لماذا نقول اننا دوما نتعلم من كل تجربة مررنا بها؟ نقول اننا نتعلم دروس وعظة، وفي الحقيقة نحن نكرر ذات الاخطاء وتلك التجارب ولم نتعلم دروسا الا اننا دوما نصبغ حوارنا بأن الحياة ماهي الا تجارب ،ودروس . وننقل تجاربنا ، لنعظ بها الأجيال التي تلينا، مع انهم في الأغلب لايستمعون، إذ هم يرغبون في خوض المغامرة والمخاطرة ،ويفشلوا مرة واثنين حتى ينجحوا،أو يغيروا بعض الحقائق لصالحهم،ويتفوقون على معلميهم . الإصرار المسبق والمبيت النوايا على التعلم من الدروس ، امر بغيض وشاق ،اذ يوقعنا في أخطاء متكررة، لأننا وضعنا النوايا بالفشل مسبقا. نحن نبيت مسبقا النية وبالتالي نفشل في التجربة،طالما حددنا هويتها،وبهذا ندور في حلقة مفرغة، لا تنتهي دون استدراك موضع المشكلة،مثل كثير من أمور الحياة المجتمعية او العملية اوالعلاقات الإنسانية. لقد خططنا مسبقا على أنها دروس الحياة، وبالتالي علينا الانتقال إلى مراحل اخرى لا تخلو أيضا من النوايا المسبقة للتعلم من التجربة اما بالنجاح او بالاستمرار في الفشل وغالبا مانخفق لاننا وضعنا نية التعلم ونية الدروس التي نحصدها بهدف رفع وعينا،ورفع وعينا ربما لايتوأم مع محيطنا ،فيحدث الاصطدام ، وهنا نرسم حدود العلاقات، ونقولبها ونصنفها بمستوى إدراكنا. ان واقع الصدمة بين التلميذ والمعلم، هو تفوق التلميذ دوما على المعلم. قد يتأثر التلميذ بمعلمه ويشغف به،كما كان افلاطون شغوف بسقراط، رغم اختلافهم فلسفيا ،فسقراط يميل للتجريبي،وافلاطون للعقلاني، وعندما اعدم ديمقراطيو أثينا سقراط بتهمة إفساد الشباب، كتب أفلاطون في كتابه( الجمهورية) ان الديمقراطية هي المسؤولة عن موت سقراط وان الديمقراطية أسوأ الأنظمة بعد النظام الاستبدادي. وقد اثر رأي أفلاطون لعدة قرون، وهنا يتعلم التلميذ أفلاطون بسبب موت معلمه درسا عن الديمقراطية لسبب ونتيجة، ومع رأيه المجحف والمتحيز والشخصي، احتاجت الديمقراطية لقرون لتتعافى من هجومه،وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية حيث نمت الديمقراطية في الغرب، وأصبحت نموذجا يحتذى به،وبعدد المعلمين والتلاميذ تنامت واستمرت في هذه الدول . استلهمت الروائية التركية أليف شافاق ،في سيرتها الذاتية، حليب اسود، ،فكرة تعلم الأمومة او عدم الإنجاب من دروس الروائيات وزوجات روائيين في ازمنة مختلقة، وقد وضعت خلاصة تجربتها في الأمومة والنسوية من خلال وجهات نظر كتاب في القرون والأزمنة الماضية في انتقاصهم من عدم قدرة المرأة في ان تكون أم وروائية ، مع أنها تعيش في عصر تمارس فيه المرأة حق الإختيار، الا انها كشفت ان النظرة للمرأة حتى هذا الوقت لم تتغير كثيرا، من المجتمع،ومن المرأة ذاتها عندما التقت الروائية عدالت أغا أوغلو التي تفيض بالعرفان الى زوجها انه تفهم عدم رغبتها في الإنجاب، وأن الكتب اطفالها، وحتى لقائها كان لقاء المعلم والتلميذ حسب وجهة نظر اوغلو، ومحاولة فهم نسوية اليف، التي تحطم صنمها، وهي تتجادل مع الحريم الاصبعيات الماكثات في أعماقها على اختلافهن الثقافي والعلمي والتصوفي(الحريم المتناقضة في فكر اليف ) ، وقد أسقط الحب صنم النسوية في فكر إليف، ورغم أن المعلم (عدالت اوغلو) اوغرت صدر إليف نحو التخلي عن الإنجاب، وان لم يكن حوارا صريحا ،لم يلق التلميذ(أليف شافاق) بال للدرس، وانجرفت إليف في الحب، وبالمثل انجرفت نحو الأمومة، وهذا ما اعتبرته علامات او رسائل من الله . وربما تجربة إليف شافق في الأمومة أدخلها في حالة اكتئاب الا انها وضعت في كتابها صراعها بين النسوية والأمومة، فكر النسوية، فكر الذكورية، تجارب اديبات،تجارب نساء ضحن لاجل أزواجهن الأدباء، رحلة بين التلميذ والمعلم والمعلم والتميذ،في الحياة العامة بين ظهر الباخرة تعلمت من العشرينية ربة البيت والام والحامل، ومن أوراق مالك شركة الشهاب للتسويق، التي طلبتها للتو ،عندما فتشت في حقيبتها ولم تجد قصاصة ورق لتدون بيان الفتاة العازبة الاحتجاجي على أنها ترفض الالتحاق بالحريم بعد المشاهدة المتأملة في العشرينية التي بدت بدينة وهي تجلس ملاصقة لها،واكتشفت انها لم تكن بدينة عندما غادرت المراة وأطفالها الباخرة انها حامل،واعتبرت هذا الامر علامة ، كما تكتشف ان شركة الشهاب الذي دونت على ورق الشركة بيان الفتاة العازبة، ماهي الا شركة إنتاج ماتحتاج اليه الأمهات والأطفال حديثو الولادة ،وتشاء الأقدار ان تحتاج إليف للشركة عندما تشتري مضخة حليب الكترونية وقت إصابتها بالاكتئاب مابعد الولادة ،هنالك تدهش من العلامات ،وتعلمت اليف، الصبر من صيادي السمك،فهم لايلاحقون السمك ،بل ينتظرون يوما كاملا ، حتى تأتي السمكة إلى الطعم ، ومن عدالت اوغلو فرض رأيها وان عليها التخلي عن الأمومة كما هي تخلت، ومن تجربة تولستوي مع زوجته صوفيا المضحية بطموحها الأدبي والعملي لترى روايات تولستوي النور، لقد كانت صوفيا على مدى سنين طويلة اما وزوجه لاغير، واما اسهامها في إرث تولستوي الادبي لم يلق الاهتمام ،الا ان الأعوام الأخيرة بدات النظرة تتغير إليها بوصفها كاتبة يوميات وامرأة مثقفة ومديرة اعمال ،لديها أحلام غير متحققة. وسيبقى الجدال بين المتغير والثابت،والقديم والجديد،والتقليدي والحديث هو مانعبر عنه بالدروس او المعلم والتلميذ على مر العصور ،و سمة من سمات الثقافات الفلسفية والمجتمعية والعلاقات الإنسانية،ولن نكف عن تلقي الدروس في كل مراحل حياتنا،ومن كل مايحيطنا من بشر وطير وشجر وجماد ومن كل مخلوقات الله، كيفما كانت المسميات.