قبل 19 عاماً من أيامنا هذه ، كانت كرنفالات الفرح والابتهاج تملأ اليمن على امتداد جهاتها الأصلية والفرعية، وتفيض بزهوها الغامر نفوس اليمنيين كافة .. كانت مشاهد الاحتفاءات العفوية بتفتقات فجر إعلان الوحدة اليمنية، تبهر الدنيا، بذلك المدد الجارف من المشاعر الفياضة التي عبر من خلالها اليمانيون في الشمال والجنوب، عن أعظم صور الازدهاء بميلاد (وحدة) حلموا طويلاً بانبلاج شموسها، وظلوا يتوقون لانتصاب صرحها، بعد أن تعمق يقينهم، بأن لاعزة ولا ازدهار ولا خلاص من ظلمات القهر والتخلف ودوامات الاحتراب، إلا باقتحام نهاراتها، والانطلاق في رحابها . نعم ، - يا سادتي – تلك مشاهد تاريخية أرانا في حاجة شديدة لاستحضارها وتأملها واستلهام معانيها في هذه الأيام تحديدا التي باتت بلادنا فيها مشحونة باكتظاظ مخيف لمشاهد مؤلمة تتدفق بصور الانتشاء المروع لمختلف صنوف التشظيات والضغائن والانقسامات، وما يواكب ذلك من أصداء لدعوات التمزيق والتشطير ، التي – للأسف الشديد – أضحت مسموعة وجذابة لقطاعات واسعة من المعذبين والمقصيين، وغدت ( مشروعاً ) لا يرون سبيلا غيره، يحقق ما يرمونه من عدالة ومشاركة وحقوق مواطنة .. لاشك – والحال كذلك – في أننا مدعوون للوقوف بصدق ومسئولية وجراءة أمام تفاصيل المشهدين اللذين لا يتجاوز الفارق الزمني بينهما التسعة عشرة سنة، و هي مجموع الأعوام المنصرمة على إعلان الوحدة، والوقوف بعدئذ بأمانة وتجرد أمام السؤال – القضية: ما الذي جرى خلال ذلك المدى الزمني ونزع من نفوس الكثيرين كل ذاك الحب والفرح والمودة والأمل، لتنمو وتتأجج في الأعماق ملهبات الضغينة والكراهية والشحناء والتشققات ؟ .. إن تلك الجموع التي تجوب شوارع المكلا وعدن والضالع وزنجبار وعتق وردفان، رفضاً للوضع القائم وللأزمات المستحكمة، هي ذاتها التي ضجت الميادين والساحات من هتافها وابتهاجاتها وفيض دموعها الفرحة المستبشرة غداة إعلان الوحدة اليمنية، فلا ينبغي ونحن نستقبل الذكرى التاسعة عشرة لذلك الإعلان التاريخي، إلا أن نمتثل لمقتضيات إصلاح ما اختل، ومعالجة تداعيات ما تراكم، حتى ننزع فتيل تفجرات تهدد وطننا ووحدتنا، وحتى نعيد ألق نهارات الإعلان الوحدوي، وما ذاك بعسير إن خلصت النوايا وانطلقت فاعلية التجسيد الحقيقي لاستحقاقات المواطنة السوية بمرتكزاتها وآلياتها، دون تجزئة أو انتقائية أو ترحيل. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..