انتشار البلهارسيا في كثير من مناطق البلاد, يتطلب تواصل الحملات الوطنية للتخلص من مرض البلهارسيا بشكل متجدد وأوسع من ذي قبل.. في معرض لقائنا مع الدكتور أحمد علي قائد، استشاري الوبائيات والأمراض المعدية نناقش حيثيات حملة التخلص من مرض البلهارسيا وحجم مشكلة هذا الداء .. فإلى التفاصيل.. خصائص البلهارسيا ما طبيعة وخصائص مرض البلهارسيا وأنواعه الشائعة، ولماذا انتشاره واسع النطاق؟. يشكل انتشار مصادر المياه الراكدة كالبرك والحواجز المائية والمياه البيطئة الجريان في سفوح الجبال والأودية، كثيراً ما عانى الناس في الماضي من الإصابة بمرض البلهارسيا ولايزال الكثيرون يعانون من هذا المرض فالبلهارسيا كما هو معروف مرض طفيلي يلوث المياه ويبقى فيها معدياً بسبب ظاهرة التبرز والتبول في المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان, وهو شائع في مناطق كثيرة باليمن لاسيما في الأرياف.. وما يمثل تحدياً يعزز بقاء وانتشار المرض شيوع الجهل في المجتمع بحقيقته, فلا يعلمون عنه سوى الاسم فقط, ولو علموا خطورته لما تهاونوا أو ترددوا في تشخيص الإصابة وطلب العلاج متى ساورهم شك في أمر الإصابة. يصيب بنوعيه عضوين في جسم الإنسان هما الجهاز البولي والجهاز الهضمي، وتحديداً المثانة عند الإصابة بالنوع البولي, والقولون والمستقيم بالنسبة للنوع المعوي.. وتعتبر مصادر المياه الراكدة والبطيئة الجريان (البرك, الغيول, قنوات الري, الآبار المفتوحة السدود, الحواجز المائية) المكان الطبيعي لعيش وتواجد مذنبات الطور المعدي (مشقوقات الذنب) المهاجمة للإنسان, وكذا القواقع الحلزونية المائية (القرنانة) التي يلجأ إليها طور المرض (المير اسيديم) بعيد خروجه من بيوض البلهارسيا لدى وصولها إلى الماء. عوامل مسببة ما قراءتك لحجم وملامح مشكلة البلهارسيا محلياً وعالمياً، وما تفسيرك للعوامل والأسباب التي جعلت من المرض الأبرز بين الأمراض الطفيلية التي تعيش في بيئة شبيهة ببيئته؟. على المستوى العالمي يقدّر عدد المصابين بالبلهارسيا والديدان المنقولة بواسطة التربة في العالم بحوالي ملياري شخص, أي نحو ثلث سكان العالم تقريباً, ويشكل فيهم الأطفال والنشء في سن المدرسة نسبة تزيد على 50 % .. بينما تشكل الإصابة بينهم بالبلهارسيا وحدها وفقاً لتقرير منسوب لمنظمة الصحة العالمية نسبة 80 %, ومحلياً يستوطن مرض البلهارسيا معظم مناطق اليمن باستثناء المناطق الواقعة على ساحل البحر الأحمر غرباً, وعلى بحر العرب جنوباً, والمناطق الشمالية الشرقية (صحراء الربع الخالي) ووفقاً لتقديرات سابقة يقدّر عدد المصابين بالبلهارسيا محلياً بنحو (ثلاثة ملايين) شخص.. من جهة ثانية لوحظ في السنوات السابقة زيادة نسبة انتشار البلهارسيا, ومن العوامل التي ساعدت على توطنها في اليمن: - إقدام البعض على اقتراف سلوكيات سيئة, أنكرها الدين, وشدد على عدم اقترافها كالتبول والتبرز في مصادر المياه العذبة أو شبه العذبة الراكدة والجارية أو بالقرب منها. - الحاجة الضرورية والملحة لمياه البرك والسدود والحواجز المائية والغيول في الزراعة. - شحة مصادر المياه النقية الصالحة للشرب في كثير من المناطق الريفية. - شيوع عادات ليست صحية في أرياف كثيرة كالاستحمام والوضوء والسباحة وغسل الملابس في برك الأمطار المكشوفة والحواجز المائية والغيول الجارية. - عدم اهتمام المواطن بالفحص الدوري. - إهمال النظافة الشخصية وعدم تقليم الأظافر الطويلة وغسل اليدين بالماء والصابون. - عدم اتخاذ البعض المراحيض للتبول والتبرز. في حين تختلف البيئة المفضلة لانتشار الديدان المنقولة بواسطة التربة عن البلهارسيا, إذ تنتشر تلك الديدان على نطاق