أعلنت رئيسة الوزراء في بنجلاديش، الشيخة حسينة واجد التي انتخبت لولاية جديدة من خمس سنوات في اقتراع تشريعي في الخامس من يناير الجاري وقاطعته المعارضة وشهد أعمال عنف، حكومتها الجديدة اليوم الأحد، والتي ستقدمها إلى الرئيس محمد عبدالحميد في وقت لاحق اليوم. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن الناطق باسم رئيسة الحكومة، إحسان الكريم قوله: "إن الشيخة حسينة ستقدم حكومتها إلى الرئيس، عبد الحميد في مراسم ستنظم في دكا اليوم".. مضيفاً إن "الرئيس عبد الحميد سيترأس مراسم أداء الشيخة حسينة ووزرائها القسم". وكانت رابطة عوامي، حزب رئيسة الوزراء، فازت بنسبة 80 في المائة من مقاعد البرلمان في 153 دائرة إنتخابية، في ظل غياب أي خصم في عدد كبير من مراكز التصويت وفي أعنف انتخابات شهدتها بنغلادش حتى الآن قتل خلالها 26 شخصا. ويرى محللون أن الأغلبية التي عادت إلى البرلمان قد لا تبقى لفترة طويلة إذ أن الشيخة حسينة واجد تواجه ضغوطا من المعارضة والأسرة الدولية لتنظيم اقتراع جديد. ودعت المعارضة الأربعاء الماضي إلى إضراب جديد لكسب التأييد لقضيتها، لكنها لم تلق سوى تجاوبا محدودا، إذ إن عددا كبيرا من مؤيديها أوقفوا. وقد فرض على زعيمة المعارضة خالدة ضياء التي تقود حزب بنغلادش القومي، فعليا إقامة جبرية منذ أسبوعين.. إلا انه تم تخفيف الإجراءات الأمنية وسمح لها بمغادرة منزلها للمرة الأولى مساء أمس السبت. ووصفت خالدة ضياء الاقتراع بأنه مهزلة وطلبت تنظيم انتخابات جديدة ترعاها حكومة محايدة.. وقالت في بيان لها الثلاثاء الماضي "أطالب الحكومة بإلغاء هذه الانتخابات المهزلة وبالاستقالة، وبالتوصل إلى اتفاق "(مع المعارضة) لتنظيم انتخابات حرة وحيادية ونزيهة تشرف عليها حكومة حيادية". وأضافت ضياء "إن الانتخابات الفضيحة التي جرت في 5 يناير لم تظهر انعدام ثقة الشعب بالحكومة فحسب، وإنما أظهرت كذلك أن تنظيم انتخابات حرة وحيادية ونزيهة وسلمية يقبل عليها الناخبون لا يمكن أن يحصل من دون حكومة حيادية ولجنة انتخابية مستقلة". ووعدت حسينة واجد التي قالت معلومات صحفية إن حكومتها ستضم نحو خمسين وزيرا، بالعمل من أجل ضمان "الاستقرار" في البلاد. وكان النواب الجدد في بنغلادش اقسموا اليمين الخميس الماضي.. وقال المتحدث باسم البرلمان جوينال عابدين "إن أعضاء رابطة عوامي بزعامة حسينة واجد، وحلفاءهم الذين فازوا ب232 من 300 مقعد، اقسموا اليمين صباح الخميس". وتفاقمت الأزمة في بنغلادش بعد فوز حزب "رابطة عوامي" بزعامة رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد بالأغلبية المطلقة بمقاعد الانتخابات التشريعية التي أجريت.. وقاطعها 21 حزباً للمعارضة، في مقدمها حزب "بنغلادش القومي". وقال الباحث في معهد بنغلادش للدراسات حول السلام والأمن منير الزمان "إن الخلافات الحادة بين رابطة عوامي وحزب بنغلادش القومي وصفة لتعزيز التطرف، خصوصاً الاستخدام المفرط للقوة الذي تمارسه الحكومة ضد الحزب منذ سنة سمح له بتعزيز موقعه وتنظيم صفوفه بشكل أفضل واجتذاب مزيد من الدعم". ولا يوجد شكوك حول نتائج الانتخابات لأن الفائزين من الحزب الحاكم ترشحوا بلا منافسين.. لكن وزيرة الدولة البريطانية للشؤون الخارجية البارونة سعيدة وارسي دعت الأحزاب السياسية في بنغلادش إلى "العمل لمصلحة الشعب". وأضافت "من المخيّب عدم امتلاك الناخبين في أكثر من نصف الدوائر فرصة للتعبير عن إرادتهم في صناديق الاقتراع، وتدني نسبة المشاركة في باقي الدوائر.. كما