يُعد اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين نقطة مضيئة في تاريخ الوحدة اليمنية لا يمكن تجاوزها بل ويعتبر- إن جاز التعبير- اللبنة الذهبية في البنية الثقافية لصرح الوحدة اليمنية.. كما يعتبر من أهم المحطات النضالية و أكثرها توهجا و إشراقا .. ألهب حماسها كوكبة من أدباء اليمن ومفكريها وسياسييها المحنكين الذين وضعوا إعادة تحقيق الوحدة نصب أعينهم وسعوا جاهدين لجعلها واقعا متحديين كل رواسب و أحقاد التشطير والفرقة .. محققين بذلك مثالا ناصعا في شجاعة الموقف .. فأبوا أن يؤسسوا اتحادهم معوقا مصابا بعلل الشطرية التي ابتلي بها الوطن ..إذ كيف للأدباء والمفكرين وهم رواد التنوير و صناع الأمل أن يسهموا في صناعة مثبطات الأمل ومقومات العجز فكان لزاما عليهم أن يتخذوا موقفا جسورا يفتح نافذة للضوء في جدران الظلام فكان تأسيس اتحاد الأدباء الكتاب اليمنيين اتحاد موحدا لكل أدباء و كتاب اليمن في عام 1970 ليبقى موحدا شامخا بوجه رياح التشطير التي لم تكسره ولم تنل من موقفه وأحلامه فكان أول قيادة ومؤسسة وحدوية . كان من حسن حظ الوطن و الأدب اليمني أن نشأ اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين موحدا من أول يوم له ، غير قابل للانشطار و التشظي .. يقول شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح رئيس مركز الدراسات والبحوث بصنعاء : "كانت تلك البداية رائعة على المستويين الإبداعي و الوحدوي حيث ظهرت منذ أوائل السبعينات - الفترة التي تأسس فيها الاتحاد-مجموعة من الكتابات المتميزة ، دواوين شعر ، مجاميع قصصية ، دراسات نقدية ، في الوقت الذي كانت البلاد تخوض فيه مناقشات التوحد ، و مؤتمراته المتلاحقة ، من اجل تحقيق إعادة وحدة الوطن المشطور ". كان لاتحاد الأدباء دورا واضحا ومشاركة جادة في هذا المجال ..يضيف المقالح : كما كانت لقاءات الأدباء الدورية في كل من صنعاءوعدن مناسبة للتأكيد على الوحدة و انه لا خلاص للوطن من الفقر و الانحرافات السياسية إلا بإعادة وحدة الشطرين و إعادة قيام اليمن الواحد ". الحاوي .. الدينامو الدور الوحدوي للاتحاد كان قائما على قادة يحملون من الفكر و الثقافة و الهدف ما يمكنهم من النضال و المقاومة في هذا الاتجاه.. و يؤكد الدكتور عبد العزيز المقالح على الدور لوحدوي الفاعل للمناضل الراحل عمر الجاوي و يقول " كان الجاوي ( دينامو) الاتحاد و كان حسه الوحدوي يتعالى على كل المصاعب و المشكلات ، فنجح بذكائه وبإيمانه في أن يجعل من قضية الوحدة موضوعا يومياً لدى السياسيين الحاكمين في الشطرين مثلما لدى الشعب .. وتابع : " واجه الاتحاد صعوبات قاسية ومحاولات واضحة لتمزيقه ، لكن عمر الجاوي و رفاقه الوحدويين استطاعوا بالإصرار والصبر أن يتحدوا كل ذلك إلى أن تحققت الوحدة بفضل الله و انتصر الشعب على التشطير و الشطريين.." كانت الوحدة اليمنية حلم كل الأطياف السياسية و الاجتماعية في اليمن منذ قيام ثورتي 14 أكتوبر و26 سبتمبر وتحقيق الاستقلال ، هذا الحلم - كما يقول الدكتور عبد الله البار رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين- "لم يتأت له أن يصبح واقعا ملموسا في المجتمع اليمني نظرا لعوامل كثيرة .. و أوضح البار : في السبعينيات عندما تحررت صنعاء من الحصار بمشاركة كثير من الأدباء الذين كانوا يمثلون الفضاء اليمني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، كان الأدباء يستشعرون أهمية قيام كيان وحدوي يمثل نواة لوحدة يمنية شاملة ، من هنا جاءت فكرة إنشاء اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، حيث كانت الغاية سامية و الهدف نبيل ولهذا كان إصرار المؤسسين الأوائل في أن يولد هذا الاتحاد واحدا موحدا .. و استطرد البار :" لتلك الأسباب ظل الاتحاد منذ إعلان تأسيسه و إشهاره في السبعينات وهو متمسك بخيار الوحدة اليمنية و كان بمثابة المنبه و المحفز للأطياف السياسية من اجل إعادة تحقيق الوحدة و ظل هكذا حتى إعادة قيام الوحدة عام1990 فباركها الاتحاد و رأى فيها امتدادا وحدويا لما بدء به ".. و حول المعاناة التي صاحبت مسيرة الاتحاد إلى حين إعادة تحقيق الوحدة يقول البار " عانى الكثير من مؤسسي الاتحاد منذ انطلاق فكرة إنشاء اتحاد موحدا من كثير من المنغصات من قبل كثير من العناصر التي لم يكن لها غاية ولا هدف من قيام الوحدة ، و كان المؤسسون يرون في اتحادهم حافزا قويا لإعادة قيام الوحدة باعتباره مبشرا قبل أن يكون نذيرا . واستطرد " عندما نقرأ في النتاج الإبداعي لأدباء الاتحاد ..نلاحظ أن الوحدة كانت هدفا لكثير من كتاباتهم و بشروا بها قبل وجودها و دافعوا عنها عندما وجدت و باركوها و دعوا لحمايتها بعد قيامها ..وقال " الأدباء قد لا يستطيعون بناء بيت لكنهم يوجهون الناس إلى الوحدة باعتبارها بيت الجميع فكانت مهمة الأدباء هي توجيه و تعريف المجتمع نحو يمن واحد موحد ..فالأدباء دائما قادة و رواد معنويون يحركون وجدان الأمة ، يشعلون فيها نار الصمود و ينيرون الطريق أمام الفعل الثوري أو الفعل السياسي و الوحدوي .. وفي كل زمان ومكان فإن كل فعل عظيم لابد أن يكون وراءه أدباء و هم من يحملونه ..وأكد (البار) على الدور النضالي للجاوي و قال " لن يختلف اثنان حول الدور الوحدوي الذي نهض به المناضل عمر الجاوي على المستوى السياسي و الاجتماعي و الأدبي لأنه من ابرز الداعين لقيام اتحاد أدباء موحد و إلى قيام كيان سياسي يمني موحد اسمه الجمهورية اليمنية" . حقيقة موضوعية من جانبه أكد قادري احمد حيدر - مدير تحرير مجلة "دراسات يمنية " الصادرة عن مركز الدراسات والبحوث اليمني على أن الوحدة اليمنية كحقيقة موضوعية وسياسية واجتماعية وطنية تاريخية هي كائن حي و ليست فكرة مقدسة أو دينا أو طوطما سحريا علينا الدوران حوله بالبخور و النذور..وأضاف: الوحدة كمسألة حياتية و قضية سياسية اجتماعية وطنية في كل وقائعها الجارية وفي افقها المستقبلي ظلت أمام مبضع المشرح النقدي بهدف تصويبها وتقويم اعوجاجها حين تستلزم الحاجة الوطنية التاريخية ذلك .. وأشار إلى أن الحدث الوحدوي الكبير كان اكبر من الجميع ومن كل الذين تصدوا له ولم تستطع كل القامات التي وقفت بموازاته أن تكون في مستوى القيمة الوطنية التاريخية العظيمة الذي مثله أو كأنه حدث و ما يزال كأي حدث كبير أو بناء استراتيجي يدخل في صلب حياة الناس و المجتمع والتاريخ و يطال أثره و نتائجه كل الوطن هو دون شك بحاجة إلى إرادة جبارة ترتفع فوق مستوى الصغائر و التوافه ..و أضاف " حدث بحجم الوحدة اليمنية حقا كان بحاجة إلى مثل تلك الإرادات العظيمة التي لا تتعاطى مع الشأن العظيم على سبيل الاستثمار السياسي و الحزبي الضيق بل بأفق وطني تاريخي و إنساني شامل ... وقال : كان هناك ما يشبه الإجماع على أهمية الوحدة وحتميتها وتجلى ذلك في الكتابة السياسية و الثقافة السياسية التي كانت تدور و تتمحور حول أهميتها و حقيقتها التاريخية ، ضرورتها السياسية الوطنية الملحة .. لافتا إلى ما احتوته مجلة اتحاد الأدباء ( الحكمة اليمانية ) من كتابات لأسماء إبداعية كبيرة على رأسهم المثقف الوحدوي النبيل الفقيد عمر الجاوي معارك صعبة أما الشاعر إسماعيل الوريث الأمين العام السابق للاتحاد فتناول بعض من تلك الصعوبات التي واجهها الاتحاد منذ تأسيسه .. وقال : إن الاتحاد خاض بأعضائه ومؤسسيه معارك صعبة من اجل تأسيسه حتى استطاع مهندس الاتحاد المناضل عمر الجاوي أول أمين عام للاتحاد أن يلم شتات الأدباء في الشمال و الجنوب لتأسيس الاتحاد و إصدار مجلة الحكمة اليمانية التي ولدت من رحم الحكمة اليمانية لمؤسسها احمد عبد الوهاب الوريث و الشهيد احمد احمد المطاع في الثلاثينات من القرن الماضي . وأضاف : "حظيت أنا بأن كنت ضمن أعضاء هذا المؤتمر الأول للاتحاد الذي سبقه اجتماع تأسيسي أسفر عنه ..