صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمرة ل النصف الآخر(3): قيام الثورة كان مفاجئاً للجميع وفرح الناس بها
نشر في سبأنت يوم 05 - 09 - 2010

صنعاء – سبأنت: حاور الشخصيات وأعد المواد للنشر:صادق ناشر
في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.
وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.
"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.
تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.
"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.
* كان مدفن القرية لكافة أبناء القرية، فكيف كان يتم احتساب من له حبوب فيه؟
كل واحد على قدر أرضه، مثلا كان هناك ثلاثة إلى أربعة أشخاص في القرية عندهم أراض كبيرة، وكان المحصول مثلا مائتين إلى ثلاثمائة قدح، يومها كان يسمى قدحا، وتكون حاجته الفعلية مائة وخمسين قدحا مثلا؛ فيذهب بالباقي إلى المدفن، وكانت معهم سلال بدل البراميل، وكانوا يعزلون جزءا من الدرج في المنطقة الباردة يقضضوها، والقضاض شبيه بالأسمنت الآن ويعملوها كمخزن لاحتياج الحبوب للعام نفسه، بقية الطعام بدل أن يبيعه الشخص برخص فإنه كان يقوم بدفنه في المدافن لوقت احتياجه له، وإذا احتاج الناس للحبوب كان يفتح المدفن، وصاحب الإنتاج الكثير يقرض المحتاجين حبوبا إلى أن يأتي حصاد العام التالي فيتم إرجاعه له.
* هل كان هناك بيع للحبوب عوضا عن الإقراض؟
نعم، لأن الحبوب تكون غالية في منتصف السنة وبالذات في شهر أغسطس لأنه كان هناك شهران في السنة يسميان "شهر الجوع" .. لماذا؟، لأن الأرض لم تأت بخيرها بعد؛ لأن الثمار لازالت خضراء علفاً والحبوب لم تظهر بعد، ومحصول السنة السابقة قد انتهى.
كان بعض الناس ينتهي حقهم المخزون من الحبوب في نهاية يوليو، فيضطرون في شهر أغسطس ونصف سبتمبر أن يقترضوا حب الذرة أو يشتروها من السوق، وان كانت غالية في هذا الوقت من السنة.
* هل سبق وأن نزلت إلى المدافن، وكيف يحافظ عليه؟
نعم، سبق وأن جربت النزول إلى المدفن، يكون المدفن ساخناً جداً مثل النار، عند ابتداء فتحه إذا كانت هناك طلبات للحصول على حبوب من المدفن يفتحوه من اليوم السابق للتهوية، حيث يتم إزاحة طبقة معينة التي هي تحت الغطاء مباشرة، وهذا لا يؤكل لأنه يكون حباً اسودا، وهذا يزال ويتحول إلى سماد، بعد ذالك يبدأ الحب الصافي النظيف ويتركوه يبرد إلى اليوم الثاني وفي اليوم الثاني يبدؤوا بإخراجه وكيله.
وكان الناس يتواصلون بينهم البين قبل فترة من فتح المدفن ويتم معرفة كم كل شخص يريد من الحبوب، ويتم تحديد يوم من الأيام، ثم تأتي الحمير لنقل الحبوب، فقد كانت الحمير في تلك الأيام هي وسيلة المواصلات الوحيدة المتوفرة.
يوم الثورة
* هل تتذكر أول أيام الثورة، أين كنت فيها؟
يوم اندلاع الثورة كنت في القرية.
* ما كان صدى تلك الأيام لدى أهل القرية، وما مدى تأثيرها فيهم؟
كان هناك ذهولاً لأنه لم يكن يتوقع أحد ما حصل، صحيح كنا نسمع البيضاني ونسمع الزبيري في إذاعة "صوت العرب"، وأن هناك حركة وشيئاً ربما يقع، لكن لا أحد كان يتوقع انه يمكن أن تقوم ثورة.. الناس كانوا في حالة ذهول بين الخوف والرجاء والطمأنينة.. وأنت تعرف مثل هذه الأشياء المفاجئة على المجتمعات، رغم أنهم عندنا كانوا يسمعون شيئا اسمه ثورة، كثورة مصر وثورة الجزائر، كان الناس يتابعون أخبار الثورة الجزائرية كل يوم وأخبار المناضلة الجزائرية جميلة بو حريد وغيرها، كل هذه الأمور كانت على ألسنة الناس، والفضل في ذلك يعود إلى وجود الراديو في القرية، حيث كان الناس ينجذبون إليها بشكل كبير.
