أطلق الدكتور أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية العنان لأفكار سياسية جديدة مناقضة تماماً لمواقف مسئولي الحكومة الفلسطينية وقادة حركة حماس التي شكلتها مؤخراً . وفي حديث خاص مع " وكالة الأنباء اليمنية- سبأ" في مكتبه بمقر مجلس الوزراء بمدينة غزة يرى أنه لا حرج في أن تجري الحكومة الفلسطينية مفاوضات مع إسرائيل إذا اقتضت المصلحة ، وفي التوصل إلى اتفاق سلام مشروط معها في حال وافقت على دولة فلسطينية داخل حدود(67) وعودة اللاجئين. ولا يخفي الرجل الحاصل على الجنسية الأميركية و الحائز على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة أميركية قلقه من الوضع داخل الساحة الفلسطينية التي " استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت انشغالنا بوضعنا ليشتغل هو بتنفيذ خطته بلا أن يزعجه أحد أو يعترض عليه على الأرض حيث يستولي على مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية لرسم حدود إسرائيل النهائية". وقال:" إن إعلان أبو مازن عن خطوة إجراء الاستفتاء على وثيقة الأسرى ربما ساهم في تعقيد الأمر وخلق أزمة في الوقت الذي كنا نحاول لململة الصف الفلسطيني ليأتي شرط الموافقة على الوثيقة ويقلب الأمور ". ويشير يوسف إلى أن فكرة الحوار انطلقت من المجلس التشريعي الفلسطينية، وبالأخص من كتلة الإصلاح والتغيير بهدف تصليب الجبهة الداخلية الفلسطينية في وجه المخاطر الخارجية التي تتهدد القضية الفلسطينية، وبدأ الخلاف حول الحوار مع تباين التصريحات فيما يتعلق بوثائق مؤتمر الحوار التي أبدت الحكومة الفلسطينية ورئيسها استجابة عالية لها، واعتبرت وثيقة الأسرى بالذات "أرضية صالحة" للحوار والوصول إلى برنامج قواسم مشتركة لكن هناك بعض التحفظات على عدة نقاط تحتاج إلى توافق كي لا يبقى مجال للتأويل والتلاعب. ويستغرب يوسف فكرة الاستفتاء التي أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عزمه القيام به في حال لم يصل الحوار إلى نتائج ايجابية خلال عشرة أيام انتهت أمس الأحد ويقول يوسف:" أن تضع الاستفتاء فانك تضع برنامجاً آخراً، في حين أن البرنامج الذي انتخبت عليه الحكومة لما يطبق على الأرض فالفترة الزمنية لاستلام الحكومة لم تتعدى شهر ونصف بعد ليحاكم برنامج الحكومة من خلال الاستفتاء ". ويضيف بمرارة ليس لنا سنة أو ثلاث حتى نحاكم البرنامج الحكومي. وينوه إلى أن الاستفتاء غير قانوني حسب إطلاعنا على الدستور الفلسطيني (القانون الأساسي) الذي لا يشير إلى ذلك في أي بند من بنوده. وأضاف: إن أريد للاستفتاء أن يتم فيجب أن يتم بالتوافق بين مؤسستي الرئاسة والحكومة التي لم ينقاشها أحد في الموضوع حتى لو حديث عرضي. ورغم الأجواء المحبطة المحيطة بالحوار الجاري في مدينة رام اللهبالضفة الغربية بين مختلف القوى السياسية الفلسطينية باستثناء حركتي حماس والجهاد اللتين تطالبا بنقله إلى غزة، فان يوسف يرى أن الحوار سينتهي إلى بر الأمان، وسيصل في نهايته إلى الاتفاق على آلية مشتركة للخروج من المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون