لا مراء من أن الوقاية من البلهارسيا تعد جزءا لا يتجزأ من الإستراتيجية الملازمة لمكافحة البلهارسيا بما يمكن من تحقيق هدف التخلص من هذا المرض في اليمن. ودور المواطن جوهري في الوقاية من أجل قطع سلسلة العدوى، حتى لا يترك متنفساً للطفيلي لإصابة الناس، أي أن الضرورة تقضي بقطع الطريق أمام انتشار المرض. بينما الإجراء الأهم في الوقاية يكمن في النظافة، والأمر ليس بجديد ويوافق قاعدة شرعية في ديننا الإسلامي الذي يعتبر النظافة عروة من عرى الإيمان وشرطا من شروط الطهارة وإزالة النجاسات عن البدن. فضلا عن أنها مهمة جداً لتلافي الإصابة بالبلهارسيا، ولو أن المواطنين صغارا وكبارا التزموا بآداب قضاء الحاجة باتخاذ الأماكن المخصصة لها وهي الحمامات، لما ظهر هذا المرض وانتشر وما توسعت الإصابة به في البلاد وصولاً إلى نحو (3ملايين) حالة إصابة. وهذا الرابط يوثق العلاقة بين المرض وعدم تحري الاستخدام الآمن للمياه العذبة أو شبه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان. خطورة البلهارسيا ولاشك أن خطورة الإصابة بطفيلي البلهارسيا تكمن في بقائه داخل جسم الإنسان حتى يصبح مزمناً، وعندها يكون وخيماً شديد الضراوة على نحوٍ يصعب معه العلاج كثيراً، وهذا يستغرق سنوات. وتتصف الأعراض الأولية لهذا المرض بأنها تبدأ لدى اختراق مذنبات طوره المعدي جلد الإنسان عبر الأنسجة الرقيقة فيه، مسببةً حكة خفيفة بعد السباحة مباشرة أو الاغتسال أو الوضوء أو الخوض في المياه الموبوءة، دون أن يخطر على بال متلق أن العدوى سببها (البلهارسيا)، لكن هذه الحكة لا تستمر بل تنتهي ويزول أثرها. بعد ذلك تأتي مرحلة الأعراض الخفيفة، وهي الأعراض التسممية الشبيهة بأعراض داء التيفوئيد، حصرتها المصادر الطبية في الحمى الخفيفة وآلام المفاصل والعضلات وما إلى ذلك ؛ وتستمر هذه الحالة تقريباً ( 50 ) يوماً، بعدها ينتقل المرض إلى مرحلة متقدمة، هذا- حقيقة ً- بالنسبة للبلهارسيا المعوية. ويعاني المريض في هذه المرحلة أعراضاً شبيهة بالزحار(الدوسنتاريا) أحياناً- أي البراز المخلوط بالمخاط والدم- مع مغص في الأمعاء والبطن وسوء هضم ؛ وتستمر هذه الحالة مدة طويلة جداً(سنتين إلى خمس سنوات)إذا لم يعالج المريض، لكنها إذا لم تكن شديدة قد لا تشكل أهمية له ولاتحمله على الشك بأنها مرضٍ خطير يستحق منه الذهاب إلى الطبيب من أجل تشخيصه وتلقي العلاج الملائم. عوارضها في حين تشمل أعراض البلهارسيا البولية حرقة عند التبول وخروج دمٍ مع نهاية البول، وآلاما في المثانة والمفاصل والعضلات، وضعفا عاما في الجسم، وأحياناً فقر دم بسبب فقدان المصاب لكمية كبيرة من الدم بصورة متكررة. بالتالي لا يصيب هذا المرض الطفيلي الإنسان إلا لدى استخدامه المياه العذبة أو شبه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان، كمياه البرك والسدود والحواجز المائية والغيول والجداول البطيئة الجريان التي تنتشر فيها القواقع الحلزونية التي لا يمكن للبلهارسيا البقاء والعيش في المياه لاستكمال دورة حياتها المائية بدونها. وللأسف الشديد نجد أن هناك عادة سيئة عند بعض المواطنين خصوصا في بعض الأرياف وهي قضاء الحاجة من بولٍ أو غائطٍ في المياه أو على مقربة منها. ويجمع الأطباء على أن الوصول إلى مرحلة البلهارسيا المزمنة يعني بالضرورة أن تلحق بالمريض مضاعفات خطيرة، وقد تبقى سنوات متعددة الإصابة بالبلهارسيا، وخلالها تشتد الأعراض على المريض وتظهر التقيحات في الأمعاء الغليظة والمثانة والالتهابات الشديدة، وهذا ينسب إلى البلهارسيا المعوية. كما يبدأ طفيلي البلهارسيا- عموماً- بالانتقال إلى أعضاء أخرى داخل الجسم، مثل الكبد والجهاز المراري وربما يصل به الأمر إلى بلوغ الرئة، حتى أنه - أحياناً- يحدث انسداداً رئوياً . ويمكن من جراء هذه الحالة المزمنة أن تتكون تورمات معينة في القولون والمستقيم تشبه البواسير وبدء أعراض مرضية تبدو وكأنها بواسير، وأخطر ما يمكن حدوثه في هذه المرحلة ارتفاع ضغط الدم في الوريد البابي للكبد عند انتقال المرض إلى الكبد والجهاز المراري، حيث يسبب نزفاً في المريء يمكن أن يؤدي في النهاية إلى الوفاة أنواع البلهارسيا أما البلهارسيا البولية فتخلف أضراراً مزرية للغاية من شأنها التسبب بتضرر المثانة إلى نحوٍ خطير أو الإصابة بسرطان المثانة أو الفشل