* بالمناسبة، ما الذي شدك إلى الراديو، هل هي الأخبار أم ماذا؟
الراديو كانت النافذة لمعرفة ماذا يدور في العالم، حتى الألغاز كانت تشدنا وكنا في بعض الأوقات نراسل إذاعة صنعاء، وأذكر مرة أن الأستاذ محمد موسى -رحمه الله- والذي كان يقدم برامج الأطفال قرأ لغزاً لابن حاكم شرعة، لا أذكر اسم الحاكم ولكن اذكر انه قال هذه الحكاية وهذا اللغز إهداء لكم، وهو يقول كالتالي:
صديقتي الجميلة قوامها نبيلة
تبكي قبيل البين لكن بغير عين
كثيرة البكاء في الليلة الظلماء
، فما هي؟، وكنت في حيرة ماذا أكتب، ظللت أبحث عن معناها وعندما رآني الوالد القاضي زيد على هذه الحالة ضحك، وقال لي ما عرفت ما هي؟، قال لي وهذه ما هي؟ وأراني الشمعة، بعدها كتبت الحل وأرسلته إلى إذاعة صنعاء، وأعلنوني فائزاً، وكان أطفال القرية فرحين لذلك، وكانت هذه من الأشياء الجميلة التي لازلت أتذكرها رغم مرور خمسين عاماً عليها.
* هل صدق الناس أن الثورة قامت وأن هناك تغييراً سيحدث في حياتهم؟
كما قلت سابقاً إن الناس كانوا مهيأين لذلك عندما ما كانوا يسمعوا ذلك من الإذاعة وأن العالم يتغير، مع ذلك فقد مثل قيام الثورة مفاجأة، وفرح الناس للتغيير، خاصة عندما سمعوا بعض القرارات، التي أصدرتها الثورة، مثل إلغاء التنافيذ، وأن الزكاة أمانة، يتم تحصيلها للدولة، شعر الناس يومها أنه من الممكن أن يستفيدوا من الثورة وقراراتها، وكانوا معها في قلوبهم لأنها لامست حياتهم ومشاكلهم، وسارت الأمور على هذا النحو، ماعدا مجموعات كانوا بطبيعة الحال، يقدسون الإمام في أعماقهم، وقد كانت لهم صدمة كبيرة.
* هل كان نفوذ الإمام موجوداً في تلك الفترة جعلت البعض لا يصدق ما جرى في يوم الثورة؟
كان نفوذ الإمام أحمد غير عادي في قلوب الناس وعقولهم، إلى حد أنهم كانوا يشتروا العطور التي فيها صورة الإمام ومكتوب فيها "رائحة الإمام أحمد" أكثر مما يشتروا عطر "خير لنا" ومن هذه الأمور، وصراحة أقولها، بالنسبة للإمام أحمد "الباهوت" كان مؤثراً جداً، فعندما مات جاء البدر، وكان هناك أناس موالين للحسن، وقد بايعه بعضهم وليا للعهد قبل اغترابه إلى أميريكا؛ فهؤلاء بدوا كأنهم غير مرتاحين للبدر.
وعندما قامت الثورة كانوا أيضاً غير مرتاحين لها، لأن ما حدث كان غير الشيء الذي كانوا يريدونه، كانوا يريدون الأمير سيف الإسلام الحسن هو من يقوم بثورة ضد البدر، وهذا ما كان موجوداً في مجتمعنا، وقد كنت أرصد هذه الأشياء لأنني كنت في عمر قابل أن أفهم ولاسيما أن منهم من كان في مستويات معينة ضمن إطار المدرسين.
