تصحو قبل أن تشرق الشمس لترتشف بأشعتها الذهبية قطرات الندى من شفاه الورد وعيون الشجر، فراشة في خفتها ونحلة في مثابرتها واجتهادها تفيض بروحها على جنبات المنزل فتملأه دفئاً وحباً وسعادة، ألفت الشمس أن تصافح وجهها الأسمر عند كل صباح، وتودعه عند المساء غير مبالية بلون بشرتها أو نعومة جلدها، تعطي ولا تنتظر المقابل، وتعمل دون كلل أو ملل، ومهما تتعب فلا يمكن أن تبوح خوفاً من أن تعكر صفاء الأسرة أو تدخل الهم إلى قلب زوجها، لا تهمها شعارات المطالبين بحقها أو المنادون بحريتها وتحررها، فحقها هي مملكتها الصغيرة، وهمها كيف تدخل السعادة إلى أفراد أسرتها التي أعطت معظم حياتها لها، وعلى الرغم من أن المرأة الريفية تمر بمرحلة من الاضطهاد والظلم من طور إلى طور ابتدءاً بحرمانهن من حقهن في التعليم فالبعض لم يعرفن طريق المدرسة، والبعض أجبرن على تركها نظراً للعقلية الضيقة لبعض أوليا الأمور مروراً بعدم مساواتهن بإخوانهن من الرجال، ووصولاً إلى حرمانهن من الميراث الذي أقرته الشريعة الغراء وحتى نكون منصفين نلاحظ المرأة الريفية في الآونة الأخيرة قد قطعت شوطاً كبيراً من مشوار النضال للحصول على حقوقها، والدليل أن نسبة التحاق الفتاة الريفية بالمدارس قد زادت بالإضافة إلى تغيير وجهة نظر الرجل ولو نسبياً لكثير من قضايا المرأة وحقوقها، ومع هذا تظل المرأة الريفية أكثر شراكة للرجل من المرأة المتمدنة، وأكثر تحملاً لمسئوليات البيت والأسرة، وعلى الرغم من قلة حيلتها وفراغ ذات اليد فإنها تبتكر العديد من الأساليب لمساعدة أسرتها وزوجها للعيش بحياة كريمة، فإلى جانب الأعمال المفنية الملقاة على عاتقها تقوم بالعديد من الأعمال التي يمكن أن تدر عليها بالمال، فتارة تقوم بتربية الأغنام وبيعها حتى تساعد في شراء المستلزمات الأساسية للبيت، وأخرى تقوم بالتطريز والخياطة، والبعض يقمن بعمل الخبز والملوج واللحوح وبيعه في الأسواق. أعمال شاقة وتعد الحراثة من الأعمال الشاقة التي تشارك المرأة بها الرجل أو تنوب بها عنه أثناء غيابه طلباً للرزق في المدن أو خارج حدود البلد، وتتميز بقدرتها على الصبر في غياب زوجها الذي قد يصل إلى سنوات، وقدرتها على إدارة المنزل والتربية الحسنة لأولادها وبناتها، وهناك من لم تقف عند حد الحراثة فحسب بل قامت بالمشاركة في بناء منزل الزوجية أو عمل خزانات للمياه بيدها وحث أهلها على المساعدة، ومن شواهد التضحية لدى المرأة الريفية إذا مانوى الرجل بناء منزل فإن أول ما يفكر به هو ذهب زوجته التعيسة. ركيزة اقتصادية وتعتبر البقرة من أغلى ما تمتلكه المرأة الريفية لاسيما الكبيرات في السن، فالبقرة عند بعض الريفيين لا يمكن الاستغناء عنها، فقد تسهر المرأة الليالي الطوال أو قد تصحو في الليلة مرات للاطمئنان عليها إذا ما أحست أنها تتألم أو حين يقترب موعد ولادتها، فالارتباط بالبقرة لدى المرأة الريفية تصل إلى مرحلة الافتتان والقرب النفسي والعاطفي ويقال إن بعض الأبقار لا يمكن أن تدر الحليب لأحد غير المرأة المكلفة برعايتها، حيث إنها تثور لمجرد دخول أي شخص عليها يريد أن يحلبها غير تلك المرأة التي تعتني بها، ومن الطريف أن البقرة قد امتلكت قلب الريفية، واخترقت عاطفتها لتسكن في أشعار مهاجلها المختلفة باختلاف المواسم والأوقات، فهي في وقت الظهيرة وفي شدة حرارة الشمس تتمنى أن تكون شجرة حتى تقي بقرتها الشمس، مما يدل على أن مقدار خوفها على البقرة أكثر من خوفها على نفسها، ويقول المهجل (يا ليتني شجرة: تتظلل تحتها البقرة)،كما توجد الكثير من المهاجل التي تدل على مقدار الألفة وكنت أتمنى سرد بعضها، وحول عمق هذا المشاعر فقد أخبرني أحد الزملاء الأعزاء عن مقدار الحزن والألم التي مرت به والدته بعد موت بقرتها، وكيف أنه أحس أن والدته فقدت شيئاً عزيزاً، فدموعها لم تتوقف حتى بعد شراء بقرة جديدة، وغرائب علاقة المرأة الريفية بهذا الحيوان النافع يكمن في أنه قد يحدث أن تصاب البقرة بأذى كالكسور، فيقوم أهل القرية بشرائها وتقاسم لحمها إلا أن أصحاب البقرة وخاصة المرأة التي تعلقت بها وأعطتها حبها وعطفها ترفض أن تأكل من ذلك اللحم باعتبارها كانت لهم بمثابة الأم التي لطالما شربوا من حليبها وحقينها وأكلوا من سمنها وباعوا صغارها، فهي بمثابة أهم الأركان الاقتصادية لاسيما الأسرة الفقيرة، ومن الأعمال التي تقوم بها المرأة الريفية لمساندة الأسرة إحضار الحطب، حيث يصل أسعار أنبوبة الغاز في بعض القرى إلى 1000 ريال للدبة الواحدة مما يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الأسرة الفقيرة، وهناك الكثير من البيوت لا تستخدم الغاز، وإنما تعتمد على الحطب بشكل تام، ويمثل الماء أحد المشكلات الرئيسية بالقرى خاصة مع غياب مشاريع المياه في الكثير منها وجلب الماء للمنزل أحد الأعمال الملقاة على عاتق المرأة التي تقطع المسافات الطويلة حاملة الماء فوق رأسها وعلى ظهور الحمير، وتزداد هذه المشكلة مع حلول فصل الشتاء واستفحال الجفاف فتظل المرأة الريفية على البئر ساعات طوال تنتظر دورها في غرف ما تيسر لها من الماء والحديث عن المرأة الريفية والكتابة عنها لا يمكن أن تعطيها حقها وتظل الكتابة تدور في فلكها من دون أن تلامسها أو تحدد حجم تضحيتها وحبها النابع من إيمانها بقدسية الأسرة. وبالرغم من الزخم الهائل للاتحادات والجمعيات النسوية في اليمن فإن المرأة الريفية لم تجد من جميع تلك الجمعيات أي التفاتة لها إلا في ما ندر وللقرى القريبة من المدن ولا تجد الاهتمام بالريفيات إلا في الشعارات والفقاعات التي تطلقها بحثاً عن الدعم المادي من الداخل أو من المنظمات الخارجية لتعيش على رفات أوسع الطبقات المسحوقة في اليمن.