الإنشاد النسائي لون غنائي ديني يتناول موضوعات تتسم بالعشق الإلهي ومدح الرسول والوحدانية، تعود بداياته إلى عهد الرسول (ص) واستقبال الأنصار له بالمدينة .. اقتصر في مرحلة من المراحل على العنصر الرجالي . وللإنشاد الديني تاريخ طويل؛ فقد بدأ منذ النصف الأخير من القرن الأول الهجري كشعر، ومن ثَمَّ قام بتلحينه "إسحاق الموصلي"، و"زرياب" في العراق، واهتمت به الدولة الرسولية باليمن فى القرن السادس الهجري.وقد قامت الأناشيد الدينية اليمنية بالتأثير على غيرها خاصة بالأندلس، وذلك عن طريق القبائل اليمنية التي كانت مقيمة هناك، كما تأثر الإنشاد اليمني بمثيله في تركيا خلال وجود العثمانيين في اليمن. واليمن بلد يمتلك آلاف الأناشيد الدينية من مختلف المحافظات التي تفوقها صنعاء بتراثها الغني، وكان اقتراب النساء منه مرتبط بعوامل ثقافية وتاريخية اجتماعية، فارتبط بعضهن بالإنشاد حباً في الذات الإلهية، وأخريات اتخذنه وسيلة للرزق والكسب، وفئة أخرى توارثت مهنه توارثها الآباء عن الأجداد. ومع تعدد كل أسباب حب "الإنشاد"، فقد أبدعت فيه المرأة ونثرت قطوف من زهرات هذا التراث العريق على المناسبات الدينية الاجتماعية فكانت أنيسة المجالس بما قدمته من قصائد لفحول الشعراء، فزفت العروس وشدت للعائد من الحاج وأنشدت قصائد في الصبر والتذكير بالآخرة، ونثرت أمام محبي هذا التراث أجمل ما قيل ويقال. * بدايات الإنشاد : المنشدة سيدتنا حميدة مغربية وهي من الجيل القديم جداً في الانشاد الديني تلفت الانظار إلى أن فن الانشاد الديني تراث ديني قديم واصيل له شريحة كبيرة من محبيه برغم انه يواجه سطو الاغاني المبتذلة الا انه متذوقيه مازالوا يفضلونه على غيره.وتشير المنشدة حميدة إلى أن الانشاد الديني مر بمرحل تصحيح بعض الروايات وحذف أبيات من بعض القصائد والتي أجاز العلماء بعدم مشروعيتها والتي منها روايات كاذبة عن حضور ولادة النبي (ص)، ومريم العذراء واسيا أمراة فرعون إلى جانب أبيات كانت تقال في المشقة التي يعاني منها الحج أثناء أداء المناسك وأبيات كانت تقال في زفه المرأة " النفساء"، والتي افتى العلماء بعدم جواز ذكرها. وعن البدايات الأولى لدخول النساء معترك فن "الإنشاد" تقول المنشدة فاطمة الزرقة التي تمارس "الإنشاد" منذ ثلاثين عاماً وكانت بدايتها في فن الانشاد الديني مع والدتها "تقية الزرقة"، حيث تعلمت منها في المناسبات الاجتماعية من عرس ومولد عن طريق الحفظ من الكتاب ثم التدرب في المناسب: "كان هناك أسر عريقة في هذا الفن امثال "بيت لوزة"، وامرأة اخرى طاعنة في السن يقال لها "سيدتنا الخلقة"، وبيت قاسم مثنى، وحظية غثيم، وفاطمة فقيهه، وأمة الله الخميسي، وفاطمة زبارة وأمة العزيز الطائفي وبيت الصنعاني، وحميدة مغربية والكدسة، والمطرية وعائشة جوشعية، وهن نساء أبدعن في هذا الفن ونقلنه إلى الأجيال المتعاقبة". * لوحة فنية متعددة : وتعرف المنشدة لطفية الزرقة الإنشاد الديني بأنه "عبارة عن قصائد في حب الذات الإلهية وقصائد تحوي مواضيع عن الرسول (ص) حمله ومولده ورضاعته بأسلواب إنشادي قصص رائع تطرب له النفس البشرية وتسير مع إيقاعاته فتأخذنا للتحليق معها في عالم رحب".ومايميز الانشاد النسائي عن الانشاد الرجالي بأنه يحوي قصائد خاصة بزفة العروس، وزفة المرأة النفساء، وزفة العائد من الحج, وأخيراً لون خاص بالمأتم يتضمن فصائد عن الصبر، والتذكير بالآخرة.