أساليب جديدة للاحتيال على أموال الناس، وجذبهم لدفع أموالهم بأيديهم وبحماس غريب. المفاهيم الخاطئة تتوسع في ذهنية الوعي وتتلاعب به، تلج من بوابة الرأسمالية والسوق الحرة تكرس حرية الممارسات السلبية وكأنها تقول للعالم «كل شيء مباح من أجل الحصول على المال»، هذه حقيقة الرأسمالية المشوهة، فلا أحد يحمي أحداً، أساليب غريبة ليس المحتال أو النصاب فيها سمسار معاملات أو شخصاً مجهولاً، بل قنوات فضائية وقراصنة إنترنت وشركات اتصال تروج للمشاهد أو المشترك بعروض مغرية لا تقل عن 20 ألف دولار في حال تواصله وإجابته على سؤال أو الدخول في مسابقة، تمارسها بعض القنوات الفضائية وتستغل برامج المسابقات التي تبثها على الهواء مباشرة ومن خلال الهواتف المحمولة؛ أي على مرأى ومسمع، هذه الأساليب استغلت العديد من الفقراء الطامحين للحصول على فرصة العمر لتغيير حياتهم، فكيف كانت النهاية معهم؟ وما القصد من التواصل وطلب الاتصال؟ هذا ما سنوضحه من خلال التقرير التالي: فأساليب الاحتيال بالإمعان فيها إنها من حيث المصدر خارجية، وهي في الغالب قنوات عربية، وسائلها إليكترونية، وغالباً ما يكون التلفاز والهاتف الجوال، رسالتها الإغراء «دعاية كاذبة»، تخاطب جوانب الحرمان والحاجة لدى معظم الناس، وتعد بتلبيتها لاسيما أن أغلب المواطنين في بلادنا فقراء وهم بحاجة إلى المال لتلبية متطلباتهم الحياتية، منتظرين ما يسمونه فرصة العمر.. بل الأغرب أن هذه الظاهرة في تزايد وانتشار كبير، فمثلاً: القنوات الفضائية المتخصصة في وضع الأسئلة التي تضع مكافأة على إجاباتها 20 ألف دولار وأكثر، وأسئلة بسيطة تافهة يتخللها حركات المذيعة أو مقدمة البرنامج تساوقاً مع النغم الموسيقي وعبارات التحفيز للمشاهدين للاتصال والمشاركة، وقد زادت هذه الظاهرة بشكل غريب خلال عامين؛ إذ بلغت عشرات القنوات، حيث يبقى السؤال الواحد على الشاشة لفترة زمنية طويلة، أسبوع فأكثر، دون إجابة!؟ والأغرب أنها تستخدم أسماء شركات اتصال محلية بل كل شركات الاتصال في بلادنا تقدم أرقامها على الشاشة للمتصلين من اليمن، وكأن ما يحدث يعد اتفاق تجارة بين هذه القنوات وشركات الاتصالات ولكنها تجارة بلا سلعة وليس للمواطن فيها سوى الخسارة. وهناك أشخاص ممن تواصلوا مع هذه القنوات ووقعوا فريسة لها، منهم الأخ علي محمد حسن يعمل بائع ، وهو يعول أسرة كبيرة، وقد تحدث إلينا بالقول: «وأنا أشاهد التلفاز،رأيت قناة فضائية فيها مذيعة جميلة تردد سؤالاً « ست وعشرون رجلاً وواحد وعشرون كرسياً كل واحد من هؤلاء جلس على كرسي، كيف تم ذلك؟ وتقول إن من يجيب على هذا السؤال سيحصل على 20 ألف دولار، عندها حدثت نفسي بأن هذه فرصة العمر التي انتظرتها وجاءت مصادفة، وعرفت الإجابة بأن «ست» هي امرأة عند المصرين وليس عدد ستة، وأعطت الشاشة أرقام التواصل من اليمن على MTN، وسبأ فون، ويمن موبايل، فبدأت من يومها بتعبئة الكروت والتواصل، وكنت أشحن كرتاً ب900ريال، وينتهي الرصيد ومازال قسم الاستقبال يعطيني الخيارات، فاضطررت إلى تعبئة كرتين مع بعض ب1800ريال، واستمر مع خيارات الاستقبال، لقسم الأخبار اضغط الرقم (1) ولقسم المكياج الرقم، ...... وقسم البث المباشر ....ثم يأتي الرد (مشغول)، وتنتهي الكروت والأمل لا يزال يراودني بأن أتواصل مباشرة مع مذيعة البرنامج وأجيب على السؤال وأحصل على الدولارات، يوم بعد يوم اشتغل واشتري بكل ما كسبت كروتاً وأقارن أنني حتى وإن خسرت مبلغاً كبيراً فإن 20 ألف دولار سيعوضني عن ذلك آلاف المرات، ولمدة عشرة أيام على التوالي وأنا على هذا الحال، والغريب أن السؤال مازال هو السؤال على الشاشة حتى أن المبلغ الذي صرفته على هذه الاتصالات بلغ37500ريال، استلفت 15.000ريال منها من ابن خالي و والله إنها مازالت ديناً عليَّ حتى اليوم ووعدته أن أسددها عند استلام الدولارات وأقنعته بأن القنوات الفضائية لم تكذب، ولكنني خسرت وخرجت نادماً على كل ريال صرفته إلى الآن، ولكن من يعوضنا ذلك، ولم أكن أتوقع أن النصب أصبح على الهواء مباشرة وبتعاون شركات الاتصال في بلادنا في