مع مرور كل يوم يتضح أكثر فأكثر أن هناك اطرافا ليست راغبة في حلّ سلمي يضع خاتمة للأزمة السياسية في لبنان، على العكس من ذلك فإنها تريد لحالة الغليان في الشارع اللبناني أن تتضاعف وتتصاعد لأطول مدى زمني ممكن في اتجاه العداء لسوريا حتى توجد بذلك مناخاً مواتياً لفرض سلسلة من المطالب على سوريا، ويرى كثير من المراقبين أن مطالب المعارضة اللبنانية تتقاطع بشكل كبير مع الإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق باستمرار التصعيد بغرض قطع الطريق على أي مسعى يمكن أن يؤدّي لتسوية سلمية مع الحكومة اللبنانية تنتقل بالوضع من هيجان الشارع إلى الحوار الهادئ. وهو ما يدفع إلى الجزم بأن هناك مخططاً لتفجير الأوضاع الداخلية اللبنانية بصورة تعيد إلى الأذهان الحرب الأهلية . ولعل من الطبيعي أن تؤدي جريمة بشعة بحجم جريمة اغتيال رفيق الحريري إلى تداعيات مقلقة، وإلى سقوط رهانات كثيرة، وإيقاظ فتن نائمة منذ سنوات. وفي الوقت الذي كان يترقب فيه اللبنانيون وغير اللبنانيين لمعرفة من يقف وراء عملية اغتيال الحريري جاء تقرير لجنة التقصي في اغتيال الحريري الذي قدمه رئيس فريق التحقيق الإيرلندي بيتر فيتزغيرالد إلى الأممالمتحدة ليثير المزيد من الشبهات الخالية من الادلة دون ان يحرز اي تقدم في موضوع التحقيق الاساسي. التقرير الذي يقع في عشرين صفحة لا يعطي الإجابة التي ينتظرها الكثيرون بلبنان وخارج لبنان عمن قتل الحريري، بقدر ما يركز حول الظروف التي صاحبت الحادث. ويستبعد أن يكون الحادث تم بعملية انتحارية وإنما يرجح أنه نجم عن سيارة كانت متوقفة على جانب الطريق وتحمل 1000 كلغ من المتفجرات، مشيرا إلى أن المتفجرات وضعت فوق الأرض وليس تحتها كما تردد في وقت سابق. ويشير إلى أخطاء ارتكبتها أجهزة الأمن عندما حركت حطام السيارة من مكانها الأمر الذي أعاق عمليات الكشف عن الجريمة. ويرى الكثير من المراقبين ان اللجنة لم تقدم في تقريرها أي تكهنات حول هوية منفذي عملية الاغتيال، ولكنها أوضحت أنه ربما تكون هذه العملية قد نفذت بعبوة متفجرة من مادة تي إن تي تزن حوالى طن.ولعل النقطة الاساسية التي يخلص اليها التقرير هو تحميل سوريا اولا والسلطات اللبنانية ثانيا المسئولية عن اغتيال الحريري، حيث اشار التقرير الى ان المخابرات السورية تتحمل مسؤولية أساسية عن غياب الأمن والحماية وسيادة القانون في لبنان. كما أشار إلى أن قوى الأمن اللبنانية تظهر "إهمالا معتادا" في أداء واجباتها الأمنية. وبدل ان يستند التقرير الى حقائق توضح هوية الجاني استند الى شائعات ترددت قبل اغتيال الحريري بأنه في خطر ولكن "لا أحد من الأجهزة الأمنية اتخذ إجراءات إضافية" لتوفير الحماية له على حسب ماورد في التقرير ، كما انه اتهم الأجهزة الأمنية اللبنانية بإزالة بعض الأدلة من مسرح الحادث وتزوير او تدمير أدلة أخرى بدلا من تأمين منطقة التفجير. وفي النهاية طالب التقريربإجراء تحقيق دولي حول اغتيال الحريري واصفا التحقيق اللبناني بالمعيب غير الموثوق به. وفي اطار ذلك جاءت ردود الفعل السورية واللبنانية ازاء التقرير الذي لا يستند على اية ادلة حيث وصفت سوريا التقرير بأنه منحاز بشكل سافر ويجافي الحقيقة وذلك لانه استمع إلى آراء جانب واحد بلبنان -في إشارة إلى المعارضة- ولم يأخذ في الاعتبار آراء باقي القوى السياسية الأخرى. كما اكدت سوريا أن الحريري كان حليفا لهامثل باقي الزعماء اللبنانيين مشيرة إلى الدور الذي لعبته قواتها في وقف الحرب في لبنان. وفي الوقت الذي أبدت فيه الحكومة اللبنانية استعدادها للتعاون مع توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية بإجراء تحقيق دولي