* من الذي لم يعجبه قيام الثورة؟
الأسماء ليست مهمة، لكن كان هناك أناس، لا سيما الذين يؤمنون بمذهب الإمامة يعتقدون اعتقادا جازماً أنه لابد من إمام وأنك يوم القيامة لن تستلم كتابك إلا عبر الإمام ومن هذه الخرافات التي غرست في عقول الناس لعقود طويلة.
ذمار جمهورية
* بقيام الثورة وموت الإمام سقط النموذج أو المثال بالنسبة لهم، هل حدث تغير في مجتمع آنس كمجتمع أو جزء من مجتمع ذمار؟
لاشك انه حدث تغيير، لكن كانت هناك إشكالية، وتتمثل في أن الحسن عندما وصل إلى جدة وبدأت الإذاعات تذيع أخباره ونشاطاته، بدأت قناعات بعض الناس تتخلخل، وبدؤوا يشعرون بالخوف؛ لأنهم كانوا يخشون من انتكاسة الثورة ومن التفكير بتداعيات هذه الانتكاسة، ويفكروا بالذي سيحصل بعد ذلك، وكان الاعتقاد أن أنصار الإمام لن يرحموا أحداً إذا ما عادوا إلى الحكم وبعدها بدأت المجاملات، لكنني أقولها بأمانة إن القاضي زيد الجمرة كان ومجموعة معه مؤمنين بالثورة إلى حد أنه سخر الراديو الذي كان معه لصالح الثورة، بالإضافة إلى المسجلة، فقد كان عند القاضي زيد مسجلة ولم يكن أحد من الغرباء يعرف حكاية المُسجلة هذه.
وأتذكر أنه جاء في إحدى المرات أحد المدعين يصرخ ويقول إن صعدة سقطت بيد الملكيين وأن صنعاء محاصرة، وكان هذا الادعاء في الشهر الأول للثورة؛ فسجل له حديثه كاملاً أثناء المقيل، وهو يقول إن هذه الجمهورية ليس لها معنى وأشياء كثيرة، المهم بعد صلاة العشاء تعشوا وكل شيء كان تماماً، فقال القاضي زيد ربما أن هذا البيت مسكون أو فيه جن فاستغرب الحاضرون وقالوا له: "هل هذا صحيح؟"، فقال لهم ربما، وقال لصاحب الادعاء إذا أنت صادق لن يتكلم الجن، وإذا أنت كاذب سوف يرددوا كلامك بصوتك الذي قلته عن الثورة والجمهورية، فقال أنا صادق ونص، فتركه يذهب إلى النوم وفتح له المسجلة وبدأ صوته منخفضاً قليلاً، فقال المدعي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقرأ الفاتحة والمعوذتين، وبدأ الصوت يرتفع ويرتفع، فما كان له إلا أن يصرخ ويقول للقاضي زيد: "قل للجن إنني كذاب إبن كذاب، وأن ما قلته عن الثورة والجمهورية إدعاء ليس صحيحاً، وأنني أحلف بألا اكذب بعد اليوم".. مثل هذه الأشياء كانت تخدم الثورة بطريقة أو بأخرى.
* هل جمهرت ذمار؟
نعم، بشكل عام كانت جمهورية، يعني تلاحظ الحداء وآنس وعنس قاتلت مع الثورة واستشهد الكثير من أبنائها، لكن حصلت انتكاسات للأسف في سنة 68، وليس في بداية الثورة، الناس انتهوا من الصراع، ونحن الأمير عبدالله ابن الحسن جاي عندنا يعمل له مشكلة.
جئت من القاهرة لقضاء إجازة، وإذا بالدنيا عندنا كلها مرتبكة؛ لأن المشايخ ارتبكوا؛ فجزء منهم راح مع عبدالله ابن الحسن لأجل أن يفوز بالمشيخة ضد أخوه أو ضد ابن عمه، وهذه الربكة عملها المشايخ وليس الناس، فدخل الجميع في دوامة من الصراع كنا في غنى عنه.
