سيلفانا توسكا/ ترجمة: مهدي الحسني خلال زيارته الأخيرة الى الولاياتالمتحدة، عبر الرئيس عبدربه منصور هادي عن مخاوفه بأنه في حال فشل الحوار الوطني (وهو ملتقى يفترض أن يمثل فيه اللاعبين السياسيين الرئيسيين في اليمن) فإن اليمن قد تنزلق إلى حرب أهلية أسوأ من تلك التي حدثت في الصومال أو أفغانستان. جزء من ذلك الخطاب كان إستراتيجياً، الغرض منه لفت إنتباه ما يسمى ب "إصدقاء اليمن" لتقديم مساعدات أكثر، اليمن في أشد الحاجة إليها-بالرغم أنها قد تكون ضارة. غير أن هادي يبالغ بعض الشئ من المخاطر التي قد تواجه اليمن، والتطورات الأخيرة، مثل الحوار الوطني، يجعل من توقعاته تثير المزيد من القلق. هادي الذي ترشح للرئاسة بالتزكية في فبراير تم إنتخابه، بعد الأزمة السياسية منذ يناير 2011. إن التسوية السياسية التي قامت بهندستها دول مجلس التعاون الخليجي التي ضمنت إنتقال السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح آنذاك إلى هادي، ساعدت على تجنيب اليمن حينها حرب أهلية كادت أن تعصف بها. ومع ذلك هناك مجموعات كثيرة في اليمن تنظر للمبادرة الخليجية على أنها فاشلة، و أنها فرضت لتضمن بقاء السلطة الرسمية وغير الرسمية في أيادي النخب الحاكمة القديمة. وكما جاء في تقارير مجموعة الازمات الدولية، فإن النخب اليمنية إحتفظت بالسلطة في الوقت الذي واصلت فيه عملية التدوير الوظيفي في الحكومة. في غضون ذلك، تم إقصاء المتمردين الحوثيين في الشمال و الحراكيين الإنفصاليين في الجنوب و المجاميع الشبابية المختلفة التي كانت العمود الفقري للثورة في أيامها الأولى، تم إقصائهم من الصفقة. وعلى النقيض من تونس ومصر وليبيا، إفتقرت الثورة اليمنية إلى نهاية جلية وكانت رحيلاً واضحاً وقاسياً لماضيه. براعة صالح في المماطلة أثارت سخط الثوار و المجتمع الدولي على حد سواء. وحتى بعد رحيله، مازال صالح يمسك بقوة على جزء من الجيش. إبنه أحمد علي يقود قوات النخبة، الحرس الجمهوري، وإبن شقيقه يحيى صالح، يقود قوات الأمن المركزي. بالإضافة إلى ذلك، لديه قاعدة سلطة قوية من خلال مجموعته القبلية، سنحان، علاوة على التحالفات القبلية التي تمكن من شراءها. وعلاوة على كل ذلك، يزعم أن لديه صلات بتنظيم القاعدة في اليمن، مما يعمق من حجم الضرر الذي يمكن أن يلحقه بجهود الإصلاحات الحكومية. الحقيقة أنه بينما يستمر صالح في إستقبال اللاعبين السياسيين وكأنه مازال الرئيس، تم تحويل الرئيس هادي إلى رئيس عن بعد، لأنه لا يستطيع حتى توفير الحماية لنفسه في القصر الرئاسي. ووفقاً للدكتور أبريل آلي من مجموعة الأزمات الدولية، فإن حزب الإصلاح الذي حصل على جزء هام من صفقة المبادرة الخليجية، مستمراً في الحصول على حصة أكبر من المناصب الحكومية. هذا لا يختلف كثيراً مع فترة حكم صالح. إذن العديد من أعضاء الإصلاح، شكلياً في المعارضة، حصلوا بشكل غير متكافئ على شرائح أكبر من كعكة الحكومة، حتى إذا ما قارناهم بحزب صالح، المؤتمر الشعبي العام. وبناء على ذلك، من السهل النظر - وإن قد لا يكون صحيحاً - إلى الوضع في اليمن على أنه لم يتغير. في حين تبقى السلطة السياسية و العديد من المؤسسات الحكومية في أيادي النخبة الحاكمة القديمة، فإن ميزان القوة العام في البلاد تحول بعيداً عن صنعاء و الحكومة. ويسيطر المتمردون الحوثيون على معظم الجزء الشمالي مما يعرف ب "اليمن الشمالي"، بينما أصبح صوت حركة الإنفصاليين الجنوبيين (الحراك) أكثر إرتفاعاً في رفضه لشرعية دولة الوحدة. بالإضافة إلى الدولة المركزية الضعيفة، فإن تلك الجماعتين تشكلان إختباراً حقيقياً لسلطة الحكومة المركزية، ولن يكون