أوسع في المناطق ذات التربة الرطبة, أما البلهارسيا فتحتاج إلى مياه عذبة وتربة رطبة. والقاسم المشترك بينها وبين طفيلي البلهارسيا وثيق إلى حد كبير, فحيثما تنتشر تلك الديدان الطفيلية تنتشر أيضاً البلهارسيا, فضلاً عن انتشار تلك الطفيليات في مناطق أخرى لا وجود فيها للبلهارسيا.. وكمعظم أنواع الطفيليات المعوية الأخرى المنتشرة في معظم مناطق اليمنية, يكثر انتشار مرض البلهارسيا بنوعيه المعوي والبولي في المناطق الريفية الزراعية, حيث الغيول والبرك والسدود والمصارف المائية وما يواكبه من انعدام نظام الصرف الصحي وتدني الوعي لدى المواطنين. الأعراض وتطورها المنطلق والبداية لأعراض الإصابة بالبلهارسيا.. من أين تبدأ، وكيف تتطور، وما مدى خطورتها على الصحة؟. للبهارسيا أعراض أولية تحدث لدى اختراق مذنبات الطور المعدي المائي للمرض (السركاريا) لجلد الإنسان وخصوصاً الأجزاء الرخوة منه في القدم بين الأصابع, حيث يشعر عندئذ متلقي العدوى بحكة شديدة, وقد تحدث التهابات وحساسية في الجلد مع ظهور بثور في الأطراف تزول بعد فترة وجيزة.. بعد ذلك عندما تستقر ديدان البلهارسيا البالغة في الشعيرات الدموية للمستقيم أو المثانة البولية وتضع البيوض, يشعر المريض بآلام مختلفة في البطن والمفاصل والعضلات وحرقة عند التبول يصاحبها خروج دم مع نهاية البول.. هذا بالنسبة للبلهارسيا البولية.. وبالمقابل تتحدد أعراض البلهارسيا المعوية في الاضطرابات أثناء التبرز (الإسهال) وخروج دم أو مخاط مع البراز.. بالإضافة إلى الضعف العام للجسم والهزال وضعف الشهية, وأحياناً فقر دم في نوعي المرض, لذا أنصح أصحاب هذه الأعراض سرعة مراجعة الطبيب لتشخيص المرض والذي بدوره سيطلب إليهم إجراء تحاليل طبية في المختبر, ليقوم بعد ذلك بتقرير العلاج الملائم إذا ما ثبتت الإصابة بالمرض. المعالجة وجداوها لماذا البلهارسيا بالذات تستهدف بالمعالجة، ولما التركيز في الحملات على معالجة أفراد المجتمع في الفئة العمرية من 6 أعوام فما فوق, في المديريات ذات الانتشار الواسع للبلهارسيا؟. دعني أوضح قضية مهمة جداً للوصول إلى إجابة عن سؤالك.. إنها قضية فصل معالجة البلهارسيا عن الالتزام بالوقاية, فلا قيمة للمعالجة ما لم يتخل المستهترون العابثون عن سلوكياتهم وممارساتهم السلبية غير الصحية التي تلحق الضرر بالآخرين من حولهم صغاراً كانوا أو كباراً والتي تسهم في انتقال العدوى وانتشار الإصابة بالبلهارسيا بين الناس على نحو واسع بالشكل الذي شرحته سلفاً.. فللاصابة بالبلهارسيا تأثير على مستوى التحصيل العلمي والاستيعاب وضعف التركيز في الصف بالنسبة للأطفال والنشء, وينعكس ذلك في تغيب الطلاب المستمر عن المدرسة وزيادة معدل الرسوب وترك الدراسة, هذا بالنسبة للصغار.. علاوة على أنها تؤدي إلى فقر الدم وتأخر نمو الأطفال. أما الأثر الصحي الذي تلحقه الإصابة بالكبار والصغار عموماً فيتسم بخطورته الواسعة وأهمه (الإسهال, الغثيان المستمر, التقيؤ, نزول دم مع البول أو البراز) وهذا بدوره يؤدي إلى فقر الدم والهزال.. كما يشكل علاج حالات البلهارسيا المزمنة عبءاً كبيراً على الدولة يستنفد الكثير من مواردها المالية.. وللمرض أيضاً تأثيره على المستوى الاجتماعي، فهو يثقل كاهل الأسرة والمجتمع لدى وفاة عائل الأسرة من جراء مضاعفاته الوخيمة نتيجة إهماله العلاج أو تأخره عن المعالجة, ولا شك أن أمراً كهذا فيه من التأثير البالغ على الوضع الاجتماعي والمعيشي للأسرة. إيجابيات الوقاية الوقاية من الأمراض كمرض البلهارسيا نقطة إيجابية تسمو بها المجتمعات إذا ما وعوها والتزموا بها.. كيف للمواطن التسلح بها، وماذا يترتب على إهمالها أو الإخلال