ذلك». هذه ضحية من عشرات بل آلاف الضحايا الذين وثقوا بأن هذه القنوات ستكون بداية التغيير في حياتهم إلى الأفضل ولكنهم لقوا خلاف ذلك وتكونت لديهم نظرة قائمة للإعلام ككل بأنه كذب واحتيال ونصب على الناس، دون أن يميزوا بين نوع الإعلام ومصدره وأهدافه، هذا ما لاحظناه من خلال التقائنا بعشرات الأشخاص الذين وقعوا في الفخ نفسه، والمتفقين على فرصة العمر، والأغرب أن أغلبهم محدودو الدخل، وخسروا مبالغ كبيرة واقترضوا من أجل بلوغ أهدافهم وطرد الفقر، حسب قولهم، غير أنهم أضافوا على أنفسهم أعباءً والتزامات أخرى. ولم تقتصر أساليب الاحتيال الإليكتروني والنصب الرقمي على قنوات أسئلة الرقص المتخصصة في النصب على الهواء كما يصفها الجديعي، بل إنها تعدت الرسائل الربحية وعبر كل الشركات يمن موبايل، أو سبأ فون، أو MTN، التي تغري المشترك بمبلغ 500 ألف ريال فأكثر إذا اتصل على رقم () محدد تورده في الرسالة، ويكتشف المواطن بعد خسارته آلاف الريالات في الاتصال بما أصبح يعرف لدى المواطنين «رقم الرزق الكاذب»، بعدها يدرك المواطن أن هذه دعاية كاذبة، لكنه لم يعرف الدعاية من قبل، ولو عرفها لما صدقها، حتى وإن كانت صادقة. والأغرب أن بعض الرسائل تأتي عبر شركات محلية وتحمل أرقاماً دولية تطلب الاتصال بها من أجل الربح ويتواصل المشتركون مع إدارة الشركة فتحذرهم من عدم تصديق هذه الرسائل موضحة بأن قراصنة انترنت عرب اخترقوا موقع الشركة وأرسلوا عبره هذه الرسائل، وفي كل الأحوال فإن هذه الممارسات تسيء لسمعة شركات الاتصالات فالدعاية الكاذبة تعطي نتائج عكسية لاسيما أنها دعاية تسويقية لخدمة أو سلعة. أما اختراق مواقع شركة اتصال وإرسال رسائل عبرها لمشتركيها، فإنه أخطر إذ يبين هشاشة الشركة ورتابتها وعدم امتلاكها لكوادره الفنية المؤهلة، ويفقد ذلك المشترك الثقة في الحفاظ على سرية مكالماته أو رسائله. وفي صدد الرسائل الكاذبة عبر الهاتف تحدث الأخ محمد علي صالح قائلاً: «جاءتني رسالة إلى هاتفي وأنا في مشتركي سبأ فون تقول لي إن أردت أن تربح 1500دولار فاتصل بالرقم () وهو رقم دولي فاتصلت وانتهى الكرت دون أن أعرف ماذا يريدون وفجأة وصلتني رسالة أخرى بأنني من ضمن المتنافسين للحصول على المبالغ ومن أجل ذلك اتصل على نفس الرقم فاتصلت وبكرت كامل وكله خيارات وكلام فارغ دون أن أعرف مقابل ماذا سيعطون المبلغ، وبعد ساعات وصلتني رسالة ثالثة تقول: اقتربت من الحصول والفوز بالمبلغ1500دولار، فاتصل بنفس الرقم الذي أورده في الرسالة الأولى فاتصلت بكرت ثالث قلت أجرب و لعلي أن أربح ويضرب الحظ معي بعد ذلك لم تصلني أي رسالة إطلاقاً، ولم أفز بمبلغ ولم أعرف من مصدر الرقم بعد خسارة 3300ريال في الاتصال، بعد ذلك تواصلت مع إدارة الشركة وأخبرتهم بما جرى فحذروني بأن هؤلاء قراصنة عرب اخترقوا موقع الشركة ونصابين لا تصدقهم، وليس الأخ محمد هو الوحيد بل مئات الأشخاص يشكون من ذلك، سواءً من مشتركي سبأ فون أو يمن موبيل أو MTN، ولكن الغريب في الأمر أن الجميع يتساءل عن دور إدارة شركات الاتصالات في حماية مشتركيها ومواقعها ويرددون إذا كانت إدارة الشركات تعرف أن هذه الرسائل جاءت عبرها وإنها نصب واحتيال لماذا لم تعمم رسالة تحذير لمشتركيها مما تراه استغلالاً لهم وسلباً لأموالهم، وأن تأثيرات ذلك تعود بالسلب على الشركة لأن المشترك يتعامل مع شركة ذات ثقل ومكانة اقتصادية واجتماعية يجب أن تتسم بالمصداقية ولم يتعاملوا مع نصابين. ويلقى اللوم أيضاً على وسائل الإعلام المحلية وغياب دورها التوعوي للمواطن وإيضاح ما يضره وما ينفعه من الرسائل الفضائية أو الهاتفية أو غيرها غير أنه لم يقم بهذا الدور، لأسباب يرونها قصوراً في الفهم والمهنة لدى القائمين على الوسائل الإعلامية في بلادنا، أو لا مبالاة، بالمواطن والاهتمام بما يخدم مصالح الوسيلة فحسب. وإلى متى سيظل المواطن اليمني هو ضحية السياسات الاقتصادية والسياسية والاستغلالية، وطنية أو عربية وأجنبية لاسيما أن هذه الأساليب الاستغلالية استنزفت من المواطن ملايين الريالات دون رقيب أو حسيب أو ناصح.