بسبب الحصار الدولي والتواطؤ الإقليمي والتربص والتحريض الداخلي لإفشال الحكومة وإسقاطها. وتفاؤل يوسف الحذر يأتي من تعويله على الصفات الطيبة التي يتمتع بها كلا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية " فبإمكانهما في اللقاء القادم أن يتوصلا إلى تفاهمات فيما يتعلق بالاستفتاء وإمكانية إجرائه، وهذا الأمر لا يتم بمعزل عن الحكومة، ويخشى من أن عدم التوافق بين الرئيسين عباس وهنية سيؤدي إلى تعقيد الوضع الداخلي والإضرار بالمشروع الوطني الفلسطيني برمته". ويصف العلاقات بين مؤسستي الحكومة والرئاسة بالودية التي تحكمها ثلاثة ضوابط أولها الصلاحيات المختلف عليها بين الحكومة والرئاسة, والثاني التوافق والتفاهم بين الطرفين على القضايا الغير منصوص على تبعيتها في القانون الأساسي , والثالث المصلحة الوطنية العليا. ويقدم مستشار هنية السياسي موقف مختلف عن مواقف حركة حماس من قضية التفاوض والتعايش مع إسرائيل، فهو لا يرى أية مشكلة في التفاوض بكل أشكاله ودرجاته بين الفلسطينيين وإسرائيل، المهم عنده ما يتمخض عن التفاوض من نتائج "هذا هو الأساس"، وقد ترك هنية لعباس التفاوض كي نفكك العلاقة بين الرئاسة والارتباطات الدولية، لكنه يشير إلى أن عباس لن يأت بجديد من إسرائيل التي ترفض صنع السلام، وكل ما تعلن عنه إنما هو من باب شراء الوقت لرسم حدود إسرائيل النهائية". ولا يرى يوسف أية حرج في إجراء الحكومة الفلسطينية مفاوضات مع إسرائيل إذا كانت المصلحة الوطنية العليا تقتضي ذلك، "فالتفاوض في حد ذاته لا إشكالية عليه"؛ الإشكالية في الرؤية النهائية لإنهاء الصراع. لقد عرضت الحكومة رؤيتها في الخطوط العريضة وهي: الانسحاب إلى حدود الخامس من حزيران (67)، حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، القدس كاملة السيادة (عاصمة للدولة الفلسطينية). إن وافقت إسرائيل فإننا نوافق على هدنة طويلة الأمد قد تمتد إلى عقود. والهدنة حسب يوسف هي اتفاقية سلام، لكنها اتفاقية بشروط، وهي بعكس "اتفاق أوسلو" الذي أخذت منه إسرائيل شرعيتها ثم تعدت واحتلت المناطق الفلسطينية، فنحن لا نريد أن نكرر الأخطاء السابقة بتقديم اعتراف بإسرائيل وإعطائها شرعية دون كسب حقيق ينهي الصراع برمته. ويتابع يوسف شرح موقفه: إن اتفاقية السلام المشروطة يمكن أن تنهي الصراع، ولكننا لا نريد أن نصادر حق الأجيال القادمة من أن تقول كلمتها فنريد أن نترك لها لا مجال حتى تقدم رؤيتها لإنهاء الصراع. لأنه قد تظهر معطيات أخرى ديمغرافية وجغرافية تستدعي تقديم رؤية أخرى لإنهاء الصراع غير رؤيتنا الحالية. ولا يستبعد من بين الرؤى التي يمكن أن تطرأ في الجيل القادم على ابعد حد أن يتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى رؤية مشتركة للتعايش ضمن دولة واحدة بعكس جيل اليوم الذي يرى الحل في دولتين. وهو من الذين يعتبرون أن عمر إسرائيل الزمني أوشك على الانتهاء، وأنها كدولة أوشكت على الزوال، من هنا فهو لا يرى طائل من الاعتراف بها كدولة شرعية لكنها تبقى دولة