الكلوي. بالتالي هناك أولوية وضرورة ملحة لمعالجة البلهارسيا من البداية وعدم تهاون المريض بالعلاج مخافة تعرضه لمضاعفات خطيرة وقاتلة ستذيقه الويلات ولو بعد حين ما لم يلتزم بالعلاج ويعاود التشخيص مجدداً بعد انتهائه منه بمدة، للتحقق من زوال الإصابة أو بقائها. وفي سياق متصل يبتغى منه حماية المعرضين للإصابة بما في ذلك علاج المصابين على السواء في المديريات ذات الوبائية العالية وكذا الأقل وبائية، ويأتي تنفيذ حملة التخلص من مرض البلهارسيا خلال الفترة (11 - 14 أبريل 2011م)، حيث تستهدف الفئة العمرية (من 6أعوام فما فوق) في(44) مديرية تابعة لخمس محافظات تشمل(الحديدة، حجة، إب، لحج، عمران). وخلالها تقدم المعالجة بالدواء المضاد للبلهارسيا مجاناً دون مقابل كغيرها من الحملات السابقة. إلى ذلك ليست المعالجة تقتصر على البلهارسيا في الحملة، وإنما تعطى خلالها للمستهدفين بالمديريات المستهدفة جرعة إضافية مضادة للطفيليات المنقولة بواسطة التربة، أي أن المستهدفين بالمعالجة تعطى لهم جرعتان في الوقت نفسه. كما إن المصابين الذين تناولوا الدواء سيشفون- بإذن الله- ولن تنزل بيوض البلهارسيا مع بولهم أو برازهم لتلوث المياه. عادات سيئة تنقل المرض في حين نجد أن هناك عادة سيئة عند بعض المواطنين خصوصا في بعض الأرياف، وهي قضاء الحاجة من بولٍ أو غائطٍ في المياه أو على مقربة منها. والبعض يقترف السلوك ذاته ليتبعه بالاستنجاء والوضوء للصلاة؛ وأيا ٍ كان الدافع.. هذا أو ذاك، فالسلوك سيىء ومزرٍ ويعد أمرا ينكره الدين وتنكره القيم الحميدة والأخلاق، بل يعد أخطر وأكثر الممارسات السلبية المسببة لانتشار مرض البلهارسيا. ومن خلال عددٍ من الإرشادات الوقائية التحذيرية.. أرى أن يأخذ المواطنون حذرهم، خصوصا أن الاعتقاد السائد لدى الكثيرين بأن المياه التي يمكن للبلهارسيا العيش فيها- حتى تتأهب لمهاجمة الإنسان- هي المياه القذرة أو العكرة التي تبدو بلون التراب لشدة تعكرها ليس صحيحاً، لأن القواقع اللازمة لإكمال طفيلي البلهارسيا دورته المائية تعيش دائماً في الأماكن التي فيها ماء عذب أو شبه عذب. ولو أن المواطن تمعن وركز بنظره ليرى ما في المياه على(جوانب الغيول أو السوائل) أو السدود أو الحواجز المائية أو البرك، يستطيع أن يرى قواقع (حلزونات) وطحالب خضراء، ومتى تبين له وجودها- أي الطحالب والقواقع - وجب عليه أن يحاول - قدر الإمكان- ألا يحتك أو يمشي أو يستحم أو يغتسل أو يسبح أو يستنجي أو يتوضأ بها، وألا يسقي مزروعاته أو أشجاره منها بالغمر حافي القدمين، أو يحاول شق قناة منها للري بالغمر فيلامس بقدميه هذه المياه إلا إذا كان منتعلاً حذاءً واقياً للقدمين والساقين لا يسمح بنفاذ المياه إليهما. ويجدر بالمواطن عندما يلجأ إلى استعمال مياه البرك والسدود والغيول وقنوات الري وما شابه- بسبب شحة المياه النظيفة والآمنة- وذلك للاستحمام أو الوضوء وما إلى ذلك من الاستعمالات الأخرى، يجدر به غلي هذه المياه على الأقل لمدة نصف ساعة ، فهذا ما يعتبره الأطباء المختصون حلاً وقائياً ملائماً عند الضرورة إذ من المتوقع جداً أن تكون هذه المياه ملوثة ينتشر فيها الطور المعدي للبلهارسيا المهاجم للإنسان والذي يسبب له الإصابة، لتشكل فيما بعد بمرور الزمن- إذا لم يعالج أو أهمل العلاج- تهديداً خطيراً لصحته وحياته، بما يفضي إلى خسائر فادحة من الناحية العلاجية وفي الأرواح. فالهوة واسعة إذا لم ترتق المعرفة ولم يسم الوعي في المجتمع بالجوانب الصحية الأساسية في حياتنا، وما لم تكن هناك وقاية ممارسة وتخلٍ حقيقي عن العادات والسلوكيات غير الصحية، مع تحسين الممارسات الحياتية ونهج السلوكيات السليمة والآمنة في نسقٍ جماعي تتحد خلاله جهود الناس وتتكافل ضماناً لصحة الجميع، وعلى رأسها التعامل النظيف مع المياه والحفاظ عليها من التلوث بالفضلات الآدمية التي- لاشك- ساهمت وتسهم في تردي أوضاع الصحة عموماً وانتشار الأمراض والأوبئة وعلى رأسها مرض البلهارسيا الذي يعد من أسوأ الأوبئة ضراوة على المجتمع بفئاته خصوصا في القرى والأرياف التي تقل فيها مصادر المياه النظيفة. جدول توضيحي للمحافظات والمديريات المستهدفة في حملة التخلص من البلهارسيا التي سيعطى خلالها العلاج لجميع أفراد المجتمع من عمر(6أعوام فما فوق) ، في الفترة من (9 - 12أبريل2011م)