مع إعلان دولة الوحدة سجل اليمن حضورا متميزا في محيطه الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي بعد أن ظل سنوات في ظل التشطير مغيبا عن لعب دور فاعل تجاه محيطه في ظل التحولات الخطيرة التي عصفت بالمنطقة والعالم ..ورغم التحديات التي استهدفت هذا الدور في أعقاب حرب الخليج الثانية فان السياسة اليمنية التي بدت مستوعبة لكل التحولات الجديدة نجحت في تجاوز الكثير من التحديات وتمكن اليمن من لعب دور إقليمي وعربي ودولي فاعل سعى بالدرجة الأولى إلى تفعيل العمل العربي المشترك وفق رؤاي جديدة للتكامل والشراكة وإعادة بناء البيت العربي المتداعي وتطوير آليات العمل العربي المشترك. واختار اليمن الجامعة العربية، باعتبارها التجسيد الرمزي للبيت العربي، ليطرح تصوراته بشأن إصلاح النظام الإقليمي العربي.واستطاع من خلال رؤيته الحريصة على أن تأتي مبادرته موحدة للأمة ومعززة لنظامها الإقليمي المتداعي، أن يقنع أشقائه باعتماد آلية جديدة لانعقاد القمم العربية تقوم على مبدأين أساسيين الأول يتمثل في دورية انعقاد القمة العربية التي اختير شهر مارس من كل عام موعداً لانعقادها في أحدى الدول العربية وفقاً لترتيبها الأبجدي.. وتمثل المبدأ الثاني في اعتماد نظام الأغلبية في التصويت عوضاً عن الإجماع. واكتسبت هذه المبادرة بعدها المؤسسي عندما قرر مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة اعتبارها ملحقاً باتفاقية إنشاء الجامعة العربية وجزء لا يتجزأ منها. ولم يتوقف جهد اليمن عند هذا الحد بل ظلت قضية تفعيل النظام الإقليمي العربي من أولويات السياسة اليمنية، حيث تقدم اليمن بمشروع لإصلاح النظام العربي اتسم بالموضوعية بين عدد من المشاريع العربية الأخرى. وجاءت القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر في مارس الماضي بقرار إنشاء البرلمان العربي الموحد الذي هو جزء من مؤسسات الاتحاد العربي الذي تضمنه مشروع اليمن ..وفي كل القضايا العربية المركزية كقضية الصراع العربي الإسرائيلي وقضية احتلال العراق، والقضايا القطرية، كالخلافات التي تنشأ بين دول الجامعة العربية تميزت المواقف اليمنية بالفاعلية وشكلت عامل تهدئة وساهمت في تجاوز الكثير من الخلافات بين دول الجامعة ، في حين اتسمت مواقف اليمن بشأن القضايا العربية المركزية بالكثير من الوضوح والقوة في التعبير عن المواقف وبدون مواربة. وواصل اليمن تأييده لنضال الشعب الفلسطيني في سبيل نيل حقوقه المشروعة وفي المقدمة إقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس. ومثل اليمن سنداً قوياً للشعب الفلسطيني في مراحل النضال المختلفة ، وهو ما تجلى ويتجلى في المواقف العملية وفي المواقف السياسية المعلنة التي تصدر عن مختلف المستويات الرسمية والشعبية اليمنية. وفي السياق كان موقف اليمن من الوضع في العراق منسجماً مع حرصه على وحدة هذا البلد وسلامة أراضيه حيث دعا باستمرار إلى خروج القوات المحتلة، والحفاظ على وحدة الشعب العراقي أرضاً وإنساناً، ومساعدته في التغلب على أزمته الحالية من خلال مشروع سياسي يحقق مصالح العراق الموحد وكافة قواه في ظل عراق موحد آمن ومستقر ومزدهر. إن مكانة اليمن الموحد، في محيطه العربي، بقدر ما عبرت عن نفسها من خلال نجاح مبادراته في إصلاح النظام العربي، عبرت عن نفسها أيضاً من خلال النموذج الديمقراطي في الحكم وفي إدارة شئون الحياة ، والذي مثل أهم ملامح اليمن الجديد والموحد. لقد ألهم اليمن بنظامه الديمقراطي ألتعددي الكثير من الدول العربية على انتهاج الخط نفسه، خصوصاً وأن أقطاب النظام الدولي الجديد لم يخفوا تقديرهم للإنجاز الذي تحقق في اليمن، وذهبوا إلى أبعد من ذلك في تقدير المكانة الريادية لليمن من خلال دعم المؤتمرات والمنتديات التي عقدت في العاصمة صنعاء واستهدفت خلق مزيدٍ من القناعات بتبني النهج الديمقراطي ألتعددي في المحيط العربي . وانطلاقا من ثبات الأوضاع الداخلية عملت اليمن على تعزيز شراكتها مع الدول المطلة على منطقة جنوب البحر الأحمر وإعطائها الأولوية الثانية في السياسية الإقليمية لليمن. وقدر لهذه السياسة أن تواجه أواخر العام 1995م اختباراً صعباً على إثر أزمة احتلال جزيرة حنيش الكبرى من قبل إريتريا، ولكن الرؤية الاستراتيجية لليمن إزاء هذه المنطقة الحساسة من العالم، استطاعت أن تحول تلك الحادثة من مناسبة للمنازعات وتأسيس الأزمات إلى مناسبة للحسم على أساس العدالة الدولية.. ولم تقلل تلك الحادثة من عزيمة اليمن لبناء شراكة إقليمية سياسية واقتصادية، بين دول