مع اقتراب الموعد المحدد للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن برنامج إيران النووي، في 24 نوفمبر الجاري يبدو أن إيرانوالولاياتالمتحدة تستعدان للعبة تبادل اللوم، من أجل تحديد الطرف المسؤول عن فشل الجهود الدبلوماسية، إذ فشلت المحادثات النووية. فطهران تنوي رمي المسؤولية على أكتاف الأمريكيين، علها تحظى برفع روسي وأوروبي للعقوبات عنها،وفي المقابل تجد واشنطن نفسها مقيدة وعليها توخي الحذر فيما تعلنه من مواقف خشية شق صف القوى العالمية الداخلة معها في المفاوضات النووية مع طهران. وتجري المحادثات النووية بين القوى العالمية الست وإيران على مستويات مختلفة، أولها محاولات محمومة في الساعات الأخيرة للتوصل إلى صيغة تفرض قيودًا صارمة على أنشطة إيران النووية، مقابل تخفيف العقوبات، وصولًا إلى الغائها. ورجحت مصادر دبلوماسية أن يتم الاعلان عن تمديد آخر إلى فبراير المقبل، قبل أن يصبح للكونجرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون الآن، كلمة في هذا الشأن. إلا أن هناك تحت السطح مستوى آخر من المفاوضات، هو الاستعداد للعبة تبادل اللوم بين الولاياتالمتحدةوإيران، لتحديد الطرف المسؤول عن فشل الجهود الدبلوماسية، إذ فشلت. ويتسم اتهام الطرفين الأمريكي والإيراني احدهما الآخر بأهمية لا لذاته فحسب، بل لأنه يساعد في فهم الموقف التفاوضي لكل طرف. فمن يربح في لعبة "التلاوم" والهروب من المسؤولية ينجو من ضرورة تقديم تنازلات كبيرة. وبحسب صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية ، إيران استعدت لهذه اللعبة بالعمل الهادئ خلال الأسابيع الماضية، على إعداد خطة بديلة، في حال انهيار المحادثات، إذ سيؤدي الاتفاق إلى تخفيف كبير للعقوبات. لكن إيران، في حالة الفشل، تراهن على إيجاد طرق أخرى للافلات من قبضة العقوبات. ويتمثل الفصل الأول من الخطة الإيرانية بتحميل التعنت الأمريكي مسؤولية الفشل. فانتخاب كونجرس يسيطر عليه جمهوريون متلهفون لفرض عقوبات جديدة ضد إيران يوفر لطهران كبش محرقة للقول إن الجمهوريين المتشددين جعلوا من المتعذر على ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تتفاوض بنية حسنة. وإذا أفلحت طهران في تصوير الولاياتالمتحدة على انها هي العقبة، فإنها قد تتمكن من اقناع روسيا والصين، وربما بعض الدول الأوروبية، بالشروع في رفع العقوبات، وفق الخطة الإيرانية. وحتى في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران، وهبوط أسعار النفط، ترى طهران مكاسب من فتح مواجهة جديدة مع الولاياتالمتحدة. فصعود /ما يسمى/ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) جعل التهديد الأمريكي بعمل عسكري ضد إيران مستبعدًا. ومع بروز شراكة ضمنية غير مكتوبة بين الولاياتالمتحدةوإيران، لحماية مصالحهما في العراق من داعش، سيكون من الصعب التفكير في ضرب منشآت إيران النووية. كما تراهن إيران على الأزمة الأوكرانية لفتح ثغرة أخرى في جبهة المجتمع الدولي ضد برنامجها النووي. والملاحظ هنا أن موسكو أبقت نزاعها مع الغرب حول أوكرانيا بعيدًا عن دبلوماسيتها بشأن الملف النووي الإيراني. وتأمل إيران في التمكن من استدراج روسيا إلى تقديم تنازلات في هذا الملف، لتوجيه ضربة إلى الولاياتالمتحدة، ردًا على عقوباتها ضد موسكو. وتجد الولاياتالمتحدة يدها مقيدة في مواجهة هذا التحرك الإيراني الصامت فهي تفاوض في إطار تحالف يضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، فسيتعين عليها توخى الحذر فيما تعلنه من مواقف خشية شق الصف. وإذا انتهت المفاوضات بالفشل، فإن أولوية الولاياتالمتحدة ستكون التوثق من اتفاق شركائها في المفاوضات على وجهة نظر مشتركة في تحديد أسباب الفشل، وسبل إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات. في هذه الأثناء، إذا تريث الكونجرس ونجح في إعداد عقوبات جديدة ردًا على تصعيد إيراني جديد، كزيادة أجهزة الطرد، أو توافر أدلة جديدة على أنشطتها التسلحية، فإن فرصة الادارة الأمريكية أكبر بكثير في الحفاظ على وحدة الموقف داخل مجموعة القوى العالمية الست.