انطباعات عن القاهرة
* أعود بك إلى فترة الدراسة في القاهرة، ما الذي تركت عندك القاهرة من انطباع من مشاعر من شخص وافد من بلد كان غارق في الأمية إلى بلد مختلف؟
مصر كانت تعتبر بالنسبة لنا جنة الدنيا، وكانت فعلاً مصر جميلة، وأقولها بصراحة، في عام 65 كان كل شيء جميلاً، والذي لفت نظري مثلاً بائع البيض، كان ينادي "ثلاث بقرش"، أي سعر ثلاث بيضات قرش واحد يعني بالجنيه تشتري ثلاثمائة حبة بيض، أما اليوم فالجنيه لايعطيك سوى ثلاث بيضات فقط، وعلى هذا تقيس الأشياء.
كان المصريون يرعون اليمنيين رعاية جيدة في تلك السنين وعشنا مدللين حتى عام 67، لكن حصلت النكسة وكانت هزيمة لنا قبل ان تكون هزيمة لمصر، وأتذكر أننا في يوم الحرب كنا نمتحن الثانوية الأزهرية، وكانت حالتنا متعبة، فقررنا أن نتجه إلى المعسكرات لأن أغلب المدارس اتجهت إلى المعسكرات، واتجهنا إلى المعسكر الذي كان في العباسية، لماذا؟ لان الطائرات الإسرائيلية التي كانت تأتي كانت تطير من فوق سكن الطلبة في مدينة البعوث الإسلامية التي كنا ساكنين فيها، وكان فيها حوالي ثلاثة آلاف طالب وكانت الطائرات الإسرائيلية تأتي مع الفجر وتمر من فوق هذه المدينة وتفتح حاجز الصوت فكانت تكسر الزجاج فنخاف.
يومها تجمعنا حوالي خمسة وثلاثين طالباً من اليمنيين واتفقنا على أن نذهب لنسلم أنفسنا إلى المعسكر الذي بجانبا من أجل ان ندخل مع المقاومة الشعبية، وصلنا إلى هناك فأبدى المصريون اندهاشهم وقالوا لنا ماذا تريدون؟! قلنا لهم هذه جوازاتنا، انتم استشهدتم في اليمن ونحن لا نقدر أن نقدم قطرة دم لكم فافتحوا لنا باب التطوع، جلسنا ساعتين أمام الباب وهم محتارون هل يقبلونا أم لا يقبلونا، لا أعلم بمن اتصلوا وفي النهاية فتحوا لنا الباب ودخلنا، بقينا في المعسكر الأربعة الأيام الأخيرة من الحرب إلى ان توقفت، أي الهدنة ومن ثم خرجنا.
في تلك الأيام لم نستشعر الخوف إطلاقاً، وكان المعسكر الذي نحن فيه معرضاً للقصف، كان هناك فرق بين أن تنام في البيت وأنت مرعوب وبين أن تنام في المعسكر ولا يدخل الرعب في قلبك، لأننا أعددنا أنفسنا لمواجهه كل شيء، يومها تدربنا على السلاح وعلى كيفية مواجهة الإنزال المظلي، كما تدربنا على كيفية عمل الخنادق وكيف نعمل الدفاع المدني وأشياء كثيرة في تلك الأربعة الأيام واستفدنا منها استفادة لم نكن نتوقعها.
* انتهى الأمر إلى أين؟
إلى أن قالوا لنا عودوا إلى منازلكم وعندما نحتاجكم سوف ندعوكم، لكننا لم نستدع بعد ذلك.