منطقة جنوب البحر الأحمر، على أساس القيم التاريخية والحضارية والإنسانية التي يتقاسمها اليمن مع تلك الدول. وضمن هذه الرؤية أثمرت جهود اليمن في تأسيس تجمع صنعاء الذي وقعت عليه ثلاث دول هي اليمن، السودان، وإثيوبيا على أمل أن تنضم إليه بقية الدول بعد أن تتهيأ الفرصة المناسبة لها. ويمثل تجمع صنعاء صيغة أثبتت فاعليتها في تعزيز الشراكة بين دول التجمع على المستويين السياسي والاقتصادي، مع انعقاد ثلاث دورات على مستوى القمة فضلاً عن عدد من اللقاءات على المستوى الوزاري وعلى مستوى رجال الأعمال. وضمن هذا السياق تعزز دور اليمن في الإسهام في حل المشكلة الصومالية، حيث مثل حضور فخامة الأخ الرئيس الاحتفال الذي أقيم في العاصمة الكينية نيروبي في وقت سابق من هذا العام، بمناسبة انتخاب رئيس جديد للصومال، مؤشراً هاماً على المكانة التي يحظى بها اليمن لدى فرقاء الأزمة الصومالية، ولدى الراعيين الإقليميين لجهود حل هذه الأزمة. وجاء لقاء المصالحة الذي جمع الرئيسين علي عبد الله صالح والرئيس الإريتري أسياسي أفورقي في العاصمة صنعاء مؤخراً ليؤكد مرة أخرى حرص اليمن على بناء علاقات مثمرة مع شركائه في منطقة جنوب البحر الأحمر، وإزالة كل مظاهر التوتر في هذه العلاقات. مكانة دولية : لقد تظافرت العديد من العوامل التي دفعت باليمن إلى الواجهة الدولية وإلى تكريس دور متميز في إطار المنظومة العالمية.وإذا كانت الوحدة اليمنية قد جعلت من كيانين شطريين متصارعين كياناً وطنياً موحد الإمكانيات المادية والبشرية، فإنها أيضاً قد وفرت الأجواء الملائمة لإحداث التغيير المنشود على المستويين السياسي والاقتصادي .. ما قاد إلى أوسع عملية إصلاح سياسي واقتصادي في التاريخ اليمني . وقد فتح النظام الديمقراطي ألتعددي الباب واسعاً أمام حضور دولي ومكانة معتبرة على المستوى العالمي.. وليس مصادفة أن تستضيف صنعاء ثلاثة مؤتمرات هامة خلال خمس سنوات.. الأول كان في يونيو من عام 1999م حول الديمقراطيات الناشئة الذي انعقد بمشاركة رؤساء دول ومسئولين من 16 دولة من قارات إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وبحضور مراقبين من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا والأمم المتحدة.. ثم المؤتمر الإقليمي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية بمشاركة 620 يمثلون 52 دولة ومنظمة إقليمية ودولية بالإضافة إلى العشرات من منظمات المجتمع المدني . أما المؤتمر الثالث فقد كان المؤتمر الأول لرابطة مجالس الشورى والذي عقد في إبريل من عام 2004م بمشاركة 17 دولة عربية وإفريقية وأسفر عنه تأسيس الرابطة رسمياً واختيار اليمن مقراً دائماً لأمانتها العامة. وفي سبتمبر من العام نفسه عقد الاجتماع الأول لمسئولي الرابطة الذي أسفر عن انتخاب أعضاء الأمانة العامة وإقرار ميزانيتها السنوية..ولكن ثمة عامل آخر ساهم إلى حد كبير في تعزيز المكانة الدولية لليمن تمثل في شراكتها الدولية في المعركة التي يخوضها العالم ضد الإرهاب على قاعدة أن الإرهاب هو ظاهرة دولية لا دين لها ولا قومية ولا هوية. وتعززت مصداقية اليمن في هذه المعركة من خلال مواقفها الحاسمة في وجه عناصر الإرهاب، الأمر الذي جعلها من أوائل الدول التي استهدفت من قبل الإرهابيين وكانت من أوائل الدول التي استطاعت أن تحتوي خطر الإرهاب باستخدام القوة حينا واعتماد منطق الحوار الفكري في أحيان اخرى. لقد حظي اليمن بتقدير كل دول العالم..و عبر العالم عن هذا التقدير من خلال الدعم والمساندة اللذين قدمهما لليمن إبان مؤتمر باريس للمانحين وإبان انعقاد اجتماع نادي باريس، الأمر الذي مكن اليمن من تأمين غطاء مالي لدعم أحدث خططه التنموية. أما المظهر الآخر من مظاهر الدعم والتقدير اللذين حظي بهما اليمن من قبل العالم فقد تمثل في الدعوة التي تلقاها فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية للمشاركة في قمة سي آيلند للدول الثمان الصناعية الكبرى وكان اليمن بهذه المشاركة من بين دول قلائل حضر زعماؤها هذه القمة العالمية الهامة. إن دلالة هذه الدعوة لا تتوقف عند المشاركة بالقمة فحسب ، ولكنها تتعداها إلى الموضوع الذي أثارته والمتعلق بالإصلاحات في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت تلك الدعوة اعترافاً لا يقبل الجدل بالتقدم الذي أحرزه اليمن على صعيد الإصلاحات السياسية، ما جعل الدول الثمان تختار اليمن كواحدة من بين أربع دول عربية وأوروبية وإسلامية تدير الآلية التي سيجري من خلالها تحقيق رؤية العالم المتقدم للإصلاحات .