بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    هيئة علماء فلسطين تدعو الأمة إلى تفاعل ميداني ضد جرائم الإبادة في غزة    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الرئيس الزُبيدي يهنئ أوائل الثانوية العامة على تفوقهم الدراسي    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    وزير النقل يبحث مع نائب مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي اوجه التنسيق المشترك    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    الرئيس الزُبيدي يلتقي قيادة قطاع الطيران ويؤكد دعم جهود إعادة بناء القطاع وتطويره    جثث مهاجرين أفارقة تطفو على شواطئ أبين    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    العملة الوطنية تتحسّن.. فماذا بعد؟!    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    منذ بدء عمله.. مسام ينزع أكثر من نصف مليون لغم زرعتها مليشيا الحوثي الارهابية    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    اكتشاف مدينة غامضة تسبق الأهرامات بآلاف السنين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    مليشيا الحوثي الإرهابية تختطف نحو 17 مدنياً من أبناء محافظة البيضاء اليمنية    خيرة عليك اطلب الله    صحيفة أمريكية: اليمن فضح عجز القوى الغربية    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    شركات هائل سعيد حقد دفين على شعب الجنوب العربي والإصرار على تجويعه    الشيخ الجفري: قيادتنا الحكيمة تحقق نجاحات اقتصادية ملموسة    رائحة الخيانة والتآمر على حضرموت باتت واضحة وبأيادٍ حضرمية    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    لهذا السبب؟ .. شرطة المرور تستثني "الخوذ" من مخالفات الدراجات النارية    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    وداعاً زياد الرحباني    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخات لبياض ينزف!
نشر في رأي يوم 11 - 05 - 2009

استنفذت كل مبرراتي للرفض! ليس لدي أي حجة لأُشهرها في وجه شقيقي! فيما لو أفلحت بإقناع أبي بتأجيل أو حتى إلغاء فكرة الزواج، خاصة بعد حصولي على الماجستير وتثبيت أقدامي كمدرس مساعد في الجامعة. ولا مجال لدراسة الدكتوراه! لأنها تتطلب السفر خارج اليمن الأمر الذي اعرف نتائج الخوض فيه مسبقا!...
فكرت في كل هذا وأنا ألاحق وميضا لعلاقتي بهشام! يظهر ويختفي كالبرق في مخيلتي! إلى أن تلاشى! وفي لحظة لم أعيها! لحظة سيطر فيها بياض على كل ما حولي! أطبق مخالبه على جميع حواسي! وقلت بعده "نعم": كلمة في ثناياها تناقضات عدة، كلمة ستكون سبب عذابي وشقائي! سبب دماري وهلاكي! هاويتي التي سأنعم على حافتها بالحرية التي حلمت، وسأرى العالم الذي تمنيت!...
- "لا ينقصه شيء، وجيبه عامر بالمال" قالتها أمي...
- " ابن ناس، من عائلة معروفة ومحترمه" قالها أبي...
- " حاصل على شهادة جامعية في الصيدلة، وإن مارس التجارة والأعمال الحرة، كبقية عائلته" قالها شقيقي...
- " لا تستعجلي، فكري جيدا، ليست فرصتك الوحيدة! أمامك فرص أخرى!..." قالتها سلى.
وحدها عبارتها كانت خاضعة لاعتبارات مغايرة لعباراتهم، ووحدها التي كان يجب علىَّ أن أفكر فيها بعمق، لكنى لم افعل! لم أفعل!.
أي فرص يا سلى التي تتحدثين عنها! وأنت تصغرينني بعام ونصف. متزوجة منذ أربع سنوات، بعد أن عشت قصة حب رائعة! ضللتك فيها روح نادر النقية الطاهرة! وإلى جوارك الآن ولدين وزوج يحبك بكل جوارحه! متفاني في إسعادك وإسعاد ولديه بكل ما أوتي من قوة!...
أي فرص تتحدثين عنها! وأنا على مشارف السابعة والعشرين عاما، في مجتمع سأصبح في نظره عانس مع مرتبة الشرف بعد اقل من عامين!. وسيبدأ في لوك سيرتي بالتحليل والمناقشة الجادة، المدهشة، المبدعة، ليبحث في أمر عزوفي عن الزواج وأسبابه! والنتيجة كم هائل من السلبيات المُفصلة بإتقان على مقاسي دون زيادة أو نقصان!.