نشجب أعمال التخويف والعنف غير الشرعي من كل الأطراف التي شهدتها بنغلادش في الأسابيع الأخيرة، والهجمات على مباني عامة بينها مدارس وكليات". إلى ذلك اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية الحكومة بأنها قامت باعتقالات تعسفية "للمئات على الأرجح" من أعضاء المعارضة مؤكدة أن عملياتها مستمرة منذ الأحد الماضي. واعتبر مدير هيومن رايتس ووتش - آسيا "براد ادامز" أن "رابطة عوامي تؤكد أنها أبرز حزب ديمقراطي في بنغلادش، لكن لا ديمقراطية على الإطلاق في اعتقال هذا العدد الكبير من المعارضين". من جهته، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الحزبين السياسيين الرئيسيين في بنغلادش بسبب الطريقة التي جرت فيها الانتخابات التشريعية اليوم ودعا "كل الأطراف إلى التحلي بضبط النفس" والعمل "ليتمكن الناس من ممارسة حقهم في التجمع والتعبير عن الرأي". أما وزارة الخارجية الأميركية فقد عبرت عن "خيبة أملها" غداة الانتخابات التشريعية وطالبت بتنظيم عملية انتخابية جديدة "موثوقة". وقالت مساعدة المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماري هارف في بيان إن "الولاياتالمتحدة أصيبت بخيبة أمل جراء الانتخابات التشريعية الأخيرة في بنغلادش" التي "لا يبدو أن نتائجها تعبر بطريقة موثوقة عن إرادة الشعب في بنغلادش". وشهدت بنغلادش خلال العام المنصرم وبداية العام الجاري أعمال عنف دموية تعد الأخطر منذ إنشائها في 1971 على إثر استقلالها عن باكستان.. وذكرت منظمة غير حكومية أنها أسفرت حتى الآن عن مقتل 500 شخص منهم 150 منذ بداية الإضرابات والتظاهرات التي نظمتها المعارضة لإلغاء الانتخابات في أكتوبر الماضي. ولم يمنع انتشار عشرات الآلاف من الجنود لحماية الانتخابات من حرق ونهب نحو 200 مكتب تصويت ومقتل 26 شخصاً، بينهم اثنان تعرضا للضرب حتى الموت لدى محاولتهما حماية مكاتب تصويت في أقاليم شمال البلاد التي تنتشر فيها المعارضة الوطنية بكثافة. أما باقي ضحايا الصدامات، فهم ناشطون من المعارضة قتلتهم قوات الأمن وسائق شاحنة أحرقها مهاجمون.. وألغي الاقتراع أو جرى تعليقه في 436 على الأقل من 18 ألف مكتب، كما تقول اللجنة الانتخابية. الجدير ذكره أنه قبل عشرين عاما تحالفت الشيخة حسينة واجد رئيسة الوزراء الحالية في بنغلادش وزعيمة المعارضة خالدة ضياء للقضاء على الدكتاتورية، لكن خصومتهما الشرسة اليوم تضع بلادهما على شفير الهاوية عرضة للتصدع. ومنذ الدعوة إلى الانتخابات في أكتوبر الماضي طالبت ضياء بتنحي حسينة واجد جانبا والسماح بتشكيل حكومة مؤقتة محايدة لتنظيم الانتخابات.. لكن حسينة واجد رفضت ذلك واتهمت منافستها وحزبها، حزب بنغلادش القومي، باحتجاز البلاد "رهينة" من خلال تنظيم إضرابات قبل الاقتراع. وظهرت العداوة بين المرأتين في هذا البلد المأهول بغالبية من المسلمين إلى العلن في أكتوبر على إثر كشف تسجيلات لأول محادثة هاتفية بينهما منذ خمس عشرة سنة إلى العامة. وبلغت العداوة بين ضياء وحسينة أوجها في أغسطس 2004 عندما نجت الأخيرة من محاولة اغتيال في هجوم بقنبلة يدوية أسفر عن سقوط 20 قتيلا في صفوف أنصارها.. وعلى إثر ذلك الهجوم بدأت شعبية حسينة بالتراجع رغم تأكيدها على الدوم وقوف نجل ضياء وراء ذلك الاعتداء. وبنغلادش التي يدين 90 في المائة من سكانها البالغ عددهم 154 مليونا بالإسلام، تعتمد نظاما علمانيا منذ استقلالها عن جمهورية باكستان الإسلامية عام 1971.. وقد أكدت المحكمة العليا مجددا على هذا المبدأ عام 2010.