ناقش أكاديميون وسياسيون ومهتمون بقضايا حقوق الإنسان من إعلاميين وممثلين لمنظمات مجتمع مدني التقرير السنوي الثاني لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2006م والصادر عن المرصد اليمني لحقوق الإنسان. وفي فعالية تدشين التقرير التي أقيمت أمس بصنعاء أكد عبد العزيز البغدادي عضو مجلس الأمناء في المرصد على ضرورة إطلاق الحريات وخاصة حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد التي تعاني من القيود والانتهاكات وشيوع ثقافة التحقير الديني والتحريض الثقافي –على حد قوله– مضيفاً إن ذلك أضحى يشكل خطراً حقيقياً يمتد أثره لإهدار حقوق وحريات الأفراد المدنية والسياسية وخاصة الاعتقالات دون إجراءات قانونية والمحاكمات غير العادلة وإغلاق الصحف ومحاكمة الصحفيين وأصحاب الرأي. وأوضح أن تلك حقوقاً كفلها الدستور ونصوص المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها اليمن، مشيراً إلى أن المرصد اليمني يطرح وبشدة ضرورة تفعيل مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني خاصة في مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة التي يبرز فيها التجاهل الواضح لأوضاع حقوق الإنسان، معتبراً أن أي مجتمع لن تتأتى له ممارسة حقوقه إلا من خلال تجسيد مفاهيم حقوق الإنسان وتطوير آليات الحماية لها في ظل مناخ ديمقراطي وتحول حقيقي نحو تحسين البنى المؤسسية، التشريعية والقضائية والتنفيذية. وفي السياق ذاته استعرض محمد المقطري المدير التنفيذي للمرصد والدكتور عبد القادر علي عبده نائب المدير التنفيذي للمرصد، ما تناوله التقرير من رصد تحليلي لواقع حقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطي والسياسي في بلادنا، موضحين أن هذا التقرير يهدف إلى المساهمة في حماية حقوق الإنسان وتطوير العملية الديمقراطية في بلادنا من خلال رصد وعرض الوقائع والمعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان خلال عام مضى، إلى جانب تحليل عوامل التقدم والتراجع في أوضاع حقوق الإنسان وتحديد أسباب ومكامن الخلل المؤسسية والتشريعية والثقافية المؤدية إلى تلك الانتهاكات إضافة إلى عرض الرؤى المختلفة لضمانات تعزيز حماية حقوق الإنسان وتوفير شروط الانتقال الديمقراطي ثم الخروج بتوصيات موجهة إلى هيئات الدولة والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حماية حقوق الإنسان، فضلاً عن الجهات الدولية الداعمة. التقرير السنوي الثاني لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2006م والصادر عن المرصد اليمني لحقوق الإنسان تناول من خلال أبوابه الأربعة قضية الإصلاح الديمقراطي من حيث مجريات الأحداث أبان الانتخابات الرئاسية والمحلية في سبتمبر الماضي، وموضوع الفساد معتبراً إياه نتاج غياب المشاركة والشفافية، إضافة إلى إصلاح النظام السياسي، كذلك تناول التقرير عدداً من الحقوق هي: المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، إلى جانب حقوق الإنسان للفئات الخاصة (حقوق الإنسان للمرأة، حقوق الإنسان للطفل، حقوق الإنسان للشباب، حقوق الإنسان للفئات المهمشة التي تعاني من التمييز العنصري). وأوضح التقرير على صعيد الحقوق المدنية أن هناك انتهاكات تقع على تلك الحقوق، متمثلة في القتل، الضرب، التعذيب، الاعتقالات التعسفية، الاختفاء القسري، فقدان معظم معوقات الحياة الآدمية للسجناء وفقاً للقواعد الدنيا لأوضاع السجون ومعاملة السجناء، وإيداع الأطفال في السجون العامة، والتمييز ضد المرأة في الحقوق المدنية كالحق في حرية الانتقال، وإهدار العديد من شروط المحاكمة العادلة، والإخلال في المساواة بين الجنسين وفي شغل الوظيفة العامة وربط الحصول عليها أو الوصل إلى موقع القرار في الإدارة العامة بالولاء السياسي أو الشخصي. وأظهر أن معظم ضحايا انتهاكات بعض الحقوق المدنية هم من الشباب وخاصة فيما يتعلق بالثارات والحروب القبلية. واقترح التقرير عدداً من التدابير المباشرة المتعلقة بحماية الحقوق المدنية تتمثل بعمل الحكومة على إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وطبقاً