للجريمة أركان موضوعية بتحققها يصبح فاعلها مجرم يستحق العقوبة المقررة لها حسب القانون، وأركان الجريمة ثلاثة: الأول الركن المادي وهو الفعل الذي تمت به الجريمة، والركن المعنوي ويتعلق بقصد ارتكاب الجريمة، والركن الثالث هو الركن القانوني وهو النص الذي يجرم الفعل والذي بموجبه تتم الملاحقة والمحاكمة. وقانون العقوبات هو الشريعة العامة العقابية في أي دولة، فنصوصه تشتمل على الجرائم المتعارف عليها والتي تتعرض للمصلحة العامة والمصلحة الخاصة بالضرر أو بالخطر، ونصوصه تنطبق على الجميع بلا استثناء، وبدون تمييز، ودون النظر إلى مركز الجاني إلا ما استثني بنص خاص، وهذا الاستثناء نادر جدا. هناك جرائم لا يمكن أن تستثنى من القانون لأن استثناءها يفوت الغرض الأساسي من سن القانون ذاته، كجرائم القتل، فهذه مجرمة بنص كل القوانين في الدنيا، وعقوباتها الأشد من بين كل الجرائم، ولولا ذلك لكانت الحياة فوضى ولانتشرت تلك الجرائم بين الجميع ما يعني فوت مقصد الوجود البشري، وهو الاجتماع الآمن من أجل تحقيق متطلبات الحياة في إطار من التنظيم بين المصالح المتضادة. هذا من ناحية نظرية بحتة، أما من ناحية واقعية فللأسف الأمر مغاير تماما في الكثير من الأحيان، فنرى ونسمع انتهاكات قانون العقوبات جهارا نهارا ممن يملكون زمام السلطات في الدول، خاصة دول العالم الثالث، وما أحسب أن ترتيبها جاء إلا بسبب التفرقة بين النص القانوني وتطبيقه، بين المبدأ والمعاملة، بين محمد ومحمد. انتهاك قانون العقوبات يوجد في دولنا بأشكال مختلفة، تبدأ من المسؤول ولا تنتهي بأبنائه الذين يمكنهم أن يردعوا أو يشتموا أو حتى يضربوا من تسول له نفسه من المسؤولين الأقل مرتبة إذا فكروا أو حاولوا أن يطبقوا القانون. ما يحدث الآن في البلاد التي تشهد ثورات سلمية من الشعوب التي تطالب أن يكون لها موقعها تحت الشمس، تخبرك بأن القوانين في الدول لا علاقة لها بالحكام ومن حولهم، أو لا علاقة للحكام ومن حولهم بالقوانين، حتى وجدان المواطنين في بلادنا يؤمن بهذا الأمر، وقد استطاعت الطبقات الحاكمة أن توصل الشعوب إلى هذه القناعات وهي أن القانون تحت الحاكم وطبقته، بل هو يمثل عصاهم وسيفهم وسكينهم وكتابهم وقلمهم ولباسهم، لذلك هم يوغلون في دماء الشعوب وأموالهم بلا رادع ولا وازع من ضمير. ما نراه اليوم من جرائم بشعة تنتشر في الدول أكثر من كافية لأن تصم هؤلاء الحكام بأنهم مجرمون، بل هم من عتاة الإجرام الذين تتأصل في عقولهم فكرة القتل والبطش، وهكذا عقول حسب نظرية الخطورة الإجرامية لا حل معها إلا بالاستئصال. هذه جرائم، وهم مجرمون، وقوانين البلاد التي يجب أن تطبق سواء في ليبيا أو اليمن أو سوريا أو أي دولة أخرى من دولنا تعاقب على هذه الجرائم بالإعدام شنقا حتى الموت، والجرائم هذه إثباتها اليوم سهل، ووجدان القاضي لن يتوانى عن هذا الحكم وهو مطمئن إلى أن إعدام الرئيس يحقق أعظم هدف للعقوبة وهو تحقيق العدالة. في مصر نائب الرئيس المخلوع يشهد أنه كان على علم تام بما كان يحدث، وأن ما من جريمة قتل تمت إلا كانت بأمره الصريح أو السكوتي، وفي ليبيا يهدد الرئيس صراحة أنه قد يسلك الطريق الذي سلكته روسيا في تعاملها مع برلمانها عندما قصفته، وأمريكا لها حالات كثيرة من القتل، وبالتالي أصبح القتل لديهم من الأمور المألوفة، وفي اليمن يقصف السيد الرئيس قصر معارض بالدبابات، والحمد لله أنهم لا يملكون أسلحة نووية، وفي سوريا الوضع نسخة مكربنة مما يحدث. ما يحدث جرائم قتل تلحق صفة المجرم بالرئيس، وليس الرئيس هو فقط رئيس البلاد، ولكن الرئيس صفة لكل من يترأس على جمع من الناس قل عددهم أو كثر، وهذا يعني أن الجرائم التي عقوبتها الإعدام قد تصدر من رئيس الوزراء أو من الوزير أو من قائد وحدة عسكرية أو أمنية، أو كل من يحمل هكذا صفة. نحن نقول يجب أن يتم تغيير تفكير الفرد في البلاد تجاه استشعار أهمية تطبيق القانون، بل يجب أن يكون هذه الأمر أولوية، وأن نشهد في القريب العاجل الرئيس الفاسد يحاكم ويصدر بحقه الحكم المنصوص عليه في القانون، فإذا كانت العقوبة هي الإعدام فسأكون مسرورا جدا وأنا أشاهد الرئيس يتدلى من حبل المشنقة.