يبدأ زعماء دول الاتحاد الأوربي ال27 اليوم الخميس قمة حاسمة أخرى في محاولة لحل أزمة الديون وتفادي انهيار منطقة اليورو. وعلى الرغم من صعوبة إحصاء عدد قمم الاتحاد الأوربي التي عقدت منذ اندلاع الأزمة المالية والديون قبل ثلاث سنوات غير إن الوضع لايزال حرجا. وعلاوة على ذلك لا يمر شهر إلا وتتوصل فيه المفوضية الأوربية أو بعض زعماء الاتحاد الأوربي إلى مقترحات وأفكار جديدة للتعامل مع أزمة الديون لكن بالكاد ما يتم تنفيذ او فهم اي منها من قبل الجمهور العام في أوربا ما يزيد من حالة اليأس الفعلية. وتخيم شكوك كبيرة رغم تعدد المناورات والتحركات السياسية والدبلوماسية حاليا في بروكسل وغيرها من العواصم الأوربية للتوصل إلى مخرج عملي للأزمة وفي غياب القبول الجماعي الأوربي بالمطلب الرئيس للأسواق المالية حاليا والمتمثل في دفع المصرف المركزي الأوربي لتمويل جانب رئيس من إدارة أزمة الديون في الدول المتعثرة. وترفض ألمانيا القوة النقدية الأولى الضاربة في منطقة اليورو هذا الخيار حيث لم تسمح كافة الاتصالات والتحركات المبذولة حتى الآن في ثني برلين عن موقفها المتشدد والمتشبث بالاستقلالية التامة لمصرف فرانكفورت كما لم يفلح الاتفاق الفرنسي الألماني المسجل الذي تم الاثنين الماضي في باريس بين المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالتوجه نحو اعتماد حزمة من الضوابط الصارمة في مجال الحوكمة المالية وسن عقوبات على الدول المتعثرة ووضع حد ملزم للعجز في الموازنات العامة في تهدئة الأسواق المالية التي تلقت بقلق كبير تهديد وكالة التصنيف العالمية (موديز اند بورس) بتخفيض جماعي للدرجات الائتمانية لكافة دول منطقة اليورو بما فيها ألمانيا. ويتعرض زعماء الاتحاد الأوربي إلى ضغوط دولية وأوربية أيضا لانتزاع اتفاق ذو مصداقية يوم غد الجمعة أي بعد عامين كاملين من إدارة الأزمة المالية. وقالت وكالة (موديز اند بورس) وهي أكبر وأهم وكالة تصنيف عالمية إن قرراها بالتوجه نحو تخفيض الدرجة الائتمانية لكافة دول منطقة اليورو يعود للتخوف السياسي الأوربي الواضح في إدارة الأزمة. ويقول خبراء نقديون إن وكالة التصنيف العالمية أرادت توجيه رسالة واضحة للقادة الأوربيين مفادها أن الأسواق المالية لن تقبل بنصف حلول في المستقبل وانه يجب وضع خريطة طريق ملزمة وفعالة في مواجهة الأزمة التي تعصف بمنطقة اليورو. وترى أسواق المال إن الخطة الأوربية الألمانية المعلنة لتعديل اتفاقيات الوحدة الأوربية وفرض عقوبات على الأطراف المتسيبة ستستغرق عدة أشهر في حين أن معالجة أزمة الديون تعدٌ أمرا طارئا. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد أعرب عن اعتقاده بأن الخطة الفرنسية الألمانية قد يتم ترجمتها عمليا قبل شهر مارس المقبل ولكن الأسواق المالية تعتبر أن المهلة لا يمكن تحملها بسبب ثقل ديون العديد من الدول أولا وثانيا غياب سياسة واقعية لحفز النمو في أوربا. ويرى المحللون النقديون أن الأسواق المالية تعتبر أن التغييرات المرتقبة ستستغرق وقت طويلا وان الاتحاد الأوربي بحاجة ماسة لمبادرات طارئة. وفى سياق متصل رأت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أن