* ما الذي ربطك بالمصريين، وما الذي أعجبك فيهم؟
المصريون شعب لطيف، شعب يعيش على النكتة وشعب تستطيع أن تتداخل مع أفراده بسلاسة، وبالإضافة إلى صداقتنا وأخوتنا مع المصريين كانت لنا علاقات متميزة وواسعة مع الطلبة السودانيين ومع الماليزيين، وحتى مع الطلبة اليابانيين، كنا في سكننا نشكل عالماً إسلاميا كاملاً، ومازالت صداقاتي مع البعض مستمرة منذ أيام الدراسة وحتى اليوم، وعندما أذهب إلى ماليزيا أزور أصدقائي، وكذا عندما أذهب إلى اليابان وفي يوغسلافيا، كان معنا زميل ورئيس جمهورية جزر المالديف السابق كان زميلنا واسمه مأمون عبد القيوم، ووزير خارجية جزر القمر الأسبق محمد إسماعيل ابن إسماعيل ، كان أيضاً من الزملاء ، فهذه العلاقة الروحية جمعتنا مع العالم الإسلامي المتكامل.
* أتذكر مواقف حدثت لك في مصر لا تنساها حتى اليوم؟
هناك مواقف كثيرة، أتذكر يوم انقلاب 5 نوفمبر في اليمن عام 1967، كنا في ذلك اليوم في زيارة لمصانع المحلة الكبرى، أخذوا من كل بلد اثنين، وكنت أنا والأستاذ عبدالوهاب عبدالكريم أبو طالب من اليمن وكنا حوالي 95 طالباً من 47 بلداً في تلك الزيارة ، في اليوم الثاني من الزيارة ضيفنا رئيس مجلس إدارة مصانع صباغي البيضاء في المحلة الكبرى، ونحن في الغذاء كانت عينا الرجل مصوبتين نحوي، وبعد أن أكملنا الغذاء دعاني من بين المجموعة وأدخلني إلى مكتبة وإذا هو يقول لي ان الشيوعيين استولوا على الحكم في اليمن أمس، قلت له متسائلاً: "الشيوعيون؟"، قال نعم ، قلت له من هم الشيوعيون، قال القاضي عبدالرحمن الإرياني وجماعته.
قلت له إن القاضي عبدالرحمن الإرياني ليس شيوعياً، قال أنا أعرف، وكان الرجل شقيق الفريق عبد المحسن كامل مرتجي القائد السابق للقوات المصرية، في اليمن ، قلت له هذا شيء عظيم ولكنني لا اعتقد أن القاضي عبد الرحمن شيوعي، وأعتقد أنه سوف يصحح وضع كان مختلاً قال ماذا تقول، قلت له أن المرحلة تحتاج إلى شخص مثله، لا يمكن أن يطفئ شرارة الصراع إلا شخص قادر على امتصاص هذا الاحتقان، هذا رأيي أنا، قال لي هل أنت عارف بكل شيء، قلت له أن لا أتكلم عن كل شيء أن أتكلم عن شخصه، لكن لا أعرف من معه، قال الذي معه كلهم شيوعيون، قلت له لا يمكن أن يكون كل الذين معه شيوعيون ، قال لي أنت سوف تشوف، قلت له خير، وبقيت مشدوداً لأننا في رحلة ومعنا برامج للرحلة ، وكانت مليئة، وهذه كانت واحدة من المواقف التي لازلت أذكرها حتى اليوم.
وهناك حادثة أخرى أتذكرها حتى اليوم، وهذه لن أنساها مدى حياتي، كان ذلك عام 66 ، يومها كان الزعيم جمال عبد الناصر هو الزعيم الأوحد للأمة العربية حيث قام في ذلك اليوم بافتتاح ما يسمى " قناة تحويل مجرى النيل"، فدعينا نحن مجموعة الطلبة إلى القيام برحلة إلى أسوان وأنا دائما ما كنت أساهم في مثل هذه الفعاليات حتى لو هناك دفع فلوس أدفع وخاصة للذهاب في رحلة إلى أسوان.
وذهبنا إلى أسوان لنحضر هذه المناسبة، وصلنا وإذا أمامنا شكري القواتلي، وعبدالرحمن عارف والرئيس اللبناني كان يومها شارل الحلو على ما اعتقد، والرئيس السوفييتي خروتشوف، والرئيس عبدالله السلال، وكان الموكب عظيما لن ينسى.
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.