شهد العام 2006 العديد من الأحداث البارزة على الساحة العربية لدرجة أن الأمور وصلت في كثير من الأحيان إلى حد التأزم والصدام والتهديد بنشوب حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس. والاحداث والملفات على الساحة العربية كثيرة ومعقدة فمن ناحية اودى العنف المستمر فى العراق بحياة عشرات الالاف كما ازدادت حدة الصراع في الارضي الفلسطينية المحتلة وكذلك هزت الحرب القصيرة فى الصيف التي شنتها اسرائيل على لبنان المنطقة ولايوجد اية حلول فاعلة محددة وتستمر مطالبة الولاياتالمتحدة بالتدخل الدولي في دارفور فيما عادت الصومال الى نيران الحرب الاهلية بعد ان تنفست الصعداء بعض الوقت . ففي ملف العراق الذي يقف على حافة حرب اهلية وصف الامين العام للامم المتحدة كوفى عنان مؤخرا الوضع فى العراق بانه يقترب من " الحرب الاهلية" بالنظر الى العنف الطائفى المتصاعد والمعارك الضارية بين قوات الاحتلال الامريكية والمقاومة. وأودى الصراع الدموى إلى مقتل 600 الف عراقي فى التفجيرات وعمليات القتل والقتال منذ ان غزت الولاياتالمتحدة العراق فى مايو 2003م ، فيما لقي حوالى 3000 جندى امريكى مصرعهم . والأسوأ من ذلك كله عانى العراق من انتكاسات فى اعادة البناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى هذا العام : حرب خنادق وتفجيرات انتحارية فى الشوارع على اساس يومى , وقد قدمت الحكومة الناشئة التى تعانى من قدر كبير من الخلافات الداخلية المريرة القليل من الاجراءات الفاعلة من اجل استقراروتنمية البلاد. وكان الحدث الابرز في الملف العراقي هذا العام هو قرار المحكمة الجنائية العليا الحكم باعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين واثنين من معاونية شنقاً. استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: لم يشهد عام 2006 اى تقدم فى الجهود الدولية لاعادة عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية لمسارها حيث تزايد التوتر فى العلاقات بين الجانبين بعد فوز حركة حماس فى الانتخابات البرلمانية فى اوائل هذا العام . وقد ادت هذه النتيجة الى حظر دبلوماسي ومالي على حكومة حماس مما اثار بدوره ازمة مالية خطيرة فى الاراضى الفلسطينية جعل الاوضاع اكثر سوء مما كانت علية من قبل . كما استمرت المجازر الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وكان ابرزها مجزرة بيت حانون . الشقاق الداخلي الفلسطيني : يجعل عدد القتلى الذى وصل الى 150 شخصا عام 2006 الأكثر دموية فى تاريخ الصراع الداخلى الفلسطينى منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية فى عام 1994م. ويعتبر الخلاف الداخلى نتيجة مباشرة للصراع الضارى المتزايد بين حكومة حماس الناشئة وحركة فتح التى سيطرت على السلطة لفترة طويلة. ومع تراجع دخل الفلسطينيين فى عام 2006 الذي يعادل فقط نصف دخلهم فى عام 2000 وارتفاع البطالة الذي ادى الى انكماش الانتاجية فى الاراضى الفلسطينية اضطر العديد من الفلسطينيين لبيع مقتنياتهم من اجل المعيشة. وفى ظل هذه المصاعب، اصبحت الخلافات بين حماس وفتح اشد حدة مما ادى الى وضع سياسى عنيف وهو الامر الذى كان نادرا ما يحدث فى السابق. وحتى الان فشلت حماس وفتح فى تشكيل حكومة وحدة وطنية حيث انهما يختلفان بشأن بعض الاهداف السياسية وخاصة الاعتراف باسرائيل التي رفضته حماس . ولذا فانه من المعتقد على نطاق واسع ان الامر سيستغرق فترة طويلة للمجموعتين الفلسطينيتين لتسوية خلافاتها وتحقيق وحدة داخلية. الحرب الإسرائيلية اللبنانية : على الرغم من ان الحرب الاسرائيلية على لبنان كانت الحدث الابرز لعام 2006 في لبنان، الا ان ما سبقها وما نتج عنها على الساحة الداخلية لم يكن اقل اهمية. وخلال الحرب التى استمرت 34 يوما نتيجة لاسر حزب الله جنديين اسرائيليين، شنت اشرائيل هجوما جويا وبريا وبحريا على لبنان مما اسفر عن مصرع حوالى 2000 مواطن لبنانى وتشريد حوالى مليون اخرين وتدمير البنية الاساسية اللبنانية وتسببت بخسائر اقتصادية تقدر ب 3 مليارات دولار امريكى . وتعيش الساحة اللبنانية حالياً منحنى خطيراً في الصراعات والخلافات بين جميع القوى السياسية فقد عمقت الكراهية بين الحكومة اللبنانية والمعارضة بقيادة حزب الله التى تطالب الان رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بالاستقالة بسبب موقفه السلبى خلال الحرب. والآن لا يبدو ان الازمة السياسة اللبنانية اوشكت على الانتهاء بالنظر الى مقتل الوزير اللبنانى بيير الجميل فى نوفمبر