هذه هي الفرصة التي أمامي! بعد الفشل الذريع لقصة الحب التي رجوتها أن تكون أساسا متينا لعلاقة زواج ناجح. ولا فرص أخرى غيرها! المهم أن لا أتنازل عن نجاحاتي، وأستمر في عملي! هكذا اشترطت للموافقة على الزواج. وفي أعماقي تمنيت نيل المزيد!...
رجل أعمال Business man. في الخامسة والثلاثين، سبق وأن خطب ابنة عمهِ وفسخت الخطوبة. "مشاكل عائلية! ومافيش نصيب!"... أربع كلمات موزونة، رصينة و لا غبار عليها! تشع أحرفها حكمة تُخجل عن السؤال في أسباب المشاكل التي حدثت أو في النصيب الذي لم يتم!. أربع كلمات اقنع بها العريس المنتظر الجميع!... أبي وشقيقي، اللذان لا اعرف كيف أو لماذا غضّا الطرف عن مسبباتها وهما شديدا الحرص في التقصي والسؤال كما فعلا مع أزواج شقيقاتي فيما مضى!...
سافر كثيرا بحكم عمله. تعامل مع بشر من كل الجنسيات. يجيد تحدث الإنجليزية بطلاقة. اعتقدت بعد كل هذا أن لديه وعي راق يميزه عن غيره، خبرة جيدة في الحياة. سيسهل ذلك التعامل معه وتكوين حياة زوجية ناجحة. مر كل ذلك علىَّ، إضافة إلى ما قاله أبي، أمي، شقيقي، وأنا أقول: نعم، أوافق على الزواج من سامي!.
هذا الزوج الحضاري، أل gentle man الذي رجوته من الحياة لأبدأ معه حياتي الأخرى، واحقق معه كل ما تمنيت من أحلام لسعادة مرتقبة! وأمل لتحقيق طموح لم يكتمل. خيب ظني! قتل فرحتي! قضى على أملي! أجهز عليَّ في ليلة واحدة. ليلة لم يظهر لها فجر، تمخر عتمتها في اوصالى، يجثم ألمها على أنفاسي، ينخر وجعها تحت جلدي. ليلة لا سبيل لنسيانها إلا إذا تم اقتلاع مركز الذاكرة من دماغي!...
ليلة تقاطعت فيها عباراته! اشتبكت مع بعضها، صعب علىَّ فهمها أو تحديد فيما إذا كانت تلك الفتاة التي أغوتها الجامعة وأخذتها منه، هي أنا أو فتاة أخرى! ولماذا- كما قال- كان عليه أن يقطع شكه بالبنات المتعلمات (الجامعيات خاصة) بيقين بكارتي، بلون دمها القاني الذي بقبق على بياض كرامتي الممرغة في وحل أفكاره القذرة!...
لم أجد لصراخي مجيب! ولا لاستنجادي مغيث! ولا لوجعي شافي!. جسد يمزق غوره بعنف، ليبرئ إدانة لم تتم. تهاويت أنقاضا صعبة الإعمار وقطعا مستحيلة الترميم! أشلاء جسد يعاود اختراقها هذيان محموم، يقذف في أغوارها سموم شهوة آثمة، ويلقي بها كخرقة بالية بلا حراك!...
لم تخبرني أمي أن كل هذا سيحدث!... على الأرجح هي لم تخبرني بشيء! كما توقعت، كباقي الأمهات. اكتفت بوضع الخرقة البيضاء أعلى حقيبة ملابسي! لتعود إليها مزدانة بحمرة تزيد من بهاء بياضها، وتجعل رونقها متجددا رغم مرور السنين! كخرقتها وخرقة أمها وخرق شقيقاتي الأربع، في ذلك الصندوق الصغير الذي تحتفظ به أسفل دولابها!.
أتذكر وصول خرقهن، شقيقاتي الأربع! صباح ليلة الزفاف، يعود بها أبي وشقيقي بعد زيارة خفيفة لكل واحدة منهن في الصباح الباكر! تنتظرهما أمي بلهفة، تستقبلهما بقلق مصطنع! تفتح الصرة التي تفوح منها رائحة القُحطة والشذاب[1] تُخرِج الخرقة، تلقي بها على الأرض أمام جمع من النسوة! قبل أن ترتفع زغاريدهن عاليا!...
لم يسألني أبي صباحا عن سبب تعبي، وشحوب لون وجهي الواضح، اكتفى متباهيا بأخذ خرقتي وتقبيل جبيني بقوة، كأنه يشكرني على تلك الخرقة التي دفعت ثمنها غاليا! لم أكن اعلم أن لبكارتي كل هذه الأهمية! ولألق حمرتها كل هذه الفرحة! أنستهم السؤال عن نزيف دم، غمر بياض خرقتهم وأخفى ملامحها. كما أخفى بياض أعماقي إلى الأبد!!!...
