فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلهارسيا..مرض وخيم يُهدد (3ملايين ) مصاب باليمن
ينصب فخاخه في المياه معرضاً صحة الإنسان للخطر..
نشر في الجمهورية يوم 06 - 11 - 2010

البلهارسيا مرض طفيلي صداه في الأرياف يتردد كثيراً، لكن الناس لا يعرفونه حق المعرفة.. ولا يحسب الكثيرون له حساباً في مناطق كثيرة ، حيث انتشار البرك وخزانات المياه والسدود والحواجز المائية ومصارف وقنوات الري.
إنه داء قديم مُوغل في القدم، تذكر بصدده المصادر الطبية أن (أبوقراط) قبل الميلاد دون واصفاً إياه، وفي نقوش الفراعنة أشير إليه، وكتب عنه- أيضاً- ابن سيناء، لكنه ظل مجهولاً ومحاطاً بالكثير من الغموض ولم يكُتشف الطفيلي حتى نهاية القرن التاسع عشر على يد العالم (تيودور بلهارس)في جثة أحد المرضى.
فيما تعتبره منظمة الصحة العالمية أحد الأمراض الستة الرئيسية في بلدان العالم الثالث، وأحد الأمراض الرئيسية في المناطق الحارة، ويحل في تصنيفها المرتبة الثانية في الانتشار بعد الملاريا في(74) بلداً نامياً.
وللأسف يعد أحد أخطر الأمراض المتوطنة في اليمن، فبحسب التقرير الصادرة عن البرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا، أخذ بالظهور منذ عقود عديدة وأثر تأثيراً كبيراً على صحة المواطنين من(6أعوام فما فوق)وخاصة فئتي الأطفال والنشء الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض بسبب السباحة والخوض في المياه التي ينتشر فيها الطور المعدي للبلهارسيا (مشقوقات الذنب)المهاجم للإنسان ؛ ويذكر التقرير أن هناك (3ملايين)مصاب بالبلهارسيا في اليمن، وتتوزع هذه الإصابات بدرجةٍ رئيسية على (14محافظة) من محافظات الجمهورية، وتحديداً في أكثر من(220مديرية)موزعة على محافظات (حجه- تعز- إب- ذمار- صنعاء- المحويت- ريمة- أبين- لحج- شبوة- حضرموت- الحديدة- مأرب - صعدة).
ويعزو التقرير، المشكلة إلى نوعين وحيدين للبلهارسيا في اليمن، هما :-
البلهارسيا البولية.
البلهارسيا المعوية.
وبطبيعة الحال يشكلان عبئاً كبيراً على كاهل المواطنين ووزارة الصحة العامة والسكان على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
آلية العدوى
في إشارة إلى آلية العدوى التي يستطيع من خلالها الطور المعدي للبلهارسيا اختراق جلد الإنسان في المياه، يقول الدكتور أحمد يحيى الصعفاني- استشاري أمراض الباطنية والجهاز الهضمي: « تخرج بيوض البلهارسيا بنوعيها البولي والمعوي من قبل شخص مصاب أو أكثر عن طريق البول أو البراز وعند طرحها في المياه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان أو على مشارفها بالشكل الذي يمكنها من الانجراف مباشرة إلى هذه المياه، تخرج من هذه البيوض(مهيدبات) تنطلق باحثة ًعن العائل الوسيط (القواقع المائية) لتدخلها وتتكاثر فيها لتخرج منها بعد ذلك على هيئة مذنبات(مشقوقات الذنب)، وبأعداد هائلة جداً تقوم بالانتشار في المياه باحثة عن ضحية جديدة. إذ تستطيع هذه المذنبات التي تشكل الطور المعدي للمرض أن تخترق الجلد عبر الأنسجة الرقيقة، وهي تعيش من يومين إلى ثلاثة أيام وتعتبر الطور المعدي للإنسان».
وأكد الدكتور الصعفاني بأنها إذا ما دخلت إلى الجسم تبدأ بالسريان عبر الدم للأعضاء والأنسجة المختلفة ولا تلبث حتى تستقر في الكبد حتى تصل إلى مرحلة النضج.
وبالتالي تهاجر عبر(الوريد البابي) إلى منطقة الحوض، وغالباً ما تحل في القولون والمستقيم (في نوع البلهارسيا المعوية) أو المثانة البولية (في النوع البولي)، أي بحسب نوع طفيلي البلهارسيا المهاجم..