التدابير الفرنسية الألمانية المعلنة تبدو جيدة ولكنها غير كافية لاستعادة الثقة, حيث يأمل المتعالمون بإمكانية أن يؤدي أي اتفاق عملي خلال القمة الأوربية لفتح الباب ولو بشكل غير مباشر, أما المصرف المركزي الأوربي فيأمل بلعب دور ما في إدارة الأزمة وخاصة بالنسبة لإيطاليا الحلقة الضعيفة المهددة حاليا رغم برنامج الإصلاح الطموح الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي. ويقول محافظ المصرف المركزي الأوربي ماريو دراغي إن المؤسسة النقدية الأوربية في فرانكفورت ستضل محتفظة باستقلالها التام ولكن هذا التصريح لا يعني أن المصرف الأوربي لن يتدخل لحماية اليورو حسب العديد من المحللين الأوربيين. وتواجه أوربا إلى جانب ذلك معضلات موازية رئيسة أخرى أهمها عجز الدول الأوربية عن مضاعفة حجم صندوق الإنقاذ الأوربي الذي سيتحول إلى صندوق للنقد الأوروبي وفق الاتفاق الفرنسي الألماني الأخير كما أن تهديد الرئيس الفرنسي ساركوزي باعتماد حزمة من التدابير التشريعية من خلال تعديل اتفاقية الوحدة الأوربية واقتصار ذلك على دول منطقة اليورو السبعة عشر وتجاوز إجماع الدول السبع والعشرين من شأنه أن يولد أوربا تسير بسرعتين وما يمثله ذلك من مخاطر تصدع على صعيد مستقبل الاندماج الأوربي والمراهنة حاليا تبدو متمثلة في إسناد دور مرحلي ومؤقت للمصرف المركزي الأوربي للتصدي للأسواق المالية في إنتظار استكمال حزمة التشريعات الضرورية لفرض حوكمة صارمة على جميع دول اليورو. ويرى غالبية المحللين النقديين أن دول منطقة اليورو باتت تحت مراقبة مباشرة من وكالات التنصيف التي بدأت في تحديد أجندة التحرك الأوربي وتطيح بالحكومات الأوربية الواحدة تلو الأخرى مثل ما حصل في اسبانيا والبرتغال واليونان وأخيرا ايطاليا. كما أملت وكالات التصنيف الخطة السياسية للحكومة البلجيكية الجديدة وسيكون موقفها حاسما بعد إنعقاد القمة الأوربية .. وتريد المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التوصل إلى اتفاق بشأن معاهدة جديدة للاتحاد الأوربي في مارس المقبل، وإذا لزم الأمر بالاقتصار على الأعضاء ال17 فقط في منطقة اليورو. وستقترح فرنساوألمانيا على قمة الاتحاد الأوربي في بروكسل اليوم ويوم غدا ملامح هذه المعاهدة الجديدة. وقال ساركوزي إن باريس وبرلين تنويان المطالبة بإدخال القاعدة الذهبية وتعزيز التنسيق على الصعيد الأوربي بحيث يمكن للمحاكم الدستورية في كل بلد أن تضمن أن الميزانيات تتجه للعودة إلى التوازن .. كما ينبغي لمحكمة العدل الأوربية أن تكون قادرة على التحقق من مطابقة القاعدة الذهبية في كل دولة مع المعاهدة الجديدة للاتحاد الأوربي ولكنها دون أن تبت في الميزانية الوطنية لكل دولة. ومع استمرار الأزمة فان فرنساوألمانيا ترغبان أيضا بعقد قمة أوربية شهريا لرؤساء دول وحكومات منطقة اليورو مع جدول أعمال محدد وضرورة التركيز على الحاجة إلى تعزيز النمو في منطقة اليور مع استبعاد برلين وباريس استخدام سندات اليورو التي تعرضها ألمانيا. وعلى الرغم من تعدد قمم الاتحاد الأوربي والكم الهائل من المبادرات والمقترحات إلى ان أزمة الديون في أوربا تزداد عمقا.