أتساءل لماذا لم تخبرني أمي بكل ذلك! وهي تعلم حدود تربيتنا وثقافتنا في هذا الجانب! وفي الجوانب المتعلقة بالجنس عموما، ولماذا لم تكن يوما مثل أمهات صديقاتي غير اليمنيات: منال، أمها جزائرية كنت احسدها في كل حضور لي وهي تحتفل بذكرى يوم مولدها على بساطة تعامل أمها معها وترتيبها الكامل للحفل!...
نجلاء، أمها مصرية، قارنت بين استقبال أمها لخبر بلوغها مبلغ النساء، بزغاريد فرحة، سبقها شرح واف ومفصل عن هذه المرحلة وأهميتها وأسبابها!... وبين أمي التي لم تهتم واكتفت باعلامي بمكان تواجد الغيارات. وتوبيخي بشدة في شهر رمضان ب "قلة الحياء" لأني أتناول الأكل والناس صائمون أمام أبي وشقيقيَّ. أما سلوى وأمها الألمانية فكانتا مثالا رائعا، لي ولبقية صديقاتي في كل شيء، ربما لذلك لم يكن لسلوى صديقات كثر، لاكتفائها بصداقة أمها! عكسي، أنا التي لم أجد من يعوضني عن هذه العلاقة خاصة بعد زواج سلى، فتقوقعت في عالمي الخاص تقريبا بلا صديقات أو حتى صديقه أبوح لها بأسراري وأستشيرها في مشاكلي!.
لم أجرؤ حتى على سؤال أمي فيما إذا كان ما حدث لي في تلك الليلة الكئيبة، وما تلاها من ليال، هو طبيعي ويحدث بين الأزواج جميعهم! أم لا! وإن كان كذلك فلماذا كل هذا الألم والعذاب في علاقة يفترض أنها مصدر سعادة! متعة لا يشبهها شيء... لا يمكن أن يكون هذا هو السكن والسكينة!!! وإلا كان الحال سينتهي بجميع الأزواج إلى الانزواء عن العالم وعدم الرغبة في العيش! قبل الوصول ربما إلى عيادة معالج نفسي!!!...
لم يهتم سامي بتزيين صورته أمامي من البداية كما يفعل الأزواج! منذ شهر العسل الذي لم أذقه، وبداية تعرفي عليه وعلى عاداته وطبائع سلوكه، وكأن كل هذا لا يعنيه. بل إنني شعرت حتى أنا لا اعنيه! ولا يهمه قبولي لتصرفاته القاسية تجاهي من عدمه!. بدا لي متناقضا وغريبا اقرب إلى المريض منه إلى الإنسان الطبيعي في بداية حياته الزوجية!...
لم اسلم من تصرفاته الغريبة، شكه الغير مبرر في سلوكي ! بَدأها بمراقبتي أثناء ذهابي للعمل في الجامعة، إلى التنصت على مكالماتي الهاتفية، وانتهى به الحال إلى حرماني من الخروج بشكل نهائي من المنزل إلا برفقته!... احترت كثيرا فيما يجب علىَّ فعله تجاه تصرفاته الغير معقولة تجاهي!. انتقاصه من قدراتي الإنسانية أولا والعلمية ثانيا، ومن ثم منعي بعد فترة وجيزة من العمل في الجامعة!. سخريته من أسلوبي في الحوار معه بمنطق! لأفهم أسباب كل ما يفعله من تصرفات تجاهي! توبيخه المستمر وعدم رضاه على كل ما أقوم به من أعمال روتينية في المنزل رغم ما ابذله من جهد!. تجاهل رغبتي بل ورفضها لإجراء بعد التعديلات على المنزل وعلى أثاثه. إصراره على قضاء ليال تتحول إلى سجن يحبسني خلف قضبانه، لا يحترم فيها آدميتي، يلتهم فيها بشراهة رحيق جسدي، منتشيا ببعثرة علامات متعته على أجزائه، ضاربا بي وبمشاعري وحقوقي ودوي صرخات استنجادي برجولته، عرض الحائط!!!