مشيراً إلى أن ذلك كله يستغرق ما بين(4-6 أسابيع) من بداية الإصابة ؛ ومن الأمعاء أو المثانة يبدأ الطفيلي بوضع بيوضه بأعدادٍ متزايدة والتي تخرج من الجسم عن طريق البول أو البراز، وإذا ما صادفت مياهاً راكدة أو بطيئة الجريان، عذبة أو شبه عذبه ليست مالحة، فعندها تبدأ دورة حياة جديدة بنفس الطريقة التي ذكرتها سابقاً مع ضحايا آخرين، إلى جانب حاملي المرض مسفرةً عن المزيد من الإصابات.
إذن فالإجراء الأهم للحد من سلسلة العدوى تكمن في تجنب التبرز والتبول بالمياه سواءً كانت مياهاً جارية (الغيول أو السوائل) أو راكدة كالبرك والسدود والحواجز المائية طالما أنها مياه عذبة أو ما شابه وليست مالحة.
أعراض .. واعتلالات
خطورة الإصابة تكمن في بقاء المرض داخل جسم الإنسان حتى يصبح مزمناً، وعندها يكون وخيماً شديدة الضراوة على نحوٍ يصعب معه العلاج كثيراً، وهذا يستغرق سنوات طويلة – وفقاً لما ذكرته المصادر الطبية- واصفة ً الأعراض الأولية لهذا المرض بأنها تبدأ لدى اختراق مذنبات طوره المعدي جلد الإنسان عبر الأنسجة الرقيقة فيه، مسببةً حكة خفيفة بعد السباحة مباشرة أو الاغتسال أو الخوض في المياه الموبوءة، دون أن يخطر على بال متلقي العدوى أن سببها (البلهارسيا)، لكن هذه الحكة لا تستمر بل تنتهي ويزول أثرها.
وتضيف المصادر الطبية بأنه يليها أعرض خفيفة وهي الأعراض التسممية الشبيهة بأعراض داء التيفود، وتتمثل في الحمى الخفيفة وآلام المفاصل والعضلات وما إلى ذلك. وتستمر هذه الحالة تقريباً(50)يوماً، بعدها ينتقل المرض إلى مرحلة متقدمة، هذا بالنسبة للبلهارسيا المعوية.
ويذكر الدكتور أحمد علي قائد- استشاري الأمراض الوبائية والحميات (أستاذ الحميات المشارك بكلية الطب – جامعة ذمار) واصفاً الحالة التي يكون عليها المرض : « إن المريض في هذه المرحلة يعاني أعراضاً شبيهة بالزحار(الدوسنتاريا) أحياناً، أي البراز المخلوط بالمخاط والدم ومغص في الأمعاء والبطن وسوء الهضم، وتستمر هذه الحالة مدة طويلة جداً(سنتين إلى خمس سنوات)إذا لم يُعالج المريض، ويحس بها، لكنه لا يشك – في بعض الحالات – بأنه مصاب بأمراض تستحق منه الذهاب إلى الطبيب من أجل تشخيص مرضه وتلقي العلاج الملائم، إنما يبدو الأمر في نظرة عادياً، لا أهمية له » .
وقال مضيفاً:« تشمل أعراض البلهارسيا البولية حرقة عند التبول وخروج دمٍ مع نهاية البول، وآلام في المثانة والمفاصل والعضلات، وضعف عام في الجسم، وأحياناً فقر دم بسبب فقدان المصاب لكمية كبيرة من الدم بصورة متكررة إذا لم يعالج باكراً ».
مرحلة الخطر
بعد سنوات على الإصابة بالبلهارسيا تنشأ ما تسمى بالمرحلة المزمنة للمرض التي وصفها الدكتور أحمد علي بقوله: « تشتد الأعراض في المرحلة المزمنة للبلهارسيا على المريض، وخلالها تظهر التقيحات في الأمعاء الغليظة والمثانة والالتهابات الشديدة، وهذا ينسحب على البلهارسيا المعوية.
كما يبدأ طفيلي البلهارسيا عموماً بالانتقال إلى أعضاء أخرى داخل الجسم، مثل الكبد والجهاز المراري وربما يصل به الأمر إلى بلوغ الرئة، حتى أنه - أحياناً- يحُدث انسداداً رئوياً».
