أظهرت جهود العلماء في العصر الحديث النتائج الاقتصادية المترتبة على موارد الزكاة وكيف لها أن تلعب دورا بارزا في المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية في المجتمعات كونها من الموارد المتميزة بالاستمرارية بخلاف غيرها التي تخضع لظروف مختلفة كالموارد النفطية والغازية المعرضة للنضوب في أي وقت. فبالإضافة إلى مكانتها السامية من الناحية الشرعية، فإن للزكاة أثرا في الجانب الاقتصادي، وقد مثلت رافدا ماليا قويا لرفع مستوى النشاط الاقتصادي في الدولة الإسلامية. وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الكثير من الدول الإسلامية ومنها اليمن التي تواجه كومة من المتاعب ليس لندرة الموارد بقدر ما هو إساءة في استخدامها بصورة مثلى ، فإنه حريا بصانع القرار الاقتصادي تطوير آليات الاستفادة من الموارد الزكوية للمساهمة في حل مشاكل متعددة تعاني منها البنية الاقتصادية. وتتعدد أدوار الزكاة من الناحية الاقتصادية فهي أداة هامة من أدوات إعادة توزيع الثروة بين شرائح المجتمع وينجم عن ذلك توسيع قاعدة الملكية والاستهلاك والإنتاج، الأمر الذي يعمل على زيادة الطلب على عناصر الإنتاج وتشغيلها، ما يؤدي لارتفاع حجم الناتج المحلي في الدولة، وينعكس ذلك إيجابا في زيادة حصيلة الزكاة، وبالتالي يتحقق توزيع أكبر وأشمل متى ما تم اقتطاع جزء من دخل الغني وثروته، وتوزيعه على المستحقين، وإعادة توزيع المال يؤثر تأثيرا مباشرا على عملية التنمية في المجتمع. ويؤدي إعادة توزيع المال من خلال الزكاة إلى الحد من اتساع الفجوة بين أفراد المجتمع التي تعد واحدة من أهم عوائق التنمية في أي مجتمع كونها تركز الثروة في يد فئة قليلة من الناس كما هو حاصل اليوم في الكثير من الدول. كما توسعت أهمية الزكاة في العصر الحديث إذ باتت تعد واحدة من أدوات السياسة المالية في المنظومة الاقتصادية وقد برهنت تجارب دول عربية وإسلامية على دور الموارد الزكوية في محاربة الفقر والبطالة وغيرها. فعلى مستوى الفقر، فإن الزكاة تلعب دورا في مواجهة هذه المشكلة كون الهدف من تحصيلها يتمثل في إنفاقها على الفقراء وهو ما يحقق الغاية السامية من فرض الزكاة كونها تعمل على تحجيم الفجوة بين الأغنياء والفقراء وهو ما ساد خلال التاريخ الإسلامي الذي لم يشهد فوارق طبقية حينما كانت آليات جباية الزكاة وتوزيعها على الفقراء متقنة وفعالة. حيث تسهم الزكاة بصورة تدريجية في إعادة تدوير المال وتوزيعه ما يفضي إلى تحقيق المساواة بين الناس وتحول الفقراء مع مرور الأيام إلى معطيين وبالتالي استمرار حركة الثروة وتوزيعها بين فئات المجتمع دون أن يلحق الضرر بالغني كون الزكاة تأخذ جزء من ماله إلى الفقير فيترتب على ذلك تحسن وضعه المالي وبالتالي زيادة إنفاقه على شراء السلع والمنتجات ما ينعكس إيجابا على زيادة حركة الإنتاج. ويرى خبراء الاقتصاد أن قدرة أفراد المجتمع على الاستثمار، تتوقف على مستوى ادخار الفرد والحكومة بصورة عامة وفي هذا الجانب فإن الزكاة تعلب دورا هاما في زيادة العمل ما يؤثر إيجابا على زيادة عمليات الادخار. كما يؤكدون أن التنمية الاقتصادية الشاملة في المجتمع تتطلب توفر التمويل لإشباع الحاجات الأساسية للفقراء ونظرا لتكلفتها المالية العالية على الدولة فإن الزكاة تعمل على تمويل هذه الاحتياجات، ما يتيح للدولة مواجهة تمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة وهنا يتأكد دور الزكاة في عملية الاستثمار الذي يؤدي إلى زيادة المال والذي بدوره يؤدي إلى زيادة جباية الزكاة أي أنها عملية طردية فكلما زاد جني المال من قبل الأفراد زادت أموال الزكاة التي توزع على الفقراء وبالتالي تحقيق الفائدة للجميع. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الزكاة، فهي فضلا عن أهميتها كشعيرة دينية، تعد أداة اقتصادية، وركيزة من ركائز النظام الاقتصادي الإسلامي كونها تحد من رغبة البعض في اكتناز الأموال، لأن الزكاة تعمل على إعادة تدوير الأموال وتدفع بها إلى مجالات التنمية والاستثمار. ففيما يتعلق بدورها في مواجهة البطالة فقد اتفق فقهاء الدين قديما وحديثا على أن من لا يجد عملا يعطى من سهم الفقراء وحدد هؤلاء بأن صفة العاطل تنطبق على من يبحث عن عمل ولا يجده أما البطالة الاختيارية فليس لأصحابها نصيب من الزكاة كما نص عليه المذهب المالكي. وتلعب الزكاة دورا هاما في الحد من البطالة، ففقهاء المذهب الحنبلي يذكرون أن الفقير يأخذ كفايته دائما، ويتحقق ذلك بتمليكه محل للتجارة وغير ذلك وهو أمر لا يبتعد عما اتفق عليه علماء المذهب الشافعي بشأن إعطاء الفقير مالا يتجر به ولو كان ما يحتاجه كثيرا. ومن ناحية أخرى فإن عملية جباية الزكاة وتوزيعها على الفقراء، تحتاج إلى أشخاص للقيام بذلك ، وهؤلاء من سماهم القرآن الكريم (العاملين عليها) وهذا يوفر عددا من فرص العمل للعاطلين ، كل ذلك وغيره يؤكد الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الزكاة في عملية التنمية الاقتصادية. من جانب آخر فإن الزكاة تدفع الناس لاستثمار أموالهم، وهذه الاستثمار ينجم عنه توفير فرص عمل جديدة. ويرى عدد من فقهاء الدين الإسلامي جواز استثمار جزء من أموال الزكاة في مشاريع يستفيد منها الفقراء وتوفر فرص وظيفية للعاطلين عن العمل خاصة أن الشريعة الإسلامية تقدم ميزة أيضا في هذا الجانب كونها تعفي الآلات المستخدمة في الصناعة من الزكاة، وهو ما يشجع على الاستثمار الذي بدوره يوفر فرص عمل للشباب ما يؤكد أن الزكاة أداة فعالة لمساعدة العاطلين وبواسطة ذلك تساهم تدريجيا في الحد من البطالة وتحويل المستفيدين إلى منتجين بعد أن كانوا عبئا على المجتمع.