لننفض عنا غبار الجهل وتبعاته، فكثيراً ما تسوء الأحوال الصحية وتتدهور بسببه. والحال يحكي الكثير من تأثيره لدى اتخاذ العادات والسلوكيات في حياتنا منحاً مزرياً محفوفاً بالمخاطر الصحية، كحال الاستعمال غير الحذر للمياه العذبة وشبه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان والتي كثيراً ما يُنسب إليها التسبب بأمراضٍ خطيرة كمرض البلهارسيا وما يترتب على الإصابة به من آثار وتبعات كارثية لاسيما في طوره المزمن. قبل أن نلج إلى التفاصيل يحدونا التنبيه إلى أن هناك حملة للتخلص من مرض البلهارسيا خلال الفترة من(9-12أبريل2011م) في44 مديرية بمحافظات(عمران، حجة، الحديدة، لحج، إب)، وتهدف إلى معالجة ما يزيد عن2.5بالمائة مواطن ومواطنة من المصابين وغير المصابين بالمرض، من عمر(6أعوام فما فوق). وقد ضمنا لقاء مع الدكتور عبد الله عشيش- مدير البرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا والأمراض المنقولة بواسطة التربة، لنطل من خلاله على مشكلة البلهارسيا ونعرض الحقائق والمعلومات عن هذا المرض وخصائصه وما يشكله من خطورة على الإنسان، ومدى جدوى معالجة المصابين وأهمية حملات المعالجة بمعية تفعيل الإجراءات الوقائية وأوجهها: الخصائص .. والوبائية ماهي الخصوصية التي جعلت من مرض البلهارسيا هدفاً للقيام بمساع ٍ حثيثة للتخلص منه عبر الحملات ؟ - الإجابة على هذا السؤال تُبنى على معطيات كثيرة، منها أن منظمة الصحة العالمية تعتبر مرض البلهارسيا أحد الأمراض الستة الرئيسية في بلدان العالم الثالث، وأحد الأمراض الرئيسية في المناطق الحارة، ويحل في تصنيفها المرتبة الثانية في الانتشار بعد الملاريا في74 بلداً نامياً. فهذا المرض -بطبيعية الحال- طفيلي، لا يصيب إلا الإنسان لدى استخدامه المياه العذبة أو شبه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان، كمياه البرك والسدود والحواجز المائية والغيول والجداول المائية البطيئة الجريان. ومن المؤكد بأنه أحد أخطر الأمراض المتوطنة في اليمن، منذ أخذه بالظهور قبل عقود عديدة، ويؤثر بشدة على صحة المواطنين وخاصة فئتي الأطفال والنشء الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض بسبب السباحة والخوض في المياه التي ينتشر فيها الطور المعدي للبلهارسيا (مشقوقات الذنب)المهاجم للإنسان، وكذا القواقع المائية الحلزونية التي يلجأ إليها المرض في الماء بعد خرجه من البيوض لإكمال دورة حياته المائية ثم يخرج منها ليهاجم الإنسان. حيث أن اليمن تشهد إصابات واسعة قُدرت – وفقاً لإحصاءات سابقة للحملات- بنحو 3ملايين إصابة، وتتوزع هذه الإصابات بدرجةٍ رئيسية على (14محافظة) من محافظات الجمهورية، وتحديداً غالبية مديرياتها، وهذه المحافظات هي (حجة، تعز، إب، ذمار، صنعاء، المحويت، ريمة، أبين، لحج، شبوة، حضرموت، الحديدة، مارب، صعدة). وما يجعل من مرض البلهارسيا ذائع الصيت واسع الانتشار يعزو إلى نوعين وحيدين للمرض في اليمن، هما: البلهارسيا البولية، والبلهارسيا المعوية. وبطبيعة الحال، يشكل النوعان للمرض معاً عبئاً كبيراً على كاهل المواطنين ووزارة الصحة العامة والسكان على مختلف الأصعدة صحياً واقتصادياً واجتماعياً. الأعراض.. والمتغيرات المنحى الخطير لأعراض البلهارسيا تسبقها من دون شك أعراض أولية.. بالتالي كيف تتسلسل هذه الأعراض ؟ وما أوجه التغيرات التي تصاحبها؟ - خطورة الإصابة تكمن في بقاء المرض داخل جسم الإنسان حتى يصبح مزمناً، وعندها يكون وخيماً وشديد الضراوة على نحوٍ يصعب معه العلاج كثيراً، وهذا يستغرق سنوات ؛ بينما تتصف الأعراض الأولية لهذا المرض بأنها تبدأ لدى اختراق مذنبات طوره المعدي جلد الإنسان عبر الأنسجة الرقيقة فيه، مسببةً حكة خفيفة بعد السباحة مباشرة أو الاغتسال أو الوضوء أو الخوض في المياه الموبوءة، دون أن يخطر على بال متلقي العدوى أن سببها (البلهارسيا)، لكن هذه الحكة لا تستمر بل تنتهي ويزول أثرها. بعد ذلك تأتي مرحلة الأعراض الخفيفة، وهي الأعراض التسممية الشبيهة بأعراض داء التيفود، وتتمثل في الحمى الخفيفة وآلام المفاصل والعضلات وما إلى ذلك، وتستمر هذه الحالة تقريباً50 يوماً، بعدها ينتقل المرض إلى مرحلة متقدمة، هذا بالنسبة للبلهارسيا المعوية. والمريض في هذه المرحلة يعاني أعراضاً شبيهة بالزحار(الدوسنتاريا) أحياناً -أي البراز المخلوط بالمخاط والدم- مع مغص في الأمعاء والبطن وسوء هضم، وتستمر هذه الحالة مدة طويلة جداً(سنتين إلى خمس سنوات) إذا لم يُعالج المريض، لكنها إذا لم تكن شديدة قد لا تشكل أهمية له تحمله على الشك بأنها لمرضٍ خطير يستحق منه الذهاب إلى الطبيب من أجل تشخيص مرضه وتلقي العلاج الملائم. في حين تشمل أعراض البلهارسيا البولية حرقة عند التبول وخروج دمٍ مع نهاية البول، وآلام في المثانة والمفاصل والعضلات، وضعف عام في الجسم، وأحياناً فقر دم بسبب فقدان المصاب لكمية كبيرة من الدم بصورة متكررة إذا لم يعالج باكراً. المرحلة المزمنة الوصول إلى مرحلة البلهارسيا المزمنة..هل يعني بالضرورة أن تلحق بالمريض مضاعفات خطيرة؟ وما وصفك لهذا المنحى الخطير للإصابة وأوجه آثارها التدميرية؟ - هذا لا شك فيه، فبعد سنوات على الإصابة بالبلهارسيا تنشأ ما تسمى بالمرحلة المزمنة للمرض. حيث تشتد الأعراض في هذه المرحلة على المريض، وخلالها تظهر التقيحات في الأمعاء الغليظة والمثانة والالتهابات الشديدة، وهذا ينسب إلى البلهارسيا المعوية. كما يبدأ طفيلي البلهارسيا –عموماً- بالانتقال إلى أعضاء أخرى داخل الجسم، مثل الكبد والجهاز المراري وربما يصل به الأمر إلى بلوغ الرئة، حتى أنه -أحياناً- يُحدث انسداداً رئوياً. ويمكن جراء هذه الحالة المزمنة أن تتكون تورمات معينة في القولون والمستقيم تشبه البواسير وبدء أعراض مرضية تبدو وكأنها بواسير، وكذا يتضرر الجهاز البولي على نحوٍ خطير.. هذا كله في المرحلة المزمنة للمرض، وأخطر