاربت الأنباء خلال اليومين الماضيين حول وساطات يقوم بها مشائخ قبليون لاحتواء الموقف، دون أن يبرر أحد غياب لجنة الوساطة التي كانت تعمل سابقاً في حل بعض القضايا العالقة بعد انتهاء الحرب وعلى وجه الخصوص قضية المعتقلين والتعويضات. فقد ذكرت مصادر صحفية بأن وساطات نجحت في الوصول إلى اتفاق يلقي بموجبه المقاتلون أسلحتهم مقابل السماح لهم بتأسيس حزب سياسي.. غير أن الموقع الالكتروني التابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح "الصحوة نت" والذي كان قد أكد خبر تدخل الشيخ عبد الله الأحمر في وساطة قبل بها الطرفان.. عاد الموقع لينفي الخبر مشيراً إلى أن مصدر في مكتب الشيخ الأحمر نفى بشكل قاطع أن يكون هناك أي وساطة من هذا النوع مذكراً بأن الشيخ الأحمر لم يتدخل يوماً في أحداث صعده منذ اندلاعها قبل عامين. من جانبه نفى عبد الملك الحوثي الذي تتهمه السلطات بقيادة جماعة الحوثين في الأحداث الأخيرة أن يكون قد قبل بتسليم نفسه للسلطة مقابل منحه الحق في إنشاء حزب سياسي. وكان يحيى الشامي محافظ محافظة صعده قد أكد في وقت سابق نبأ وجود وساطة وأنها توصلت إلى اتفاق يقضي بتسليم عبد الملك الحوثي نفسه إلى السلطة المحلية صباح الأحد الماضي غير أن ذلك لم يحدث. ونقلت مصادر مقربة عن عبد الملك الحوثي شقيق حسين بد الدين الحوثي زعيم ما يسمى بتنظيم الشباب المؤمن والذي قتل في مواجهات مع الجيش في العام 2004م عدم ثقته بالمبادرات والدعوات التي تطلقها الدولة وأنها ليست سوى محاولات للإيقاع به غدراً. الحرب مستمرة وبالرغم من الحديث عن جهود ومعالجات سلمية للمشكلة في صعده تقوم بها الدولة إلا أن أتباع الحوثي يؤكدون بأن الحرب مستمرة وأنهم يتعرضون لحملة إبادة واسعة بسبب انتمائهم المذهبي. ونقلت مصادر مقربة عن عبد الملك الحوثي قوله أن كل ما تقوله الدولة وأبواقها ليس سوى أساليب كيدية دأبت عليها في شن عدوانها المستمر على جماعته.. ويؤكد الحوثي بأن جميع العمليات التي يقوم بها أتباعه ليست سوى هجمات دفاعية ضد حملة التطهير الواسعة التي يتعرضون لها وعادة ما يتبادل الطرفان الاتهامات بخصوص من يبدأ الهجمات والعمليات العسكرية. خسائر كبيرة ودأبت السلطات خلال الأحداث الأخيرة على التعامل بحذر مع إعلان الأرقام للجنود الذين يسقطون في المواجهات. وكانت آخر إحصائية رسمية أشارت إلى أن عدد القتلى من العسكريين وصل إلى 13 جندي منذ مطلع الأسبوع الماضي الا أن رئيس جهاز الأمن القومي علي محمد الأنسي كشف يوم الاثنين الماضي خلال لقاء ممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية عن إحصائيات جديدة تفوق ما أعلن عنه في السابق بكثير. وقال الأنسي "أن الممارسات التخريبية والاعتداءات الإرهابية" التي قامت مجموعة الحوثي مؤخراً أسفرت عن "استشهاد 42 وجرح 81 من الضباط وصف ضابط وجنود من القوات المسلحة والأمن" وبحسب شهود عيان ومصادر محلية في صعده فإن العمليات العسكرية مازالت متواصلة من الجانبين في مناطق شتى من محافظة صعده الواقعة على بعد نحو 250 كيلو متر إلى الشمال من العاصمة صنعاء وخاصة في مناطق بني معاذ وآل سالم ومذاب وأماكن أخرى.. وأن الهدوء الحذر الذي يسود بين حين وآخر لايلبث أن ينهار تحت وطأة القصف المدفعي، أو العمليات الخاطفة الذي ينفذها الحوثيون ضد مواقع الجيش، حيث يدأب مقاتلو "الحوثي" على مهاجمة المواقع العسكرية ليلاً ونصب الكمائن التي قتل فيها عشرات الجنود فيما لم ترد أي أنباء عن الضحايا في الطرف الآخر. وعلى صعيد النتائج الإجمالية للحرب أشار الآنسي إلى أن فتنة التمرد التي اندلعت في يونيو العام 2004م تسببت في وقوع خسائر بشرية ومادية فادحة.. موضحاً بأن الفتنة ومن خلال مراحلها الأولى