وأفاد بأنه يمكن جراء هذه الحالة المزمنة أن تتكون تورمات معينة في القولون والمستقيم تشبه البواسير وبدء أعراض مرضية تبدو كأنها بواسير، وكذا تضرر الجهاز البولي على نحوٍ خطير.. هذا كله في المرحلة المزمنة للمرض، وأخطر ما يمكن حدوثه في هذه المرحلة ارتفاع ضغط الدم في الوريد البابي للكبد عند انتقال المرض إلى الكبد والجهاز المراري، حيث يسبب نزفاً في المريء يمكن أن يؤدي في النهاية إلى الوفاة.
إلى جانب أن البلهارسيا البولية وما تخلفه من أضرارٍ مريعة بالجهاز البولي من شأنها التسبب بسرطان المثانة أو الفشل الكلوي.
كما شدد الدكتور أحمد علي على أهمية معالجة البلهارسيا من البداية وعدم تهاون المريض بالعلاج مخافة تعرضه لمضاعفات خطيرة وقاتلة- كالتي ذكرتها- فلا محالة ستذيقه الويلات ولو بعد حين ما لم يلتزم بالعلاج ويعاود التشخيص مجدداً بعد انتهائه منه بمدة للتحقق من زوال الإصابة أو بقائها.
مضيفاً: « إن باستطاعة ديدان البلهارسيا العيش في جسم الإنسان سنوات طويلة تصل إلى (26عاماً) وقد يطول بها الأمد أحياناً إلى (40عاماً) إذا قٌدر للمريض العيش «.
لماذا المعالجة ؟
لماذا لا يتم معالجة مصادر المياه الموبوءة بالقواقع الحلزونية الحاضنة للطور المعدي للبلهارسيا طالما يعد بمثابة قطع الطريق على المرض كي لا يهاجم الإنسان ويخترق جلده ليصاب بالمرض؟
تساؤل أجاب عنه الدكتورعبد الله يحيى عشيش- مدير البرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا والديدان المنتشرة بواسطة التربة، بقوله: « في الماضي استخدمت وزارة الصحة العامة والسكان طريقة المعالجة الكيميائية لمصادر المياه من أجل القضاء على مرض البلهارسيا في أطواره المائية، إلا أن الطريقة أثبتت ضررها، كونها مُلوثة للبيئة وتأثيرها يبدو خطيراً في المناطق والقرى التي تشكل المياه الراكدة المصدر الوحيد لاستعمالات السكان » .
وبيّن مدير برنامج مكافحة البلهارسيا: « أن من الأفضل لليمن تطبيق الإستراتيجية التي تتبع أسلوب المعالجة سواءً للمرضى أو لغيرهم ممن يتوقع إصابتهم ضمن الفئة العمرية من( 6 سنوات فما فوق) عبر حملات شاملة للمديريات الموبوءة بالمرض ؛ يُذكر أن هذه المعالجة اثبتت جدارتها في التخلص من هذا الداء في جمهورية مصر العربية ودول أخرى، ومن خلالها يُعطى المستهدفون بالمعالجة عقار(البرازكونتيل)، وهو علاج آمن لا يضر وليس له أي مخاطر على حد قول الدكتورعبد الله عشيش وذلك متى استخدم الاستخدام الصحيح بعد تناول الطعام وليس قبله وبالمعايير العلمية ؛ وواصل حديثه مورداً عدداً من المبررات: « نحن نعطيه للمستهدفين في الحملات بناءً على قياس الطول بدلاً من الوزن نظراً لشحة الإمكانات، وإن ظهر تحسس بسبب العقار لأي شخص فإنه يعطى مضاداً للتحسس وما من مشكلة، ذلك لأن حجم مشكلة مرض البلهارسيا في اليمن من العيار الثقيل لانتشار المرض على نطاقٍ واسع في أكثر من(220مديرية)، ويقُدر المصابون فيها عموماً بنحو(3ملايين) حالة إصابة».
لافتاً إلى أن من أهداف البرنامج أن تتم معالجة(7ملايين)شخص سنوياً من المصابين وغير المصابين الذين يبقون عرضة للإصابة على مدى سنواتٍ متتالية قد تصل إلى(6 سنوات) من أجل القضاء على البلهارسيا واستئصاله نهائياً.