" فترة وتعدي!"، " كل شيء في أوله صعب!"، " استحملي، ضغوط العمل كثيرة!". اوووف كم امقت هذه العبارات لأمي وشقيقاتي. لولاها لنعمت بحريتي في وقت مبكر، لولاها لوفرت على نفسي عذاب كنت في غنى عنه! لمدة عامين لم أذق فيهما طعم الراحة أو أهنأ بهما، ولو بنوم ليلة واحدة دون منغصات متعمدة ومختلقة، الأمر الذي يجعلك تشعر بالذل والمهانة، والبدء التدريجي في كره نفسك وربما كره المحيطين بك!.
لكني في المقابل كنت أخشى الفشل الذي لم أتعوده! في مسألة مصيرية كالزواج! ترتعد فرائصي لمجرد مرور فكرة الانفصال في مخيلتي. وأخشى أكثر أن أكون مطلقة في مجتمع تظل فيه المرأة المطلقة هي المسئولة عن أي فشل في تجربتها! ومنحها فرصة أخرى أمرا لا يتقبله إلا البعض!!! لهذا كان على أن أحب عبارات أمي وشقيقاتي، فهي وسيلة جيدة اختبر بها قدراتي على التحمل والصبر في الحياة مع سامي!.
عبارات لحكم وأمثال تتساوى أمام الإيمان بها وتطبيقها المرأة المتعلمة الواعية المدركة لوضعها والقادرة على تغييره لو أرادت، مع الأُمية التي لا حول لها ولا قوة في تغيير أو إصلاح حالها إلا إذا أراد الرجل ذلك التغيير!!!...
هذا بالضبط ما حدث لي وكأنني انسانة أخرى عليها أن تتقبل الوضع كما هو لأنه نصيبها، حتى لو كان هذا النصيب سبب تدميرها!!!.
كان هذا حالي قبل أن اعرف السبب الرئيسي لمعاملة سامي لي بهذه الطريقة! قبل أن اعرف المنعطف الذي تغيرت بعده حياته رأسا على عقب! وجاهد أن لا اعرفه طيلة الستة اشهر الماضية من زواجنا!...
أشفقت عليه بعدها. حاولت استيعاب مشكلته ومساعدته على تجاوزها لنبدأ معا الحياة التي انشد وأتمنى! شعرت حد التوحد بقوة ومرارة الصدمة التي تلقاها، وأفقدته الثقة في كل النساء، وسبب رغبته في الانتقام في شخصي! لأنها تشبه إلى حد كبير قوة ومرارة الصدمة التي سببها لي هشام! مع فارق أن سامي عرف أسباب رفض ابنة عمه له وقد تعاهدا على الوفاء والزواج! وأنا لم اعرف حتى الآن كيف ولماذا وأين اختفى هشام!!!
حاولت وتحديت نفسي أن اخفي عن سامي معرفتي بما حدث له كما وعدت شقيقته. أخبرتني بكل شيء لأنها أيضا تشفق عليه بعد التحول الشديد الذي لاحظته كما لاحظه الجميع في سلوكه وتصرفاته! وتعلم أنني قد وصلت إلى مرحلة، الصبر فيها يفوق طاقتي وقدرتي على التحمل! حكت لي عن النصيب الذي لم يتم بينه وبين ابنة عمه، حبه الأول، أمنيته الوحيدة، وأمله الذي لم يتحقق!!!.
لأسباب تعنيها ( ابنة عمه)، ورغم ما كان بينها وبين سامي من ود وتفاهم منذ الصغر، جذر في أعماق العائلتين رغبة مشتركة في ربط مصيرهما معا، قالت: "لا! لست موافقة على الزواج، سامي ابن عمي و بمثابة أخي!..."
كانت عبارتها آخر توقعاته. هوت أمامه سنين عمره الجميل معها، ومراحله المختلفة... لعبة "عريس وعروسة" في الطفولة. نظرات إعجاب ومصارحة حب في المراهقة. خطبة باركها الجميع ووعد بالزواج بعد إكمال دراستها الجامعية...
في تلك الفترة وصلها الكثير عن علاقات غرامية متعددة لسامي. عن وعود ابرمها واخلف لفتيات لا ذنب لهن إلا تصديقه لأنه "ابن ناس!". وصل الأمر بإحداهن مصارحتها بتلك العلاقة وإبراز عقد الزواج العرفي أمامها بعد أن تخلى عن وعده بإشهار الزواج بمنتهى السهولة، بل وإهانتها بأنها قبلت ذلك وأنه لن يتزوج إلا فتاة لم تعرف احد قبله!. كان مطمئن أن ابنة عمه موجودة ورهن إشارته في أي وقت وتتوفر فيها كافة شروطه. لذلك جن جنونه عند رؤيتها تحاور أحد زملائها في الجامعة في إحدى زياراته المباغتة لها، واندهاشها بل وصدمتها من طلبه وبطريقة فضة من زميلها عدم الحديث معها متجاهلا وجودها تماما! غير مدرك للوضع الحرج الذي سببه لها بين الجميع! طلب بعدها من عمه إتمام الزواج وعدم ضرورة إكمال دراستها وكله ثقة في قبول طلبه!...