للمعايير الدولية (مبادئ باريس)، كذلك اتخاذ الحكومة التدابير المؤسسية والتشريعية والمالية لدعم ضحايا الانتهاكات وتمكنهم من اللجوء إلى القضاء وتوفير الحماية لهم ومن ذلك إصدار اللائحة الخاصة بالعون القضائي، إضافة إلى توفير الدعم المادي للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الحماية لتمكينها من أن تكون شريكاً فاعلاً في الحماية، فضلاً عن تدابير أخرى اقترحها التقرير بخصوص الحقوق المدنية. أما على صعيد الحقوق السياسية فقد أورد التقرير نماذج لمظاهر الانتهاكات أو معوقات ممارسة هذه الحقوق ومنها التضييق على حرية التعبير وملاحقة الصحفيين وإيقاف صحف حزبية وملاحقة أخرى إدارياً وقضائياً وتقليص دائرة مشاركة الأحزاب والنقابات والمنظمات غير الحكومية والعمل على إضعافها وتقسيمها ومحاولة السيطرة عليها. وتطرق التقرير في جانب الحقوق السياسية إلى وقائع خاصة ذات ارتباط بالعملية الانتخابية في سبتمبر الماضي، معتبراً الممارسة الديمقراطية أثناء فترة الانتخابات بكل مراحلها علامة مميزة وبارزة لتلك الانتخابات التي اتسمت بمظاهر التنافس الحقيقي على الترشح لرئاسة الجمهورية، من حيث اتساع المدى الجغرافي للحملات الانتخابية للمرشحين ليصل إلى كافة المحافظات وازدياد حجم وفاعلية الحملات الانتخابية بتهيئة فرص أوسع للمرشحين لحشد أنصارهم في مهرجانات مفتوحة تروج لبرامجهم، وحصول المرشحين المعارضين على حيز أكبر لم يسمح به سابقاً في وسائل الإعلام الرسمية المرئية والمسموعة لتغطية حملاتهم الدعائية وعرض برامجهم الانتخابية. وأوضح التقرير أن هناك وجهاً آخراً للحدث الانتخابي ظل يعكس صوراً مكررة ومطورة أحياناً للانتهاكات الصارخة للحقوق خلال المراحل المختلفة للعملية الانتخابية، كالاعتداء والترهيب للناخبين أو أعضاء اللجان أو المرشحين والمراقبين، إلى جانب الاعتقال التعسفي، والإكراه على الاقتراع العلني والحرمان من الاقتراع أو الإكراه عليه لصالح مرشح معين، إضافة إلى تكسير وحرق الصناديق أو الاستيلاء عليها وتعبئتها ببطاقات نيابة عن الناخبين، أو إيقاف الفرز وإعلان نتائج دون اقتراع أو فرز، وتعديل نتائج الفرز، وغير ذلك من الانتهاكات التي أوردها التقرير. في هذا الجانب اقترح التقرير أن تعمل الحكومة على إعادة النظر في مشروع قانون الصحافة والمطبوعات الجديد، وأن يكون الهدف من إصدار قانون جديد هو رفع القيود المتعارضة مع المعايير الدولية لحرية التعبير وتعزيز حمايتها وتمكين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع وكل مواطن من امتلاك جميع وسائل الإعلان، كذلك أن تعمل الأحزاب السياسية على دراسة قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية لإصلاحه بما يعزز التعددية السياسية والحزبية ويساهم في معالجة أزمة الشراكة وطرح هذه الرؤية على الحكومة والسعي للحوار معها بشأن هذه الرؤيا وإصلاح هذا القانون. وركز التقرير في جانب الحقوق على الحق في العمل والحق في التأمين ضد البطالة والعجز، والحق في أجر يؤمن للفرد مستوى معيشياً يكفل له كرامته الإنسانية، ورأى التقرير أن أسباب إهدار الحقوق الاقتصادية تتمثل في تخلي الدولة عن ممارسة دورها في عملية التنمية الاقتصادية ودورها في ضمان الحق في العمل وطرق وسبل الحصول عليه وفي احتواء البطالة وإنفاذ قانون لحماية الملكية الخاصة. واقترح لمعالجة ذلك أن تقوم الحكومة والمجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية إضافة إلى المجتمع الدولي بوضع إستراتيجية لتوجيه الإنفاق العام بما في ذلك توجيه مخصصات شراء الأسلحة إلى مكافحة الفقر والبطالة، وإيجاد استراتيجيات تحقق تبدلاً جوهرياً لدور الدولة ومسؤولياتها تجاه مواطنيها لمكافحة الفقر وتوفير فرص التشغيل بصورة مباشرة وربط توسيع مساحة الدور الاقتصادي للاستثمار الخاص الأجنبي والمحلي بتوفير فرص العمل وعدالة توزيع الدخل الوطني. الحقوق الاجتماعية والثقافية، استعرضها التقرير من حيث الحق في الصحة والتعليم والحريات الأكاديمية، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى من الفقراء