مسوحات سابقة
وفي إشارة إلى المسوحات التي عكست حجم البلهارسيا بين مناطق اليمن ذكر الدكتور/عشيش بأن دراسات سابقة لحملات المعالجة أجريت على بعض المناطق اليمنية في وادي (ورزان) بمحافظة تعز و(غيل حجة) وتحديداً المجرى المائي الواقع تحت مدينة(حجة)مباشرة ً، وتبين من خلالها فداحة المشكلة قبل سنوات خلت، حيث وصلت نسبة الإصابة بين الأطفال في المدارس إلى(100 %)، مما يعني بالفعل أن الوضع فيها كان أكثر خطورة قبل إجراء الحملات.
حملات معالجة
يُذكر أن وزارة الصحة العامة والسكان ممثلةً بقطاع الرعاية والبرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا نفذت حملتين وطنيتين ضد مرض البلهارسيا عبر مراحل متتالية خلال عامي (2008-2009م) وذلك على حد قول الدكتور عبد الله عشيش، لافتاً إلى أن المعالجة والدواء المضاد للبلهارسيا يقدم في الحملات بالمجان، وإلى ميزة هذا الدواء بإعطائه مناعة لجسم المتلقي تستمر لأشهرٍ قليلة وكحدٍ أقصى إلى ستة أشهر على نحوٍ لا يجد معه الطور المعدي للبلهارسيا سبيلاً للاستمرار في الحياة ليصيب بالمرض، ولو تمكن من دخول جسم المتلقي للعلاج فإنه يُقضى عليه من دون أن يصل إلى غايته «.
كما أن المصابين الذين تناولوا الدواء سيشفون ولن تنزل بيوض البلهارسيا مع بولهم أو برازهم لتلوث المياه، وهكذا يزول المرض وتهديداته مع الوقت .
وقال الدكتور عشيش في معرض حديثه عن جهود وزارة الصحة العامة والسكان وبرنامج المكافحة: « إن وزارة الصحة عازمة على المضي في الحملات، ومنها حملة أخرى تواصلاً للحملات السابقة – يجري التحضير لها وسيتم الإعلان عنها في حينه، وبأن كل ما قدمته الحملات السابقة إلى الآن شمل علاج عدد كبير من المستهدفين تقريباً ضمن الفئة العمرية من ستة أعوام فما فوق»، مُشيراً إلى أن الوزارة والبرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا يتطلعان من خلال الحملات إلى تغطية المناطق الموبوءة جداً بالمرض والتي تزيد فيها نسبة انتشاره على(40 %).
الجدير بالذكر أن هذه الإجراءات الحثيثة تؤيدها منظمة الصحة العالمية وأشاد بها الدكتور حسين عبد الرازق الجزائري – المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق البحر المتوسط خلال زيارته لليمن، مُشيداً بتجربتها حيث قال : « تستطيع اليمن التخلص من البلهارسيا بمضيها في تنفيذ حملات معالجة لهذا المرض. فبمعالجة المصابين يمكنها منع الداء من الاستمرار في دورة النمو داخل المياه، لأن القواقع الحلزونية الحاضنة له المنتشرة في المياه تصبح لا قيمة لها طالما لا يصل إليها الطفيلي ليكمل دورة نموه، بل يُقضى عليه بالعقار وهو في جسم الإنسان ؛ وبالتالي لا تكون هناك بيوض لتصل إلى المياه، مما يعني القضاء على المرض ».
عراقيل.. وصعوبات
ويذكر مدير برنامج مكافحة البلهارسيا، معلقاً على الأوضاع والعراقيل التي تعترض عمل برنامج المكافحة : « نعاني من شحة الإمكانات، وبالتالي لا نستطيع تنفيذ حملة شاملة حالياً تشمل كل المديريات الموبوءة بالبلهارسيا، وأيضاً تتطلب الكثير من فرق العمل، وموزعي الأدوية الذين سيتم تدريبهم على إعطاء الأدوية سيكون عددهم كبيراً ، لذلك كان البدء بهذه الحملات في بعض مناطق محددة على أساس استرشادي لنقيس مدى نجاح التجربة بسلبياتها أو ايجابياتها»، وأضاف: « بالتأكيد استفدنا من هذا الأجراء ونحن نضع النتائج بالاعتبار في الحملات القادمة، بمعنى أن المديريات التي نفذت فيها المعالجة هي عينة استرشدنا من خلالها ما الذي يمكن عمله عند تنفيذ حملة وطنية من قبل البرنامج في أن تكون المكافحة شاملة للمحافظات المستهدفة الموبوءة بمديرياتها ».