حيث كانت المصاعب جمة وكان الأدباء في الشطرين بعيدين كل البعد عن بعضهم إلا أنهم استطاعوا بعزيمتهم أن يخترقوا "برميل الشريجة" فكان الاتحاد أول من وحد الوطن .. و يرى إسماعيل الوريث الاتحاد على أنه اللبنة الذهبية لتأسيس الوحدة اليمنية .. وقال : " من ضمن تلك المصاعب تعرضنا المباشر للرصد و المراقبة كوننا نتبع نظامين مختلفين إلى أن استطعنا إقامة هذا الاتحاد الذي تفرعت منه النقابات الوحدوية الشعبية . الدولة الثالثة فيما يقول الشاعر الكبير و الكاتب سلطان الصريمي وهو من قيادات الاتحاد السابقة في حديثه عن دور الاتحاد في مسيرة إعادة تحقيق الوحدة : " قام الاتحاد في ظل وجود أدباء كتاب مثقفين يعملون على توحيد شطري اليمن بالضرورة ، باعتبار التشطير بالنسبة لهم استثناء كانت الوحدة هي القاعدة "....و أضاف "كان ذلك الأمر الطبيعي بالنسبة لهم بعد قيام الثورة في الشطرين و جلاء الاستعمار فما كان منهم إلى أن حملوا على عاتقهم مهمة النضال من اجل قيام اتحاد للأدباء و الكتاب اليمنيين الذي كان مقدمة للوصول إلى وحدة شاملة .و أشار الصريمي إلى أن الاتحاد كان النواة الحقيقية لقيام ثقافة وأدب يمني حقيقي قائم على أسس وأعتاب وحدة ثقافية أثمرت عن انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد في 1970م و الذي ضم أدباء يمنيين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومهد لاحقا لعقد المؤتمر العام الأول عام 1974م .. و قال الصريمي إن الاتحاد يعتبر فخرا ليس لليمنيين فقط وإنما للثقافة لعربية لأنه كان يمثل ظاهرة وحدوية سبقت الوحدة اليمنية بعقدين من الزمان .. حيث لازال محافظا على دوره الثقافي والأدبي باعتباره مؤسسا على قاعدة متينة .. و أكد على أن الاتحاد لازال يقوم بدوره الفعال المستمد من تاريخه المتين و من تاريخه النضالي لدرجة انه أطلق عليه مجازا في فترة من الفترات ب" الدولة الثالثة" . المنفذ الحقيقي بالرغم من المصاعب التي واجهها الاتحاد مذ نشأته إلا انه استطاع أن يفرض وجوده على إدارتي و نظامي الشطرين .. و كان يعقد دورته في عدن مرة وفي صنعاء مرة.. وكان الشعور الملازم بأن الوحدة هي البوابة و المنفذ الحقيقي لتخليص الشعب من نير الظلم والاضطهاد في ظل التشطير .. أول قيادة وحدوية أديب قاسم " شاعر وكاتب من جيل الخمسينات" يقول عن تجربة الاتحاد الوحدوية المبكرة " الاتحاد كان أول مؤسسة وقيادة وحدوية و لم يوجد أي نشاط في اليمن بما يوازي الفعل الدور الوحدوي للاتحاد على المستوى الأدبي و الفكري و النضالي ..مؤكدا على أن الوحدة قامت على أكتاف الاتحاد و أكتاف الرعيل الأول من تلك القامات النضالية .. وذكر قاسم أن الاتحاد ممثل بقادته وأعضائه اختط إلى الوحدة ، الطريق الوعرة الوحيدة ، برؤية واقعية عميقة من الوعي الكامل بمشكلاتها المعقدة ، وتناقضاتها الداخلية ، والقوى المعادية لها في الخارج .. وكان الاتحاد قد تأسس في أكتوبر 1970 عندما اجتمع 70 أديبا وكاتبا برئاسة المؤرخ القاضي محمد بن علي الاكوع كرد على قيام حكومتين في بلد واحدة .. سار التحضير للمؤتمر على قدم وساق إلى أن تم عقد اجتماع تنفيذي لانتخاب هيئة واحدة للتحضير لمؤتمر الاتحاد الأول في عام 1971م .بحضور عبد الله البردوني والقاضي الاكوع وعبد الله فاضل واحمد قاسم دماج ..بالفعل نشأ أول مجلس تنفيذي ظل حتى الآن وبنفس هيكله التنظيمي مؤتمر عام- مجلس تنفيذي - أمانة عامة- وتوالت مؤتمراته العامة سبانت