للمرة الثانية في تاريخ اليمن الواحد يجرى ليل الخميس القادم تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت والذي ينفذه الجهاز المركزي للإحصاء كل عشر سنوات لتوفير بيانات شاملة ودقيقة تصبح في المستقبل منطلقا للاستراتيجيات التنموية في الجمهورية اليمنية. ويأتي تنفيذ هذا التعداد مع دخول اليمن الواحد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بهدف اضطلاع الدولة بمهامها الوطنية في تجسيد مشروعها الحضاري وتحقيق غاية التنمية التي من شأنها تحسين مستوى المواطن في كافة مناحي الحياة التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالاضافة إلى تحديث قاعدة البيانات. ويعرف التعداد العام بأنه العملية الكلية لجمع وتجهيز وتبويب البيانات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة عن جميع مفردات قطاعي السكان والمساكن في قطر معين أو في أي جزء محدد منه دونما حذف أو تكرار، وتقييمها وتصنيفها وتحليلها ونشرها بأي شكل آخر وذلك عند نقطة زمنية محددة يطلق عليها المرجع الزمني لعملية العد. ومن المعروف أن التعداد العام للسكان والمساكن هو أضخم عملية إحصائية تقوم بها الدولة حيث يستلزم تعبئة موارد مالية وبشرية ضخمة لتوفير بيانات متنوعة تخدم اغراضاً إدارية وإحصائية وتنفيذية متعددة. وعند الحديث عن التاريخ السكاني لليمن نجد أنه لم يوجد إحصاء رسمي للسكان في اليمن خلال فترة ما قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر (62م - 1967م)، وفي ما بعدها وضعت تقديرات عن عدد السكان من جهات مختلفة، ومن أهم تلك التقديرات ما قامت به الأممالمتحدة للمحافظات الشمالية والجنوبية مجتمعة منذ بداية الخمسينات وحتى عام 1970م وقدر عدد السكان آنذاك حوالي 3 ر4 مليون نسمة، ولوحظ أن حجم سكان اليمن كان ينمو بشكل بطيء نتيجة لضيق الفجوة بين معدلي المواليد والوفيات. وفي أوائل السبعينات بدأ الاهتمام بالأوضاع السكانية في اليمن، وذلك بعد أن اجتاز المجتمع اليمني حقبة الستينات التي استهدفت تثبيت وإرساء دعائم الاستقلال الوطني وبناء مؤسسات الدولة الحديثة، وبدت الحاجة حينها ملحة إلى استحداث أساليب وخطط مبرمجة على أسس علمية وحديثة لدفع مسيرة النهوض التنموي للسكان وذلك من خلال البرامج الانمائية والخطط الاقتصادية والاجتماعية، وهنا كان لا بد من الوقوف على حقيقة الأوضاع السكانية ومعرفة حجم السكان وهيكلتهم وتوزيعهم ونوعية حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والصحة وخصائصه الأخرى من خلال الأرقام والمؤشرات الديمغرافية. ومن أجل ذلك بدأ الاهتمام في شطري اليمن الشمالي والجنوبي سابقا بإجراء التعدادات السكانية، وأصبح التعداد السكاني يجرى كل عشر سنوات في كلا الشطرين على السواء، فقد تم أول تعداد للسكان والمساكن في المحافظات الجنوبية عام 1973م وأحصى عدد السكان هناك ب (1590275) نسمة، بينما أجري أول تعداد في المحافظات الشمالية عام 1975م وأحصى عدد السكان هناك ب(6492530) نسمة، وبالتالي لوحظ ارتفاع عدد السكان في اليمن خلال الفترة من 1950 إلى 1975م، من 3 ر4 مليون نسمة إلى حوالي 8 مليون بزيادة سكانية بمعدل سنوي بلغ 9ر1%، ثم أخذ حجم السكان في اليمن في التزايد المطرد، وفي ثمانينيات القرن الماضي تم إجراء التعداد الثاني لسكان المحافظات الشمالية عام 1986م حيث بلغ عددهم (9274173) نسمة، وفي المحافظات الجنوبية أجري التعداد الثاني عام 1988م وبلغ عدد السكان هناك (2345266) نسمة، وقد لوحظ زيادة معدل النمو السكاني السنوي إلى 3 ر3 %. وبسبب الظروف الناجمة عن تهجير اليمنيين العاملين في دول الخليج العربي عام 1990م، شهد حجم السكان في اليمن نموا بشكل يفوق أي معدل نمو في أي دولة في العالم حيث بلغ هذا المعدل 6 ر5 % عام 90م أي أن الزيادة السكانية التي حدثت خلال أربع سنوات من 1986 إلى 1990م بلغت حوالي 5 ر2 مليون نسمة، كما أن هذه الزيادة السكانية استمرت بنفس الوتيرة أيضا خلال الفترة من 90م وحتى 1994م، فبعد توحيد شطري اليمن في 22 مايو 1990م وتثبيت دعائم الوحدة في العام 1994م تم إجراء أول تعداد عام للسكان والمساكن لجميع أجزاء اليمن في ديسمبر 1994م، وقد بلغ عدد سكان اليمن (14587807) نسمة، بمعدل نمو سنوي نسبته 7 ر3%. وبافتراض ثبات معدل النمو على هذا المستوى للسنوات الأخيرة فإنه يتوقع أن يتضاعف سكان الجمهورية اليمنية خلال 15 سنة تقريبا، ويعتبر هذا المعدل من أعلى المعدلات على الإطلاق مقارنة بالدول الأخرى. ويجري التعداد في هذه المرة وفق القرار الجمهوري رقم (219) لسنة 2002م بشأن إجراء التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت في العام 2004م في الجمهورية اليمنية، وحدد الجهاز المركزي للإحصاء لحظة الإسناد الزمني لعد السكان بحيث تكون ليلة العد يوم الخميس / الجمعة تاريخ 16/17 من شهر ديسمبر الجاري، ويهدف هذا التعداد إلى توفير بيانات دقيقة وشاملة عن : حجم السكان ومعدلات النمو، والتركيب النوعي والعمري، والتوزيع الجغرافي، والخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية، ونوعية ومستوى المساكن والمنشآت في الجمهورية، كما يوفر قاعدة بيانات لحساب مؤشرات الألفية الثالثة واستراتيجية التخفيف من الفقر، ويتوقع أن يصبح عدد السكان عام 2004 في الجمهورية اليمنية 1 ر21 مليون نسمة، بحسب تقديرات كتاب الإحصاء السنوي 2003م الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء. مركز البحوث والمعلومات (سبأ)