ما أسوأ وأقسى الشعور بالعجز عن التعبير عن احزانك واوجاعك..ان تسيطر عليك كتلة فقدان ثقيل يصعب عليك الأفلات من قبضتها. أن تتأكد بأنك لن ترى عزيزا الى ما لانهاية الوقت ،وان قدرك السيئ لم يوفر لك لحظة وداع ،وان تجد نفسك محاطا بجفاف تتقاذفك قساوته في فراغات. ما أسوأ ان يرحل احمد الرمعي الى مالا نهاية وأن تنطفئ دعاباته وتتوقف السيناريوهات التي يصنعها على خشبة الحياة اليومية.. ما أسوأ ان اعجز في التعبير عن كوني حزنت وفجعت وفوجئت بموت احمد الرمعي المكتض بالحياة والأمل والألم والحب والرغبة في الإسترخاء الآمن تحت سماء وطن يسوده العدل. كم يزداد الفعل "كان " نقصا وجلافة ووعورة عندما نضطر للبدء به للخوض في سيرة عزيز كأحمد الرمعي. في جلسات سريعة مع الرمعي يحضر السودان بشعره الحلمنتيشي وامكنته وتفاصيله ،وتطل الشام پأشجار الزيتون وبلاد الرافدين نخيلا وتنوعا ومواويلا حزينة .. تحضر الأفكار والصراعات والإيديولوجيات بسلاسة وتسامح وبساطة..ويغدو كل شيئ مرحا وطريفا ومضحكا. يفتح الرمعي الباب الخلفي للصحافة اليمنية بأوجاعها واخطائها وذكرياتها فيثير اشجانا وخبرة وقهقهات سخية .. يروي الرمعي حكايات احدهم ويخرجك من المشهد معجبا بهذا الشخص. لحظات التعب لا تمر دون ان ينتزع احمد الرمعي من قعرها ابتسامة تزهر مهما كانت شدة الجدب..يقتنص من كدرها مشهدا يطوي الوجع ولو لحين. ينقد بخفة ، ويغوص برشاقة الى اعماق الحكايات والأحداث وينتقي بروحه الأنيقة ماهو لطيف ويرفل بالنكتة. يواري اوجاعه بعيدا عن اعين وأسماع المحيطين به ،وفي غمرة التعب والإضطرار وحين تكاد خفة الروح تختفي يطلق العنان لها بقوله :"اليوم اندع بكية" ويقصد انه سيطلب من احدهم سلفة مالية بواسطة رسالة بالهاتف. المفاجأت تسلبنا القدرة على المناورة ،وتلقي بالتكتيكات بعيدا عن متناولنا ..تحبس الأنفاس والدموع وتخلط الإنفعالات وتحفر في الروح فجوة ندم غائرة. مازلنا نواصل الركض يا احمد بحثا عن امكنة مناسبة للطمأنينة وظل صالح لإلثقاط غفوة ومواصلة الحلم بالعدل والمساواة. في كل الجهات لصوص وطغاة ومتربصون يكرهوننا ،ونتعب في البحث عن مبرر لهم ..نفتش في اوجاعنا عن قبح ،وفي احلامنا عن خطايا وفي انفعالاتنا عن خطوط حمراء .. فنفشل في العثور على مبرر لأكوام الشر المدججون بها. حزنت وتعبت وركضت بما يكفي ،وقارعت الكآبة المفرطة بجواهر روحك المرحة ،وغرست في الأفئدة ورودا وحكايات ،وفجأة توقفت والحكاية لم تنته بعد يا احمد الرمعي.