للوصول إلى "الحقيقة" في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فقد شددت على أن تقرير اللجنة لا يمكن اعتباره قضائيا أو قانونيا فهو لا يتعدى كونه تقريرا فنيا. واعتبرت أن استنتاجات التقرير لم تكن مبنية على مستندات أو وثائق. وبشأن التوتر الذي ساد لبنان قبل اغتيال الحريري اكدت الحكومة اللبنانية إن قرار مجلس الأمن 1559 هو الذي دفع بالأجواء إلى التجاذب السياسي بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني. واضافت أن التقرير أشار بوجود ألف كيلوغرام من المتفجرات فوق الأرض لاغتيال الحريري وذكر بالتحديد أنه على الأرجح بسيارة مفخخة, على عكس من يروج بأن المتفجرات كانت مزروعة تحت الأرض. واضافت الحكومة اللبنانية أن السلطات الأمنية والقضائية ساهمت بشكل كبير في مساعدة اللجنة التي قال إنها تجاوزت مهامها كلجنة تقصي إلى القيام بعمليات تحقيق. ورفضت اتهامات التقرير لأجهزة الأمن اللبنانية بالفشل والتقصير في توفير الأمن لمواطنيها مشيرة إلى أن هذه الاتهامات بعيدة عن الواقع تتجاوز مهام اللجنة. و شبّه وزير السياحة اللبناني الشيخ وديع الخازن ا لتقرير بانه أقرب الى بيان سياسي شبيه ببيانات المعارضة اللبنانية منه الى تقرير امني حول الملابسات التقنية لجريمة الاغتيال. وأعتبر الخازن ان اول طعن بهذا التقرير السياسي الطابع جاء على لسان الامين العام الاممالمتحدة كوفي عنان بالذات الذي ارجأ صدور التقرير لبعض الوقت ريثما تعاد صياغة بعض فقراته. واشار الى ان هذا التقرير الذي اشترك فيه عشرات الخبراء الدوليين لم يعط جديدا حول كيفية وقوع التفجير الآثم.. لكنه اصاب حيادية المنظمة الدولية وموضوعية بعض موفديها مما يعني ان اللغط الدائر حول التحقيق المحلي سيدور ايضا حول التحقيق الدولي مشددا على ان هذا الامر لا يمكن ان يخدم الحقيقة التي ينشدها الجميع ولاسيما الرئيس اميل لحود. كما اكدت الحكومة اللبنانية ان القضاء اللبناني ليس لديه اي غضاضة في الاستعانة بخبرات دولية وقد طلب بالفعل من الحكومة السويسرية الاستعانة بخبراء في المتفجرات لكن الحكومة السويسرية وبعد ان وافقت على الطلب ابدت اعتذارها عن تلبيته وذلك بعد ان اتصل احد اطراف المعارضة اللبنانية بالسفير السويسري في لبنان وطلب منه عدم مد يد العون للقضاء اللبناني. وحول ما اذا كان التحقيق قد توصل الى معرفة الجهة التي ارتكبت الجريمة قال وزير العدل اللبناني انه في القضايا القانونية لايوجد افتراضات وانما أدلة تثبت الوقائع.. والجريمة المنظمة هي من أصعب الجرائم التي يعالجها التحقيق خصوصا وانه يجري التخطيط لها على درجة كبيرة من الاحتراف بحيث يمكن التحقيق من الوصول الى نقطة معينة يصعب عليه بعد ذلك تجاوزها. وردا على سؤال حول اسباب فشل القضاء اللبناني في معرفة جرائم اغتيال وقعت منذ العام 1989 قال وزير العدل ان التحقيق توصل في معظم هذه الجرائم الى معرفة الجهة التي تقف وراءها لكنه لايمكنه توجيه الاتهام الصريح لانه لايملك الادلة القاطعة التي تثبت الاتهام.وأكد وزير العدل اللبناني ان لبنان دولة تحترم قرارات الشرعية الدولية ومن ضمن حدود القوانين الدولية مؤكدا ان الحكومة اللبنانية لم تكن يوما ضد قرارات الشرعية الدولية لكن مأخذها على انتقاء قرارات معينة لفرض تطبيقها في الوقت الذي يجري صرف النظر على تطبيق قرارات أخرى. بينما وصف وزير الخارجية اللبناني محمود حمود تقرير لجنة تقصى الحقائق بانه تقرير فني وليس وثيقة قضائية وذلك لانه خلص الى استنتاجات سياسية وتقنية واستنتاجات شخصية. ويظل وراء السؤال المحير من يقف وراء اغتيال الحريري اسئلة كبيرة محيرة اهمها لبنان الى اين ؟ سبانت