لم تقل أن سبب رفضها هو إهانتها بكلام جارح، وتشبيه سلوكها البريء جدا والمألوف جدا بأنه "قلة حيا" وفاتحة لعلاقات مشينة صورها له سلوكه، وكثرة مغامراته العاطفية بأنها ممكنة الحدوث مع كل النساء... ولم تبين أو توضح له أو لأهلها معرفتها بهذه المغامرات وشعورها بالإهانة من جرائها، وتفكيرها بشكل جدي في حياتها معه حتى لو كانت تحبه!!! بأنها ستكون حياة غير سوية مع شخص بعد تصرفه معها تأكدت انه فعلا غير سوي... لكنها قالت: "سامي ابن عمى وبمثابة أخي!!!".
رفض، لم يستسلم أمامه بسهولة... كرر طلبه أكثر من مرة تجرأ في أخرها أن يطلب من عمه إرغامها على الزواج منه، تنفيذا للوعد المتفق بينهما... عندها طلبت هي مقابلته والتفاهم معه. مقابلة لم يعلم احد ما دار فيها، لكنها أنهت كل شيء!...
قرر بعدها سامي صرف النظر عن الزواج والتفرغ للعمل وربما لمزيد من المغامرات لمدة عامين، إلى أن سمع من شقيقته التي كانت إحدى طالباتي في الجامعة بإلحاح عني، وعن انبهارها الشديد بشخصيتي، أدائي في المحاضرات، معاملتي المتميزة للطلاب، اختلاف طرحي للمواضيع ومناقشتها...
أظنه كان يبحث عمن تفوق ابنة عمه علما وسمعة طيبة، لأن زواجها في نهاية دراستها الجامعية بأحد زملائها كان معناه في قانون سامي، أن ثمة علاقة حدثت وإعجاب متبادل أفضى إلي قصة حب انتهت بالزواج وهو ما يعتبره سمعة سيئة لابنة عمه، وربما حمد الله أن الزواج منها لم يتم!...فأنا أفوقها علما وسمعة في تفكير سامي الغريب! لأني حتى حصولي على الماجستير لم أمر بقصة حب أو يسمع احد عني بل على العكس تماما!... (يبدو أن العزلة التي فرضتها على نفسي وعلى قلبي بعد غياب هشام فسره كلا على هواه!)...
فإذا كنت كذلك فلماذا هذه الرغبة الشديدة في الانتقام مني! في تعذيبي بهذه الطريقة! في تماديه وعدم تقديره لتضحيتي وتحملي لكل ما يقوم به! ربما فسر كل ذلك بأنه ضعف واستسلام، ولم يتبادر إلى ذهنه أنها رغبة صادقة في استمرار الحياة بشكلها الطبيعي بيننا، وبأني احلم بالعائلة الهادئة المستقرة، والأولاد الذين سيملئون حياتنا سعادة... الأولاد الذين لم يثر فضوله يوما سؤالي فيما إذا كنت احمل في أحشائي جنين أم لا! مثل باقي الرجال خاصة بعد مرور العام الأول، دون ظهور بوادر تدل على وجود حمل، لكنه أكتفي بتوبيخي بل وإهانتي وأنا اطلب منه استكمال الفحوصات التي طلبها الطبيب لكلينا ليعرف سبب عدم الإنجاب، بعد أن أكد أنني لا أعاني من أي مرض يمنع الحمل!...
بعد طلبي هذا أصبح سامي شخصا لا يطاق، عصبيته لا تحتمل، تصرفاته تجاهي وتجاه الآخرين خارج سيطرته... يذرف بعدها اعتذارات لا تحصى للجميع عداي!...
أصبحت أخشى قدوم الليل، أخافه، يسبب لجسدي رجفة لا أستطيع التحكم بها، يزيد من وتيرتها شعوري بتعمده إيذائي، بتلذذه في سماع صراخي، يصل إلى مرحلة يفقد سيطرته على أفعالة المجنونة تجاهي، لذة غريبة في تعذيب جسد يتلقى كل ذلك قرابة عامين ولم يصل للمتعة التي قرأت عنها، أو النشوة التي تتغامز بها النساء!...