وعن الميزة التي ينفرد بها الموشح اليمني تقول المنشدة بشرى زبيدة وهي من جيل الشابات في فن الإنشاد أخذت الإنشاد وتعلمته على يد والدها المنشد المعروف والرئيس السابق لجمعية المنشدين اليمنيين "قاسم زبيدة": "أن الموشح اليمني ينفرد بميزة هامة وهي خلوه من آلات موسيقية كالدف وغيرها، واعتماده على الحناجر الصوتية في إبراز جمال القصائد المغناة، أما المناطق الاخرى مثل حضرموتوزبيد وتهامة فتستخدم الآلات الوترية والدفوف والطبول".وعن نوع المناسبات والقصائد التي تلقى فيها اوضحت بشرى: "أن فن الانشاد في اليمن فن غني بقصائده والمناسبات الملقاة فيه فهناك المولد النبوي والذي يأتي في مقدمة تلك المناسبات، إلى جانب مناسبات أخرى (مثل الزواج، وزفة العروس، وزفة النفساء "الوالدة" التي تنقسم الى ثلاثة أقسام أولها عند الدخول الى مكان "الولاد" (الديوان)، والثانية عند تقديم الاهل الزيارة وهي هدية الولدين، واخيرا زفة الوفاء الاربعين (خاتمة مراسم الولاد) ومن أمثال القصائد المقاة في مثل هذا النوع من المناسبات: قد جاء لاطه هلال من شجرة غالية عروقها في البحار وأغصانها دانية تشتهل أم الهلال سبع خصال وافيه الاولة منهن العفو والعافية والثانية منهن ستر الله الباقية والثالثة منهن منظر بناموسية وثانيا اللون الثاني من الانشاد ويقال في الاعراس وتقسم الى زفة العروس والشكمة (دعوة على الغداء من اسرة العروس وتكون خاتمة العرس) وعادة ما تقال أبيات الموشح في العروس أوالشخص الذي أقام المؤدبة وفي الاغلب يكون الولداين أو الاعمام والعمات ومن السائد في مثل هذه المناسبة أومن ترتدي العروس فستاناً باهض الثمن وتضع عصبة على الرأس أو تاج صنعاني، ومما يقال في هذه المناسبة: ياعروس الله يسرش ويسر أهلش معش ياعروس الله يسرش ويسلي خاطرش سيروها بين اثنتين حمام شفاف سيروها بين اثنتين والغواني بحجرتين سيروا لي بنت أبوها العروس الغالية سيروا خاتم الماس بنت غالي كل رأس وثالث نوع يقال عند عودة الحاج من بيت الله الحرام، وآخر نوع يقال في المأتم وعادة ما تكون موضوعات هذا النوع في الصبر والرضاء بقضاء الله وقدرة إلى جانب ذكر الميت والدعاء له والتذكير بالآخرة. * اختلاف وتنوع : وعن الاختلاف والتنوع في مشارب الإنشاد اليمني من محافظة إلى أخرى تقول لطفية الزرقة :"أن فن الانشاد الديني ثري ومتنوع فهناك أنواع كثيرة تختلف من محافظة الى اخرى فهناك لون في صنعاء وآخر في تعز ولون في حراز وآخر في زبيد الى جانب ألوان أخرى في باقي المحافظات".مشيرة إلى ان القاسم المشترك فيها هو أن القصائد هي القصائد ولكن اللحن والاداء هو المختلف بين محافظة وأخرى باختلاف إخراج اللحن .اما المنشدة بشري زبيدة فتضيف أن الانشاد أو المشارب والموشح يجوز تقسيمها إلى قسمين قسم يتسم بالايقاع الرزين مع الاستناد الى الآلات الموسيقية مثل الطبول و"الطار" والدف، والقسم الثاني يتميز بالسرعة والخفة على السامع دون الاستناد إلى الايقاعات والطبول والالات الوترية.وعن القصائد تتحدث المنشدة بشرى أنها تتميز بثلاثة أقسام والثلاثة الاقسام تمتاز بها محافظة صنعاء وقسمين منها منتشر في عموم محافظات اليمن حيث يوجد في صنعاء الشعر الفصيح والشعر الحميني وهو الاقرب الى العربي وأخيراً الشعر الشعبي.