جوهر الوقاية
أهم إجراء للوقاية من البلهارسيا هي النظافة، هذا ما أشار إليه تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، والأمر ليس بجديد ويوافق قاعدة شرعية في ديننا الإسلامي الذي يعتبر النظافة عروة من عُرى الإيمان وشرطاً من شروط الطهارة وإزالة النجاسات عن البدن كما أنها مهمة جداً لتلافي الإصابة بالبلهارسيا ولو أن المواطنين أطفالاً وكباراً، التزموا بآداب قضاء الحاجة باتخاذ الأماكن المخصصة لها وهي الحمامات، لما ظهر هذا المرض وانتشر وما توسعت الإصابة به في البلاد وصولاً إلى نحو (3ملايين)حالة إصابة.
وهذا الربط الوثيق بين المرض وعدم تحري النظافة من خلال استعمال المياه النظيفة الخالية من التلوث وعدم تلويث مصادر المياه دلل عليه الدكتور أحمد الصعفاني، بقوله :
« للأسف الشديد نجد أن هناك عادة سيئة عند بعض المواطنين لاسيما في بعض الأرياف وهي قضاء الحاجة من بولٍ أو غائطٍ في المياه أو على مقربة منها.
والبعض يقترف السلوك ذاته ليُتبعُه بالاستنجاء والوضوء للصلاة ؛ وأياً ٍ كان الدافع.. هذا أو ذاك، فالسلوك سيء ممقوت ويُعد أمراً ينكره الدين وتنكره القيم الحميدة والأخلاق، بل ويعد أخطر وأكثر الممارسات السلبية المسببة لانتشار مرض البلهارسيا».
واسترشد بحديث الرسول الهداية المصطفى() فيما رواه النسائي عن عائشة(رضي الله عنها) أنها قالت عنه () من قوله: « إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً».
ومن خلال عددٍ من الإرشادات الوقائية التحذيرية توجه الدكتور أحمد علي قائد بالنصح إلى المواطنين بأخذ حذرهم، لاسيما وأن الاعتقاد السائد لدى الكثيرين بأن المياه التي يمكن للبلهارسيا العيش فيها - حتى تتأهب لمهاجمة الإنسان- هي المياه القذرة أو العكرة التي تبدو بلون التراب لشدة تعكرها، وهذا غير صحيح ، لأن القواقع اللازمة لإكمال طفيلي البلهارسيا دورته المائية تعيش دائماً في الأماكن التي فيها ماء نقي أو شبه نقي.
وواصل الدكتورأحمد علي القول : « لو أن المواطن تمعن وركز بنظره ليرى ما في المياه على جوانب (الغيول أو السوائل ) أو السدود أو الحواجز المائية أو البرك، فأنه يستطيع أن يرى قواقع (حلزونات)، ومن تبين له وجودها – أي الطحالب والقواقع – فيجب أن يحاول قدر الإمكان ألا يحتك أو يمشي أو يستحم أو يغتسل أو يسبح أو يستنجي أو يتوضأ، وألا يسقي مزروعاته أو أشجاره بها بالغمر حافي القدمين، وألا يشق قناة منها للري بالغمر فيلامس بقدميه هذه المياه إلا إذا كان منتعلاً حذاءً واقياً للقدمين والساقين لا يسمح بنفاذ المياه إليهما «، مُشيراً إلى أن من المتوقع جداً أن تكون هذه المياه ملوثة ينتشر فيها الطور المعدي للبلهارسيا المهاجم للإنسان والذي يسبب له الإصابة لتشكل فيما بعد بمرور الزمن-إذا لم يُعالج أو أهمل العلاج- تهديداً خطيراً لصحته وحياته.
في الختام.. لا شك أن البين كبير والهوة واسعة إذا لم ترتق المعرفة والوعي في المجتمع بالجوانب الصحية الأساسية التي تلامس حياته، وما لم تكن هناك وقاية ممارسة وتخلٍ حقيقي عن العادات والسلوكيات غير الصحية مع تحسين الممارسات الحياتية ونهج السلوكيات السليمة والآمنة وعلى رأسها التعامل النظيف مع المياه والحفاظ عليها من التلوث بالفضلات الآدمية التي- لاشك- ساهمت وتسهم في تردي أوضاع الصحة عموماً وانتشار الأمراض والأوبئة وعلى رأسها مرض البلهارسيا الذي لا يقل شأناً ولا شناعة ًعن أسوأ الأوبئة المعاصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.