بها؟. في مجتمع يسوده الجهل والأمية وشحة المياه الصالحة للشرب واتخاذ السواقي والبرك والغيول للاستعمالات المنزلية وغير المنزلية, كحال الكثيرين من المناطق الشامخة فوق الجبال وعلى سفوح المنحدرات والتي تعاني من ندرة المياه الصالحة للاستعمال والتي من الصعب ربطها بالمشاريع التي تؤمّن مياهاً جوفية نظيفة صالحة للاستخدام الآدمي كثيراً ما يسيء البعض استخدام هذه المياه، وبدلاً من المحافظة عليها يفسدونها ويلوثونها بالمخلفات الآدمية من بول أو غائط عياناً أو خفية بلا وازع أو ضمير أو خشية من الله، ولعل أكثر من يعمد إلى هذا السلوك السيئ المخل بالقيم وتعاليم ديننا الحنيف هم الأطفال, وبالتالي يضطر الأهالي إلى استعمال واستخدام ما يجدونه من مياه كهذه المياه، فليس ثمة أدنى شك في أنها غير آمنة وتشكل مصدراً ومرتعاً للأمراض كمرض البلهارسيا, وحتى مع وجود مياه الشرب النظيفة والآمنة في بعض المناطق لا يجد البعض بداً في استعمال مياه موبوءة للري مثلاً أو غسل الملابس أو السباحة أو حتى للوضوء أو الاغتسال كحال الكثيرين في الأرياف الذين لايزالون يستعملون مياه البرك القديمة المكشوفة والتي ترتبط عادة بالمساجد القديمة أو غير ذلك من المياه الراكدة أو البطيئة الجريان التي قد تحوي الطور المرضي المعدي للبلهارسيا.. وهذا الأمر يفرض على المجتمع التحلي بالمسئولية وأن يكونوا متسلحين بقدرٍ كافٍ من الوعي والمعرفة عن مرض البلهارسيا والأوساط التي ينتشر فيها الطور المعدي للمرض الذي يستدل كثيراً على وجوده من خلال القواقع المائية (القرنانة) التي تنتشر بشكل واسع في المياه الراكدة وغير الراكدة في سائر أنحاء البلاد.. ولا نقلل من أهمية معالجة المرضى، بل إنه أمر ضروري يضاف إلى ما ذكرت، ولابد من الإسراع في معالجة المرضى بالبلهارسيا متى ما ظهرت عليهم أعراض المرض ولو لمجرد شك بسيط الذي يفرض إجراء فحص طبي للبول والبراز بحسب طبيعة المعاناة من أجل الكشف عن الإصابة أو عدمها, إذ أن التأخر عن علاج البلهارسيا يعني الوقوع في منزلق المعاناة الشديدة وتدهور حالة المرضى, ويقود بهم في نهاية المطاف إلى الوفاة؛ بمعنى أن عدم تلقي المريض للعلاج أو تأخره عن المعالجة كثيراً يتيح للمرض التطور بشكل مريع مع مرور الوقت لدرجة قد لا ينفع معها العلاج, مما يقود إلى الوفاة، ذلك أن الأضرار الوخيمة للمرض أو ما يسمى بمضاعفات البلهارسيا كثيرة وشديدة الخطورة مثل (دوالي المري البواسير تضخم الطحال سرطان القولون والمستقيم التقيؤ الدموي) بالنسبة للبلهارسيا المعوية أو أي من مضاعفات (حصوات المثانة تضيق الحالب قرحة المثانة الفشل الكلوي العقم عند الرجال والنساء سرطان المثانة) بالنسبة للبلهارسيا البولية, وأي من هذه المضاعفات تشكل خطراً على الإنسان وقد تفرض خضوعه لعمليات جراحية يصعب كثيراً التكهن بمدى نجاحها, وبذلك لا علاج بالأدوية يجدي كثيراً في ظروف مرضية متردية كهذه. حملة البلهارسيا اليوم نستشرف حملة جديدة للبلهارسيا في عدد من المديريات تستهدف جميع المواطنين من عمر 6 أعوام فما فوق .. هل في رأيك أهمية لإقامة هذه الحملات التي تستهدف شريحة واسعة من أبناء المجتمع؟. الحملات السابقة وهذه الحملة لها أهداف سامية كلها تصب في مصلحة المجتمع, لكن الأفضل حالياً استهداف المعرضين ككل للإصابة بالمرض مع المرضى في آنٍ واحد دون تمييز، أي الجميع من عمر 6 سنوات فأكثر، وأرى أن من المناسب أن يقدم العلاج للمرضى وغير المرضى في المناطق الموبوءة بمرض البلهارسيا الذي عادة ما ينتشر في مناطق بصورة أكبر من مناطق أخرى. المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني في وزارة الصحة العامة والسكان