وتتفق المنشدة بشرى مع المنشدة لطفية في أن الاختلاف في المحافظات هو في القصائد التي تكون باللهجة المحلية للمحافظة والالحان التي تميز محافظة عن الاخرى، فمثلا قصيدة نهج البردة يختلف أداؤها من محافظة إلى اخرى فيختلف الأداء فيها عن تعز، وتؤدى في حضرموت بشكل مختلف عن أداها في تعز. * دخيلات وبدع : وبما أن لكل فن دخلاء ومقلدون، يشوهون الفن الأصيل، فلم يسلم الإنشاد اليمني وخاصة النسائي منه من هذه الظاهرة، حيث تقول المنشدة فاطمة الزرقة أن هناك دخيلات شوهن فن "الإنشاد اليمني النسائي"، الذي لا يعتبر صوتاً جميلاً وحسب بل الأداء والحفاظ على مخارج الحروف، وعلم الأصوات، من أهم ما تتمتع به "المنشدة"، ومعظم المنشدات يقلدن مشائخ او نساء لهن باع في هذا المجال الفني.فيما تشير المنشدة بشرى إلى بعض السلوكيات او ما تسميها "البدع" دخلت على جلسات فن الإنشاد والتي منها القيام لغير الله، وقيام البعض من النساء بفتح الثلاجات وقوارير المياه بدعوى ان الرسول (ص) سوف يمر فتدخل البركة .. داعية إلى تنزيه مجالس الإنشاد من هذه السلوكيات. * تاريخ الموشح وأصوله : وعن تاريخ وأصل الموشح أو الإنشاد اليمني يقول رئيس جمعية المنشدين اليمنيين الأستاذ على محسن الاكوع:" يعود تاريخ الموشح اليمني او "الإنشاد" إلى عهد الدولة الرسولية أي ما قبل سبعمائة عام، لكن أصله ومن أول من نظمه لم يعرف بالتحديد غير أن البعض يقول أنه نشأ في المشرق وكثيرون رجحوا أنه أندلسي النشأة والانتشار حيث شاع في القرن التاسع للميلاد وأزدهر طول خمسة قرون حتى شاع في المشرق شيوعه في المغرب".ويضيف الأكوع: "إن الموشح اليمني يتميز بأنه غير معرب وهو من اختراع أدباء اليمن ولأهل اليمن نظم يسمونه الموشح، غير موشح أهل المغرب والفرق بينهما أن موشح أهل المغرب يراعى فيه الإعراب بخلاف موشح أهل اليمن فإنه لا يراعى فيه شيء من الإعراب بل اللحن فيه أعذب وحكمه في ذلك حكم الزجل" وهو نوع من أنواع التراث اليمني.مدير المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء ومؤلف كتاب (طب النفوس في الغناء الصنعاني)، دكتور جون لامبير تحدث عن الموشح اليمني قائلاً: "ترتبط الموسيقى والغناء الشائعان في اليمن ارتباطاً وثيقاً بالأنشطة المتنوعة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ففي الريف يرافق الغناء العمل الزراعي والبناء والاحتفاء بشرف القبيلة، اما في المدينة فإلى جانب الأناشيد الدينية التي تنشد في ظروف عديدة يحظر الغناء الصنعاني في مناسبتين رئيسيتين حفلات الزفاف واللقاءات اليومية".وأوضح مدير المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية أن "الإنشاد الديني او ما يسمى ب"الأناشيد السحرية" لها أنماط منها ما يسبح للخالق وتشكل الصلاة قلب العبادة كما في العالم الإسلامي كله، ويضيف نوع من النشيد الديني متصل بالأذان وهو التسابيح التي تنطلق من المنارات ولها خصوصية انطلاقها في وقت متأخر من الليل وبخاصة خلال شهر رمضان، وتترافق خطوات دورة الحياة بأناشيد وأدعية خاصة ويعد المولد النبوي الشريف مناسبة في اليمن وفي العالم الاسلامي حيث يجتمع فيها لأداء الابتهالات والأناشيد الدينية التي تحتفل بذكرى مولده (ص)". ويضيف دكتور جون لا مبير :"كما أن هناك نوع من الإنشاد يؤدى عند حدوث اضطرابات طبيعية وتعد نموذجاً من تداخل ماهو ديني بالمورثات السحرية القديمة التي أستوعبها الإسلام في تراثه مثل خسوف القمر والتي تشهد طقوساً ذات طابع ديني شديد وتحاط الاناشيد الدينية من حيث وظيفتها بأحاسيس متعارف عليها وبمحرمات ظرفية فلا يجب أداوها خارج الظروف المناسبة". سبا نت