بدأ الناخبون التونسيون في التوافد على مراكز الاقتراع اليوم الأحد لانتخاب ممثليهم في البرلمان في أول انتخابات بعد إقرار الدستور الجديد وبعد حوالي أربعة أعوام من الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي. ودعي إلي الانتخابات التي ستستمر حتى الساعة 18,00 (17,00 بتوقيت غرينيتش ) نحو 5،3 ملايين ناخب، بحسب الهيئة المكلفة بتنظيم هذه الانتخابات الحاسمة التي سينبثق عنها برلمان مؤلف من 217 مقعدا. وتأتي عملية التصويت وسط حالة تأهب أمني، حيث تجرى بعد يومين من مقتل ستة مسلحين مشتبه بهم برصاص الشرطة بعد مداهمة منزل في ضواحي العاصمة التونسية. وتواصل الساحة السياسية التونسية بخطوات متعثرة طريقها نحو نظام ديمقراطي لوضع نهاية لفترة انتقالية تأسيسية. في الأثناء تواصل الجالية التونسية في الخارج ليومها الثالث والأخير الإدلاء بأصواتها في ظل جدل كبير حول التسجيل ومكاتب الاقتراع. ويتنافس على مقاعد مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي) البالغة 217 مقعدا 1327 قائمة تمثل 120 حزبا سياسيا وتتوزع على 33 دائرة انتخابية، 27 منها داخل تونس و6 خارجها. ويبلغ عدد الناخبين 5.285.136 ناخب، منهم 350.000 ناخب مسجلين في الخارج، تشكل فئة الشباب 63 % من جملة الناخبين المسجلين كما تسجل المرأة حضورها بقوة في هذا الاقتراع بنسبة 50.5 %. ويشارك في هذه الانتخابات جميع ألوان الطيف السياسي في تونس الذي يمتد من أقصى اليمين الإسلامي إلى أقصى اليسار الشيوعي مرورا بالأحزاب الإسلامية والعلمانية المعتدلة. كما تشهد الانتخابات مشاركة العديد من الأحزاب سليلة التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل الذي حكم في عهد بن علي وقبله بورقيبة، إذ تترأس قوائم هذه الأحزاب شخصيات ووزراء في حكومات سابقة من النظام السابق. ويعد حزب النهضة وتحالف نداء تونس المنافس له الحزبان الأوفر حظا للفوز بمعظم المقاعد في انتخابات اليوم الأحد . ولكن العدد الكبير من الأحزاب الآخرى من الحركات السلفية المحافظة إلى الاشتراكيين يعني أن تشكيل حكومة ائتلافية هي النتيجة المحتملة. وسيختار البرلمان المؤلف من 217 عضوا رئيس وزراء جديدا. وفاز حزب النهضة بمعظم المقاعد في الانتخابات الأولى وقاد ائتلافا قبل أن تجبره أزمة بشأن حكمه وقتل زعيمين علمانيين إلى إبرام اتفاق للتخلي عن السلطة لرئيس وزراء مؤقت. ويقول زعماء النهضة الذين واجهوا انتقادات بسبب سوء الادارة الاقتصادية وتراخي التعامل مع المتشددين إنهم تعلموا من أخطائهم في السنوات الأولى بعد الثورة. ولكن حزب نداء تونس الذي يضم بعض الاعضاء السابقين في نظام بن علي يعتبر نفسه من التكنوقراط العصريين القادر على ادارة التحديات الاقتصادية والأمنية بعد الفترة المضطربة من الحكم الذي كان يقوده الإسلاميون. ومن بين الأحزاب العلمانية الآخرى التي تبحث عن مكان في البرلمان الجديد بعض الأحزاب التي يقودها مسؤولون سابقون في نظام بن علي يصورون أنفسهم على أنهم ذوو كفاءات لم يلوثهم الفساد وانتهاكات نظامه. وتعكس عودتهم شكل الحل الوسط والاجماع اللذين ساعدا تونس على تفادي المواجهات بعد أن تحولت الخلافات بشأن دور الإسلاميين ومسؤولي النظام السابق إلى أعمال عنف. وهذا التوافق بالاضافة إلى نظام انتخابي بالتمثيل النسبي يعنيان أن الطرفين الرئيسيين سيسعيان إلى ابرام اتفاقيات مع شركاء أصغر لتشكيل أغلبية في البرلمان وامتلاك دور أقوى في تشكيل الحكومة الجديدة. وستحتاج الحكومة الجديدة إلى تعزيز النمو وفرص العمل لتونسيين كثيرين يشعرون بعدم حصولهم على أي مزايا اقتصادية من الثورة. ولكن سيتعين عليها أيضا تطبيق اجراءات تقشفية صارمة لخفض الدعم العام. وتتوقع تونس نموا يتراوح بين 2.3 في المئة و2.5 في المئة هذا العام ولكنها بحاجة لمواصلة تقليص الدعم لخفض العجز في الميزانية وفرض ضرائب جديدة وهو شكل الاصلاحات التي طلبتها جهات الاقراض الدولية. ومن القضايا الملحة معالجة التهديد الذي يشكله المتشددون الذين تزايد تأثيرهم بعد سقوط بن علي بما في ذلك جماعة أنصار الشريعة المتطرفة التي تصنفها واشنطن على أنها جماعة ارهابية. وكانت السلطات التونسية قد حذرت من أن المتشددين سيسعون لتعطيل الانتخابات. ويوم الجمعة قتلت القوات التونسية ستة أشخاص من بينهم خمس نساء بعد مواجهة مع جماعة متشددة على أطراف العاصمة تونس. وكانت تلك الغارة أحدث عملية في حملة تونس على المتشددين. وبلغت نسبة التصويت في الخارج خلال يومين 18 في المئة، بحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وما زال هناك يوم آخر لتصويت المغتربين.