لم تعد قادرة على الوصول إلى المؤسسات الصحية للقطاع العام أو الحصول على الدواء وذلك بسبب الانتشار الواسع للفقر وتطبيق نظام المشاركة في كلفة المؤسسات الصحية الحكومية وارتفاع سعر الدواء علاوة على عدم صلاحيته أحياناً كونه مهرباً أو مزوراً. ومن المقترحات في هذا الجانب زيادة مخصصات الإنفاق العام للتنمية البشرية وتمكين المواطن من ممارسة الحقوق الاجتماعية والثقافية، إلى جانب اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الأدوية للفقراء ومنع تهريبها، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع الدخلاء على مهنة الطب والعلاج بالشعوذة. وأفرد التقرير فصلاً خاصاً بحقوق الإنسان للمرأة مبرراً ذلك بواقع المعاناة والانتهاكات التي لا تزال المرأة تتعرض لها، معتبراً اتساع دائرة انتهاك حقوق الإنسان للمرأة يرجع جزئياً إلى قصور تشريعي ثم إلى الثقافة الذكورية السائدة وتدني مستوى إنفاذ القانون وفساد الهيئات المعنية بذلك، أو في الاستبدال المكشوف للقانون بالأعراف العتيقة التي تروج لها الثقافة التقليدية والتساهل تجاهها، مقترحاً أن تعزز المنظمات المدنية والتشريعية والحكومية المعنية من حركتها في هذا المجال بتقديم مبادرات بمقترحات أكثر تحديداً وشمولاً لتعديل نصوص القوانين المنتقصة للحقوق الإنسانية للمرأة وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية والجرائم والعقوبات، والجنسية وغيرها. واعتبر التقرير حقوق الطفل في المجتمع اليمني منتهكة على قطاع واسع، من حيث عدم ضمان التشريعات احترام حقوق الطفل وضمان تمتعه بها، مقترحاً حماية الأطفال من الإكراه على العمل ومن العمل بشروط مجحفة في ظروف قاسية ومهينة، ووضع حد لاستفحال ظاهرة الاتجار بالأطفال وتهريبهم إلى الخارج لأغراض مختلفة، وحماية الصغيرات من الإكراه على الزوج المبكر بتحديد سن الزواج وضوابطه الإجرائية المشتملة على موافقة طرفي الشراكة، وغيرها من المقترحات بهذا الشأن. وفي ما يتعلق بالشباب فقد أوضح التقرير أنهم يتعرضون لكثير من الانتهاكات لحقوقهم الإنسانية، ومنها التعنت واختلاق المشاكل للطلبة بدلاً من حل مشاكلهم وممارسة التخويف والتهديد ضدهم، والتميز القائم على أساس الولاء والمصلحة الشخصية، وانتهاك حقوقهم في العمل، ودعا لضمان حق الشباب في منافسة متكافئة للالتحاق بسوق العمل وحمايتهم من مخالفات التوظيف، وظواهر الفساد الإداري والسياسي التي تحول دون الإعلان عن الوظائف المتاحة، كذلك تطوير المناهج وطرق التدريس ورفدها بتقنيات أكثر حداثة وتحفيز على الإبداع والابتكار ومواكبة احتياجات العصر. وأوضح التقرير أن الفئات المهمشة في اليمن (وهم من يسمون الأخدام) يمارس ضدهم التمييز برغم المساواة الدستورية بين المواطنين كافة، وتنتهك غالباً حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وتنعدم مشاركتهم السياسية، ويفتقرون إلى أهم مقومات العيش الكريم، مقترحاً في هذا الخصوص الاهتمام بالدمج الاجتماعي لأبناء هذه الفئة واتخاذ الإجراءات اللازمة لإلحاقهم بالتعليم، وتوفير فرص الضمان الاجتماعي والعمل لهم وغير ذلك من المقترحات. وتطرق التقرير إلى قضية الإصلاح الاجتماعي من حيث الممهدات السياسية للعملية الانتخابية، وجوانب القصور ونماذج من الانتهاكات التي حدثت خلال المراحل المختلفة للعملية الانتخابية، ومتطلبات الإصلاح التشريعي والمؤسسي الانتخابي، إضافة إلى تطرقه لمفهومي الشفافية والفساد، وتشريعات مواجهة الفساد، ومؤشرات الفساد ودور المؤسسات الرقابية في كشفه. التقرير الذي صدر في 175صفحة وشارك في إعداده نخبة من الأكاديميين والمتخصصين عرج على قضية الإصلاح الديمقراطي وإن بشكل مبتسر لم يعطها ماتستحقه من أهمية حيث قصر تناوله لها على برامج الانتخابات الرئاسية، ودراسة قضية الفساد، والإشارة إلى بعض الخطوات الحكومية في الإصلاح التشريعي والدستوري. يذكر أن المرصد اليمني لحقوق الإنسان تأسس في منتصف عام 2004م، ويوصف نفسه بأنه منظمة غير حكومية مستقلة تعمل في مجال حقوق الإنسان وتهتم بصورة خاصة بمجال الرصد وإصدار التقارير في هذا الميدان.