الماضي والاحتجاجات العنيفة الحالية التى تنظمها جماهير موالية ومعارضة للحكومة والتى لقى فيها شخص مصرعه فيما اصيب 20 اخرون. وعلى الساحة السورية لا يحدث انفجار فى لبنان اوغتيال مسؤول إلا ونسمع تصريحاً أو اتهاماً لسوريا بانها هى وراء تلك الاحداث. وبين الأمن والاستثمار، واصل الأردن المشي على حبل مشدود بعصاة توازن حساسة في أحد طرفيها ضمان الاستقرار وسط إقليم مضطرب وعلى الطرف الآخر ديمقراطية مؤجلة على أمل خروج المنطقة من عنق الزجاجة. الخليج وحصاد عام : شهدت دول الخليج العربي تطورات هامة في كافة المجالات ساهمت بشكل ايجابي على الساحة الخليجية. ففي المجال الاقتصادي اتخذت دول الخليج خطوات ايجابية نحو إصدار العملة الخليجية الموحدة في عام 2010 التي تعد من ابرز الخطوات الاقتصادية لاستكمال مقومات الوحدة الخليجية . وفي المجال السياسي شهدت البحرين انتخابات المجالس النيابية والبلدية حيث سيطرت التيارات الاسلامية على الانتخابات النيابية البحرينية في جولتيها الاولى والثانية. كما شهدت دولة الامارات العربية المتحدة انتخابات تشريعية حيث توجه في ال 16 من ديسمبر الحالي 6595 مواطنا إماراتيا بينهم 1189 امرأة للادلاء بأصواتهم في أول انتخابات تشريعية وذلك لاختيار20 نائبا من بين 374 مرشحا و65 مرشحة. ولأول مرة في تاريخ الإمارات تفوز امرأة في الانتخابات التشريعية حيث جاءت المرشحة أمل القبيسي بالمرتبة الثالثة في انتخابات امارة أبوظبي بحصولها على 265 صوتا من أصل 1741 ناخبا يصوتون لاختيار اربعة مرشحين من بين 85 مرشحا و14 مرشحة. وفي اليمن أحدثت الانتخابات الرئاسية والمحلية في شهر سبتمبر الماضي هزة كبيرة وحراكاً سياسياً واجتماعياً غير مسبوق انتهت بفوز فخامة الرئيس علي عبدالله صالح . ورياضيا كان الحدث الابرز لهذا العام هو آسياد الدوحة 2006م الذي استضافتة قطر هذا الشهر والذي ابهر الجميع من حيث الاعداد له . أفريقيا وحصاد عام : تودع مصر عاما شهد عدة كوارث وازمات ففى شهر فبراير الماضي تأكد فعليا ان مصر التى كانت مهددة بوباء انفلوانزا الطيور قد اصيبت به بالفعل، واعلن رسميا عن وفاة عدد من الأشخاص من جراء المرض بينما احتجز آخرون فى المستشفيات لتلقى العلاج. وكان نفس الشهر قد شهد اسوأ كارثة بحرية عرفتها مصر عندما غرقت عبارة السلام 98 وهى فى طريقها من السعودية الى مصر بعد اشتعال النيران بها مما اسفر عن مقتل ما يزيد عن الف راكب. وابرز ما في حصاد هذا العام في السودان كان ثلاث قمم واتفاقيتا سلام للشرق والغرب وقد عكست حراكا دبلوماسيا واسعا وسعيا حثيثا للوصول الى سلام ينهي تلك المشكلات المستعصية حول قسمة السلطة والثروة والتمردات المسلحة المتواصلة لسنين في دارفور في غرب السودان وفي شرقه بل ولعقود في جنوبه. وهاهو الصومال الذي نكب بحرب أهلية مديدة يدخل الآن طوراً جديداً تتداخل فيه الكثير من العوامل الداخلية والاقليمية والدولية ليتحول إلى ساحة صراع تتم فيه تصفية حسابات ومصالح لن يكون وقودها إلا الشعب الصومالي الذي يعيش مرحلة متصلة من العنف والاقتتال الداخلي تزيد من مأساته وتعمق الانشقاق بين أبنائه وتزيد المخاطر التي تهدد وجوده. وقد اتسع نطاق المعارك بعد ان اعلان إثيوبيا الحرب على المحاكم الاسلامية الصومالية. وأهم ما ميز عام 2006 في المغرب هو توصل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية إلى مقترح حول الحكم الذاتي للصحراء الغربية، والسجال الحاد بين الأحزاب الكبرى والصغرى حول أحقية المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، وأخيرا دخول القطاع الخاص إلى الإعلام السمعي البصري الذي كان محتكرا من طرف الدولة. أما ليبيا فكان الحدث الابرز هو صدور حكم الاعدام على الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني في قضية حقن اطفال ليبيين بفيروس الايدز . وفي موريتانيا يودع عام 2006 هذه الزاوية القصية من العالم العربي وفي حقيبته شهادة حسن سلوك في تنظيم الانتخابات، ورزمة وثائق سلم بموجبها "عهدة" ثقيلة لخلفه عام 2007. وكان عام 2006 في تونس عام توافد عدد كبير من الساسة الاجانب لتطوير التنسيق الامني مع السلطات التونسية ولمتابعة ملفات الحريات والاصلاح السياسي بعد تحركات المجتمع المدني وجبهة 18 أكتوبر المعارضة ومحاولاتها تحريك الشارع. وهكذا يطوي هذا العام ايامة ويرحل تاركا الساحة لروزنامة جديدة حبلى بالتداعيات والتنبؤات باشتعال حروب اهلية الى جانب آمال طفيفة بحلول قد تجنب المنطقة المزيد من الصراع . سبأنت