تمنيت أن يقدر كل ذلك، أن يتفهمه، أن تصله الرسالة التي أردتها من تركي للعمل في الجامعة ومن تأجيل دراستي العليا وتحملي لكل أوزاره على كاهلي. دون فائدة...
سعيت بعدها لتكوين عالمي الخاص، عالم اهرب إليه من كل منغصات سامي التي لم تتوقف يوما، عالم القراءة والرقص... هوايتان قديمتان أنقذتاني من هاوية الوقوع في براثن الاستسلام لخطط سامي لتدميري.
أعدت قراءة مكتبتي القديمة، وحرصت على شراء الجديد في كل المجالات. بدأت أفكر بشكل جدي في مواصلة دراستي العليا ولو بالتفكير بالموضوع وتغذيته في أعماقي. أما الرقص فعشقي له لا يوصف، اتماهى فيه بشكل جنوني، أغيب فيه حتى عن نفسي، تمايل جسدي وتفاعله مع الموسيقى وسيلة نافعة ليخرج كل ألمه وجراحه!...أتقن وببراعة جميع أنواعه، منذ صغري اسمع كلمات الإعجاب. بدأنها صديقات أمي اللاتي كن يطلبن مني أن اُعلم بناتهن، أن اجعل أجسادهن المتخشبة تتمايل كأغصان الشجر اللينة، عندما تحركها نسائم الربيع بلطفها ورقتها الساحرة. لكني كنت أتدلل عليهن وأتفلسف - كما يقلن- وأنا أذيل كلامي بعبارة "الرقص لا يحتاج لتعليم، انه إحساس"...
سبب انشغالي بالقراءة والرقص لسامي قلق لم افهم سببه، حصار ومحاولة لمنعي بطريقة لم أجد لها تفسير، كل هذا جعلني أتساءل إذا كان الدوران حول سامي وتنفيذ رغباته التي تفوق تحملي ومع ذلك فعلتها لم تنفع معه!. ومنح نفسي مساحة أتنفس فيها واجد فيها ذاتي كالرقص والقراءة لم تنفع أيضا! فكيف يمكن إرضاء هذا الرجل؟ كيف يمكن اتقاء شره وإصراره بتعمد على إيذائي؟؟؟
اقسم انه كان بإمكاني أن أتحمل المزيد مادمت قادرة على ذلك. كان خوفي الشديد من كلمة مطلقة يجعلني ابحث عن منافذ كثيرة للبقاء مع سامي!. لولا تعديه على آخر رمق لكرامتي التي تلذذ لعامين كاملين بامتصاص رحيقها من أوردتي وشراييني!... لولا ما فعله عند مراقبتي ذات يوم وأنا غائبة تماما في الرقص الشرقي! لم يكن ذلك الرقص كما قال "زوربا اليوناني" بطل الرواية الرائعة لنيكوس كازنتزكي "زوربا" (هز بطن)... كان أكثر من ذلك بكثير بالنسبة لي. يكفي انك به تتحدى كامل أجزائك بقدرتها على أداء كل الحركات، وتحرضها على الاستمرار وبإبداع يفوق استيعابك له لفترات كثيرة يراودك الشعور بأنك لا زلت عاجز عن أدائها!...
امسك سامي بشعري، افقدني الحركة، تلفظ بقاموس من البذاءات، اتهمني بابشع الاتهامات ابسطها: رقصي الذي يشبه العاهرات، ثم أطلق ليده العنان في ضربي لأول مرة!... كم كان قاسيا، مدمرا شعوري بإهانة الضرب!!! كان ما فعله في العامين في كفة وضربه لي في كفة أخرى تماما!...
لم يجدني في ذلك الصباح الذي استيقظ فيه وهو على ثقة أنني قد سبقته في الاستيقاظ وتجهيز فطوره وبدلته كالعادة قبل ذهابه لمكتبه. وكأن شيئا لم يكن!... جاء إلى منزل والدي مباشرة وهو في حالة يرثى لها. لم يحلق ذقنه، ثيابه على حالها منذ البارحة!. لم اخبر أحد بما فعله لكني انفجرت في وجهه وهو يقول لوالدي انه لا يعرف سبب مغادرتي للمنزل: "أنت أكثر دراية بما فعلته، أريد الطلاق، لن أعود معك مهما فعلت! لن أعود، لن أعود!...".
* فصل من رواية للكاتبة بعنوان (حب .. ليس إلا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.