ما يمكن حدوثه في هذه المرحلة ارتفاع ضغط الدم في الوريد البابي للكبد عند انتقال المرض إلى الكبد والجهاز المراري، حيث يسبب نزفاً في المريء يمكن أن يؤدي في النهاية إلى الوفاة. أما البلهارسيا البولية فتخلف أضراراً مزرية للغاية بالجهاز البولي من شأنها التسبب بسرطان المثانة أو الفشل الكلوي. بالتالي هناك أولوية وضرورة ملحة لمعالجة البلهارسيا من البداية وعدم تهاون المريض بالعلاج مخافة تعرضه لمضاعفات خطيرة وقاتلة ستذيقه الويلات ولو بعد حين ما لم يلتزم بالعلاج ويعاود التشخيص مجدداً بعد انتهاءه منه بمدة، للتحقق من زوال الإصابة أو بقائها. المكافحة المتكاملة أليست القواقع الحلزونية التي تنتشر في المياه العذبة أو شبه العذبة كالبرك وقنوات الري والسدود جزءا لا يتجزأ من مشكلة البلهارسيا؟ ولماذا لا تولون اهتماماً بمكافحتها كاهتمامكم بمكافحة البلهارسيا؟ - من الصعوبة بمكان معالجة مصادر المياه الموبوءة بالقواقع الحلزونية الحاضنة للطور المعدي للبلهارسيا طالما يعد بمثابة قطع الطريق على المرض كي لا يهاجم الإنسان ويخترق جلده فيصاب بالمرض، وهذا نراه مفيداً للغاية ولكن فيه صعوبة كبيرة تجعل من الأمر شبه مستحيل. في الماضي استخدمت وزارة الصحة العامة والسكان طريقة المعالجة الكيميائية بمادة (الكلور) بمعايير محددة لمصادر المياه من أجل القضاء على مرض البلهارسيا في أطواره المائية، إلا أن الطريقة أثبتت ضررها، كونها مُلوثة للبيئة وتأثيرها يبدو خطيراً على المناطق والقرى التي تشكل المياه الراكدة فيها المصدر الوحيد لاستعمالات السكان . بالتالي من الأفضل لليمن تطبيق الاستراتيجية التي تتبع أسلوب المعالجة سواءً للمرضى أو لغيرهم ممن يتوقع إصابتهم بالبلهارسيا ضمن الفئة العمرية من( 6 سنوات فما فوق) عبر حملات شاملة للمديريات الموبوءة بالمرض والأقل وبائية، لاسيما وأن هذه المعالجة أثبتت جدارتها في التخلص من هذا الداء في جمهورية مصر العربية ودول أخرى، ومن خلالها يُعطى المستهدفين بالمعالجة عقار(البرازكونتيل)، وهو علاج آمن لا يضر وليس له أي مخاطر وذلك متى استخدم الاستخدام الصحيح بعد تناول الطعام وليس قبله وبالمعايير العلمية المتبعة. فنحن نعطيه للمستهدفين في الحملات بناءً على قياس الطول بدلاً من الوزن، نظراً لشحة الإمكانات، وإن ظهر تحسس بسبب العقار لأي شخص فإنه يُعطى مضاداً للتحسس دونما مشكلة. حملات متعاقبة ما موقع حملة التخلص من البلهارسيا والداعي لتنفيذها طالما سبقتها حملات مماثلة خلال الأعوام الماضية؟ - شهدت العديد من المحافظات خلال عامي(2008-2009م) عبر مراحل متتالية على مستوى مديريات بعض المحافظات التي يتصف وضع البلهارسيا فيها بالخطر، شهدت تنفيذ حملتين وطنيتين ضد مرض البلهارسيا، بدءا باستهداف فئة الأطفال والنشء في سن المدرسة من عمر(6أعوام-18عاماً) في حملة عام 2008م ضمن مراحل متعددة للتنفيذ، وما تلاه من استهداف شريحة واسعة في المجتمع صغاراً وكباراً من عمر(6أعوام فما فوق) في حملة العام2009م، حيث كانتا استرشاديتين لقياس مدى إمكانية النجاح في إقامة حملات وطنية واسعة لاحقاً، كالحملة السابقة التي نفذت نهاية العام المنصرم 2010م بالمديريات المستهدفة في محافظات(صنعاء، ذمار،الضالع، المحويت، ريمة، حجة)، وفي سياق متصل يأتي تنفيذ حملة التخلص من مرض البلهارسيا خلال الفترة من(9-12أبريل 2011م) تكملة لما سبق، مستهدفة الفئة العمرية ذاتها من(6أعوام فما فوق) في44 مديرية تابعة لخمس محافظات تشمل(الحديدة، حجه، إب، لحج، عمران). والمعالجة بالدواء المضاد للبلهارسيا -في حقيقة الأمر- ُتقدم في الحملات بالمجان. وقد تبين كفاءة هذا الدواء وجدواه في علاج المرض إلى حدٍ كبير وإعطاءه مناعة لجسم الإنسان تستمر لأشهرٍ على نحوٍ لا يجد معه الطور المعدي للبلهارسيا سبيلاً للاستمرار في الحياة ليصيب بالمرض، ولو تمكن من دخول جسم المتلقي للعلاج فإنه ُيقضى عليه من دون أن يصل إلى مبتغاه. محور الصعوبات لماذا التجزئة في استهداف المحافظات في حملة البلهارسيا؟ وما المانع من استهداف جميع المديريات التي يتوطن فيها المرض على خلاف ما هو كائن؟ -أبرز ما في العراقيل التي تعترض عمل برنامج المكافحة تكمن في المعاناة من شحة الإمكانات، وبالتالي لا نستطيع تنفيذ حملة شاملة حالياً تشمل كل المديريات الموبوءة بالبلهارسيا، وأيضاً نتطلب الكثير من فرق العمل ومقدمي الأدوية الذين يتطلبون تدريباً على إعطاء الأدوية، ولابد أن يكون عددهم كبير. لذلك كان البدء بهذه الحملات في مناطق محددة على أساس استرشادي لنقيس مدى نجاح التجربة بسلبياتها أو ايجابياتها. وبالتأكيد استفدنا من هذا الأجراء للحملات، ونحن نضع النتائج بالاعتبار في حملاتنا الحالية، بمعنى أن المديريات التي نفذت فيها المعالجة قبل الحملة الأخيرة التي نفذت في ديسمبر من العام الماضي هي عينة استرشدنا من خلالها. رصيد الوقاية أوجه الوقاية من البلهارسيا وقلبها النابض يأتي لاشك وفق حزمة من الإجراءات، فما هي تحديداً؟ وما أثرها في حماية المجتمع؟ - الإجراء الأهم للوقاية من البلهارسيا هو النظافة، والأمر ليس بجديد ويوافق قاعدة شرعية في ديننا الإسلامي الذي يعتبر النظافة عروة من عُرى الإيمان وشرط من شروط الطهارة وإزالة النجاسات عن البدن. كما أنها مهمة جداً لتلافي الإصابة بالبلهارسيا، ولو أن المواطنين صغاراً وكباراً، لو أنهم التزموا بآداب قضاء الحاجة باتخاذ الأماكن المخصصة لها وهي الحمامات، لما ظهر هذا المرض وانتشر وما توسعت الإصابة به في البلاد وصولاً إلى نحو (3ملايين)حالة إصابة. وهذا الرابط يوثق العلاقة بين المرض وعدم الاستخدام الآمن للمياه العذبة أو شبه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان. وللأسف الشديد نجد أن هناك عادة سيئة عند بعض المواطنين لاسيما في بعض الأرياف وهي قضاء الحاجة من بولٍ أو غائطٍ في المياه أو على مقربة منها. السياسية