مغتصبة للحق الفلسطيني. ويعبر يوسف عن تفائله في انفراج سياسي سيؤدي إلى حل الأزمة المالية التي يحاولون استغلالها لإسقاط الحكومة وخلق شرخ بينها وبين مؤسسة الرئاسة، ويقول إن تفاهمات فلسطينية بين القادة الفلسطينيين ستؤدي إلى حل الموضوع المالي. ويشير إلى أن الحكومة الفلسطينية تمكنت من توفير دعم عربي وإسلامي يصل إلى (800) مليون دولار أميركي، لكن العائق الوحيد أمام الدول والحكومات لإرسال الأموال يبقى في الضغوط الاميركية، فكلما نجد مخرجاً يسده الاميركان. ويقول يوسف إن جمهورية مصر ترفض الاستجابة لضغوطات دولية لتمرير المشروع الاميركي القاضي بفرض ضغوطات قوية على الحكومة الفلسطينية لإسقاطها، لكن الجهد المصري على الأرض له مفعول قوي خصوصا لناحية جهودها المتواصلة لوأد الفتنة بين الفلسطينيين، ودفعها باتجاه توحيد الصف الفلسطيني. لكن يمكنك تلمس ضغوط تأتيك من أطراف عربية لم يسمها تمارسها هذه الدول طوعاً أو كرهاً قد تسمح بوجود تخيل بتواطؤ هذه الدول مع أميركا. ويصف العلاقات بين الحكومة الفلسطينية والحكومة الأردنية بالطيبة رغم رفض الحكومة الفلسطينية الاستجابة للطلب الأردني بإرسال وفد أمني منها للإطلاع على قضية تهريب السلاح من سوريا إلى الأردن لنشطاء من حركة حماس (حسب تأكيد الأردن، وهو ما تنفيه حماس)، ويقول الحكومة الفلسطينية قالت من البداية أن المسألة تخص الحكومة الأردنية وحركة حماس، ولا علاقة للحكومة الفلسطيني بها، لأن القضية ذات بعد خارجي وليست داخلي ومن هنا نحن غير معنيين به. وقال إن لجنة التحقيق في مقتل سائق ممثل الأردن في غزة خالد الردايدة قبل أسبوعين ما زالت تجري عملية التحقيق في مقتله ولم تنته بعد إلى التقرير النهائي لكن المؤشرات تقول انه لم يكن مستهدفاً بذاته، لكن مع ذلك تعهدت الحكومة بمعاقبة الفاعلين. ويرفض الأخذ بالتصوير الذي ظهر فيه جزء من الاشتباك لحظة مقتل الردايدة؛ لأنه تصوير أخذ الاشتباك من جانب واحد فقط، وإطلاق النار كان من جهتين وليس من جهة واحدة. وبخصوص خطة أولمرت لرسم الحدود النهائية لإسرائيل عبر خطة التجميع " الانضواء" التي ستضم بالاستيلاء على نحو (58%) من مساحة أراضي الضفة الغربية (تصل مساحتها إلى 5000كيلو متر مربع) الكتل الاستيطانية لفرض الحدود النهائية لإسرائيل، فانه يرى أن إسرائيل تريد شراء الوقت لاستكمال مخططها لأنها تعلم أن الدعم الاميركي مرشح للتراجع بعد انتهاء فترة الرئيس الاميركي الحالي جورج بوش في الحكم، وبالتالي التحالف الاميركي داخل القوى اليمينية في الولاياتالمتحدة الاميركية لن يستمر بتماسكه ودعمه لإسرائيل؛ فهذه فرصتها الأخيرة لانتزاع أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية وضمها لدولتها. ويقر يوسف بمرارة بانشغال إسرائيل دون تعكير صفوها في تنفيذ مخططها، اعتماداً على انشغال الفلسطينيين بمشاكلهم الداخلية التي تمنعهم من التصدي لمخططات إسرائيل الاستيطانية؛ فنحن مشغولون في توفير رواتب الموظفين ووضع حد للفلتان الأمني ووو، وهم (الإسرائيليون) مشغولون في تنفيذ خطتهم. سبأنت