هناك حل للمعضلات الكثيرة جداً التي تواجه اليمن دون أخذ هذا الوضع في الحسبان. على الصعيد الرسمي، كان هناك محاولات لإستيعاب تلك التغييرات في مراكز القوى ضمن الحوار الوطني. و بالرغم أن الحراك غير مشارك في الحوار، إلا إن معظم المجموعات الأخرى، من بينها الحوثيين، لديهم ممثلين في طاولة الحوار. ووفقاً لهشام الشرجبي، و هو ناشط و مؤسس حزب الوطن، واحد من أكثر الأحزاب الجديدة ديناميكية، فإن الحوار الوطني مثمراً و شاملاً و يحظى بالإحترام. في سبتمبر قام هادي أيضاً بتعيين إثنين من الجنوبيين في لجنة الحوار، إلا إنهما لا يمثلان الحركة الإنفصالية. كما عين هادي أربعة أعضاء جدد من الإصلاح، مما أحدث تغييراً في الموازين لصالح حزب الإصلاح، الأمر الذي يزيد من إحتمالية أن تعكس المقترحات المقدمة على طاولة الحوار الوطني مصالح حزب الإصلاح. بعيداً عن البيانات الرسمية و غرف الإجتماعات، فإن الإحترام المتبادل يبدو بعيداً من أن يكون ضمن أجندة أي من المجموعات. و بينما يضع ممثليهم إقتراحاتهم على الطاولة، يواصل الحوثيون قتالهم ضد الإصلاح و الجماعات السلفية للسيطرة على مناطق في الشمال. و خلال أحد لقاءاتي مع أحد قادة حركة الحوثيين في صنعاء في شهر أغسطس، علي العماد و عضوين من حزب الإصلاح، فإن النقاشات المرنة حول أدوار الطرفين في الثورة، تخللتها إتهامات مستمرة حول دور كل من الطرفين قبل و بعد الثورة. قادة الإصلاح يرفضون بإستمرار معتقدات حركة الحوثيين، متهمين الحوثيين (من الشيعة) بأنهم بيادق لإيران، التي تدفع إلى تفاقم التوتر الطائفي لخدمة مصالحها. الأمر الذي لا يغيب عن أذهان الحوثيين و معظم اليمنيين، أن السعودية هي من تحرك خيوط العديد من الجماعات السنية (يشمل ذلك فصائل في حزب الإصلاح)، بالإضافة إلى الشيوخ القبليين في جميع أنحاء البلاد. و مع ذلك، فإن تهمة التعاون مع بعبع إيران تعد أكبر و يصل صداها إلى المجتمع الدولي. أثناء رحلته الى الخارج، إتهم هادي إيران بالتدخل في شؤون اليمن و إثارة المشاكل في الجنوب، في الوقت الذي إمتدح فيه السعودية على الدور الذي لعبته أعرب عن قبوله بإمتنان ملايين الدولارات التي تعهدت بمنحها لليمن. و على الرغم أن التدخل الإيراني السري أمر يمكن تصديقه، لا سيما في ظل خسارة حليف مهم في سوريا، إلا أن توجيه أصابع الإتهام عمداً يهدف إلى نزع الشرعية عن مطالب الحوثيين و الحراك و يسعى في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات أكثر صعوبة. الحوثيون الذين عانوا كثيراً من الحروب التي قادها الجنرال على محسن، و الذي يعد القوة العسكرية لحزب الإصلاح و للرئيس، لديهم أسباب مشروعة تبرر حذرهم من صنعاء. و بالمثل، بينما توجد عدة مناطق في اليمن (خاصة المناطق الوسطى في اليمن) تعاني من الفقر الشديد بسبب تهميش نظام صالح لها، إلا أن الجنوب يعاني من الفقر المدقع بسبب التهميش المتعمد. و لم تظهر الحكومة الحالية الكثير من الإهتمام لتهدئة مخاوفهم. و بالتالي، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن الحكومة ليس لديها الشرعية و لا تسيطر على مساحات واسعة في اليمن – مناطق الحوثيين و الجنوب – فمن غير المتوقع أن تصل المساعدات التي وعد بها أصدقاء اليمن قبل أن يستكمل الحوار الوطني (إذا تم ذلك أصلاً). و بالرغم أن اليمن في حاجة ماسة للمساعدات – و يجب أن توزع المساعدات الإنسانية عبر المانحين الدوليين في أقرب وقت ممكن – فإن تسليم الأموال بشكل مباشر إلى الحكومة المركزية التي ليس لديها القدرة على إستيعابها، لا سيما في بلد أصبح في حالة لا مركزية الأمر الواقع، سيكون له عواقب وخيمة.