الأخبار الواردة من ساحات المعارك في جبهات القتال بمحافظتي صعدة وعمران تبدو متضاربة والبعض منها غير دقيقة، خصوصاً في الثلاثة الأسابيع الأولى لإندلاع المواجهة بين الحوثيين والسلطة، فخلال هذه الفترة أعلنت المصادر العسكرية المتحدثة بلسان الجيش حسمها للعمليات العسكرية في مديرية حرف سفيان، وكررت ذلك لأكثر من أربع مرات، ولأن الحسم لم يكن في الميدان وإنما كان في حماس المصادر المتحدثة باسم الجيش، فقد تفاجأ الجميع من فحوى البيانات الصادرة بعد ذلك، وتبين للكثير منا بأن أمر الحسم لم يكن سوى إعلامي. وقد عادت المصادر "ذاتها لتؤكد أن الحيش بات على وشك السيطرة على منطقة حرف سفيان، ثم خففت من حديثها في البيانات التالية، مدعية أن الجيش يخوض معارك عنيفة مع الحوثيين في هذه المديرية وفي آخر معاقل الحوثيين، وبعد مرور قرابة الأربع أسابيع من بدء القتال بين الطرفين في الجولة السادسة، جاء بيان الجيش بما يحسم هذا الجدل الدائر في أوساط الرأي العام وأكد أن قواته تمكنت من السيطرة على مدينة حرف سفيان، ثم تتوالى الأخبار بعد ذلك، بتصدى الجيش لمحاولات أسماها بالفاشلة لمجاميع حوثية حاولت استعادة المدينة لكنها واجهت مواجهات شديدة أجبرتها على الفرار، وحسب البيانات المتعاقبة فقد تنوعت إنجازات الجيش في الميدان، فتارة يصد هجوماً للمتمردين، وأخرى يحقق تقدماً على أرض الميدان، ويكبد الحوثيين خسائر في العتاد و العدة، وثالثة يحرز انتصاراً نوعياً فتتمكن وحداته العسكرية من السيطرة على جبل (شبارق) ووادي شهوان، وكان ذلك بعد مضي (42) يوماً على تجدد المواجهة بين طرفي النزاع، وحينها اتضح للكثير ممن يعرف خارطة الحرب في هذه المديرية، والتي تبدأ بمدينة حرف سفيان يليها منطقة واسط، والمدارج، ثم وادي شهوان، وشبارق، وصيفان، وعيان، ووادي الحيرة آخر معاقل الحوثيين في مديرية سفيان؛ بأن الجيش تمكن فقط من السيطرة على نصف المناطق التي يدور فيها القتال، والتي تمتد لأكثر من 50 كيلو متر على جانبي الخط الإسفلتي، الذي يربط محافظة صعدة بعمران، وإذا كانت فترة هذه الحرب قد دخلت شهرها الثالث والتحليلات العسكرية تشير إلى أن الحسم في جبهة حرف سفيان يشكل 70% من نجاح عمليات الحسم في هذه الجولة، فإن الاعتقاد يسود لدى كثير من المواطنين ويزداد يوماً بعد آخر من أن أمد الحرب سيطول ويزيد معه الضحايا من كلا الجانبين، وإذا كانت الدولة مصممة على اجتثاث من أسمتهم بعناصر التمرد والإرهاب فإن الحوثيين في المقابل سبق وأن توعدوا الجيش بحرب استنزاف طويلة، وبين الوعيدين يتساءل البعض: إذا كان إمكانية الحسم مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بإحكام السيطرة على جبهة القتال في محافظة عمران، فما هي العوامل التي أعاقت عملية الحسم في هذه الجبهة؟.. وللإجابة على هذه التساؤلات ووضع القارئ في صورة شاملة لما يحدث سبرنا أغوار هذا الموضوع، وتبين لنا أن ثمة عوامل جغرافية واجتماعية ودينية وقبلية وأخرى من نتاج السياسة الخاطئة للدولة تحالفت مع بعضها لتجعل من سفيان منطقة نفوذ للحوثيين، وسبباً لإطالة زمن الحرب في هذه الجولة. تضاريس وعرة وشاسعة فمديرية سفيان، لمن لا يعرفها، تعد أكبر وأوسع مديريات محافظة عمران مساحة، بل إنها من أكبر مديريات اليمن، حيث تبلغ مساحتها نحو (2282) كيلو متراً مربعاً، وتقع في أقصى شمال المحافظة، وتبعد عن عاصمة المحافظة بحوالي 80كلم، وتشغل الجزء الشمالي للمحافظة كاملاً، حيث تمتد على طول حدود المحافظة مع محافظة صعدة، ويحدها من الشرق والشمال الشرقي محافظة الجوف، ومن المغرب محافظة حجة، ومن الجنوب الشرقي محافظة صنعاء، كما تتصل من الجهة الجنوبية بعدد من مديريات المحافظة، وهي (حوث، العشة، القفلة، ذيبين). ويتبع هذه المديرية عدة عزل ومناطق وقرى ومحلات آهلة بالسكان، أهمها مدينة الحرف، و شبارق، وشهوان، وواسط، ومدارج، ووادي عيان، وصيفان، والحيرة، وبركان، وشواية وهران، والسقل، والمناضي، والثلاث الأخريات تسمى الجوف الأعلى، ومنها داعم والخوير والمسيرب، إضافة إلى القويعان وبويان وذيبان والحبيط وجوشم ومخزعة الغراب وعميش والعشة، وتلك المناطق والمحلات والمناطق قرى ومناطق أثرية اندثرت قصورها وقلاعها. وتعد تضاريس حرف سفيان صعبة ووعرة للغاية، ومن يزورها لأول وهلة سيلحظ كم خدمت الجغرافيا الحوثيين في حربهم على الدولة، وكم هي ملائمة لخوض حرب العصابات، فهي فضلاً عن مساحتها الواسعة تتنوع جغرافيتها بين جبال شاهقة صخرية وأخرى ترابية يتخللها أودية ملتوية ترقد في سفوح جبال وهضاب ذات التواءات متعددة، ولسوء الحظ تقع هذه المناطق على جانبي الطريق الرابط بين محافظة صعدة وعمران، حيث يركز الجيش عملياته العسكرية في هذه المناطق ويسعى لفتح الطريق بغية إيجاد ممر آمن لايصال الإمدادات العسكرية للجيش، وكذا إيصال المواد الغذائية للنازحين. وبحسب الوقائع الميدانية فإن الحوثيين سبق وأن أعدوا عدتهم للحرب في هذه الجبهة وجعلها عصية الاستسلام، إدراكاً منهم لما لهذه الجبهة من أهمية استراتيجية في تحديد مصير هذه الحرب وفي إمكانية الحسم العسكري من عدمه. فوجود مناطق وعرة على جانبي الطريق المؤدية إلى محافظة صعدة وكذا قرى ومحلات آهلة بالسكان صبت جميعها لصالح الحوثيين، إذ أمكنهم قطع الطريق للحيلولة دون وصول الإمدادات العسكرية لجبهات القتال في صعدة، ويبدو أن الحوثيين ركزوا في هذه الجبهة على حفر الخنادق وإقامة التحصينات والمتارس كتلك الأساليب التي اتبعها حزب الله وحماس في حربهم على إسرائيل، فالخنادق يبدأ حفرها عمودياً ثم أفقياً ثم يبدأ حفرها يميناً ويساراً وبشكل ملتوي، وطبيعة هذه التصاميم الهندسية قوضت من فرص تدميرها وكانت سبباً لصمود مقاتلي الحوثيين طويلاً أمام وحدات الجيش. أخطر الاساليب أما أهم أسلوب لحرب العصابات اعتمده الحوثي وأتباعه في هذه الجبهة فهي زراعة الألغام، وبحسب مصادر عسكرية ل"رأي" فإن معظم المناطق التي تقع على جانبي الطريق التي يسعى الجيش لفتحها مزروعة بآلاف الألغام، وما يؤكد ذلك بيانات الجيش عن سير المعارك في هذه الجبهة التي لا تكاد تخلو من الإشارة إلى أن وحدات هندسية تمكنت من تفكيك عشرات الألغام التي زرعها الحوثيون في هذه المناطق أو تلك، وما يزيد من تاكيد خطورة هذا الأسلوب وتركيز الحوثيين عليه في هذه الجبهة، ما أشار إليه المكتب الإعلامي لعبد الملك الحوثي من أن عناصره نجحت في جر الجيش إلى إحدى الهضاب في منطقة واسط لتنفجر بهم كالبركان حسب بيان الحوثي والذي بثته قناة الجزيرة أيضاً. ومما صعب عملية الحسم في هذه الجبهة، أن الجيش ركز في الثلاث الأسابيع الأولى من إندلاع المواجهة على المناطق والقرى التي تقع على جانبي الطريق، والتي تبدأ بمدينة حرف سفيان ثم يتبعها واسط والمدرج وجبل شبارق ووادي شهوان ومنطقة عيان وصيفان ووادي عيان وصولاً إلى الحيرة آخر معاقل الحوثيين في مديرية سفيان، وبعد أن أحرز الجيش تقدماً في هذه المناطق ووصل إلى مشارف وادي عيان تفاجأ بالتقاف أتباع الحوثي عليه وتفجيرهم للوضع في معظم مناطق وقرى حرف سفيان السالفة الذكر، لينفجر الوضع في سفيان برمتها، ما دفع الجيش إلى الإبقاء على مواقعه وتعزيز قواته بألوية جديدة لتصبح الحرب في هذه الجبهة حرباً شاملة حيث يتقدم الجيش وينتقل من قرية إلى آخرى، واضعاً خلفه في المناطق التي سيطر عليها مواقع عسكرية تحمي الجهات الخلفية لصفوفه، منعاً لتسلل حوثيين إلى تلك المناطق.