والثانية والثالثة أدت إلى استشهاد 727 وجرح 5296 إضافة إلى خسائر في الممتلكات العامة والخاصة قدرت ب 600 مليون دولار واستطرد الأنسي الذي يشغل كذلك مديراً لمكتب رئاسة الجمهورية بأن عبد الملك الحوثي مارس خلال الفترة الماضية عدداً من الأنشطة الإرهابية لاستهداف المواقع العسكرية والأمنية منها بناء التحصينات وعمل المتارس وشراء كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وتخزينها في أماكن متفرقة من المحافظة. إنذار بالتصعيد ويقول محللون سياسيون ومتابعون لمجريات القضية بان قيام الدولة بوضع التطورات الأخيرة أمام الأحزاب لاتخاذ موقف جماعي وموحد إزاءها بأنه إنذار واضح بالتصعيد وعدم التهاون مع أي من المتعاطفين مع الحوثيين وخاصة أطراف في كيان أحزاب اللقاء المشترك والذي تتهمه السلطات بالتواطؤ خاصة بعد مطالبته بفتح تحقيق محايد منذ اندلاع الأزمة وحتى اليوم. وجاء هذا اللقاء بعد يوم من انعقاد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للدفاع برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح، وهو الاجتماع الذي أعلن رسمياً إنه خصص لمناقشة تطورات الأوضاع الميدانية في صعدة، فيما لم يعلن شيئاً عن القرارات التي اتخذها إزاء هذه التطورات. ويربط هؤلاء المحللون بين هذه الخطوة وبين لهجة الانتقادات الحادة التي بدأت تسمع من بعض عناصر السلطة خاصة تصريح مستشار رئيس الجمهورية عبدالكريم الإرياني الذي وصف الحوثيين بأنهم (ورم خبيث) يجب استئصاله ملوحاً بالكي لعلاج المشكلة: "لقد منحوا جميع الفرص وفتحت لهم ابواب الدولة كلها، وذهبت اليهم الوفود تلو الوفود، وعرضت عليهم حلول عديدة في إطار الوحدة الوطنية والحقوق والحريات المكفولة للجميع في الدستور بلا استثناء ودون تمييز، لكنهم ركبوا رؤوسهم وما يزالون.. وكما يقول المثل فإن آخر الدواء الكي". وجاءت تصريحات الدكتور الإرياني تالية لتصريحات صادرة عن السلطة المحلية بمحافظة صعده والتي اتهمت مؤخراً وبوضوح السلطات المركزية بالتهاون إزاء ما يجري وعدم جرأتها على اتخاذ قرار حازم لمعاقبة من أسموهم ب "القتلة والمجرمين الذين استباحوا دماء الناس" في إشارة واضحة لأتباع الحوثي وفي سابقة هي الأولى من نوعها تقريباً تتعرض الحكومة والسلطات العليا لنقد شديد من قبل قيادي في السلطة المحلية بالمحافظة وهو ما جعل المراقبين يعتقدون بأن هناك ضوءاً أخضر من قبل السلطات العليا لتصعيد اللهجة المطالبة باستخدام القوة لاستخدام الحسم العسكري باعتباره الحل الأمثل لمواجهة مثل هذه الجماعات حسب مايرون. عامان من الاضطراب وتعود الأحداث في صعده إلى يونيو من العام 2004م حين اتهمت السلطات الرسمية البرلماني السابق عن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم حسين بدر الدين الحوثي بإنشاء مليشيات مسلحة للانقضاض على النظام الجمهوري والتخطيط لإعادة النظام الملكي. وبعد أشهر من المواجهات الدامية بين الجيش وعناصر من ما سمي "بتنظيم الشباب المؤمن" في منطقة مران بمديرية حيدان قتل حسين الحوثي والذي كان في سبتمبر من نفس العام.. لتشهد المنطقة بعدها مواجهات متقطعة أخذت أسلوب حرب العصابات وخاصة من عناصر "الشباب المؤمن" واتهمت السلطات حينها يحيى الحوثي والد حسين الحوثي بقيادة التمرد خلفاً لابنه القتيل لينتهي المطاف بالحوثي الأب إلى مغادرة اليمن بعد وساطة قبلية ويتخذ حالياً من فرنسا مقراً لإقامته. وظلت الأوضاع الأمنية هشة ومتقلقلة بالمحافظة حتى أوائل العام 2006م حيث أعلنت السلطات انتهاء ما أسمتها (فتنة الحوثي) رسمياً وتحدثت عن تشكيل لجان لحصر وتقييم الأضرار في مديرية حيدان بهدف تعويض المتضررين قبل أن تندلع المواجهات مجدداً بين الجانبين.