انهارت قواها وهي تتمتم بترتيلة الوداع المصحوبة بالدموع الغزيرة وقد احست بتثاقل كفها وعجزها على التلويح لحبيبها المختفي في سواد الناس المغادرين لمطار صنعاء الدولي في حين كان محمد ينظر من نافذة الطائرة للمدينة وهي تصغر في عيناه ليكتم حزنه وسخطه الذي أجبراه على مغادرة اليمن والمخاطرة بالعودة لسوريا . هكذا هي الدراما اليومية في مطار صنعاء حيث يغادر كل يوم عشرات الطلاب عائدين إلى سوريا بعد خيبة الأمل الكبيرة في وعود الشرف وتعهدات الحكومة المتكررة بحل مشاكلهم وإعادة ابتعاثهم للدراسة في دول بديلة أو في الجامعات اليمنية والكليات المتناظرة مع تخصصاتهم . غادر الطلاب صنعاء بحثاً عن الحظ في الوصول إلى جامعاتهم بالسلامة واستكمال فصلهم الدراسي الذي تخلفوا عنه في أروقت وزارة التعليم العالي منتظرين للحلول إلا ان الحل الوحيد الذي تمكنت الوزارة من إنجازة هي قرارها بالتخلي عن مسئولياتها تجاه الطلاب وترحيلهم لسوريا بعد أخذ تعهدات تخلي مسئوليتها في حال حدوث مكروه لهم . لم تعد الوعود بالأشياء الصعبة إذ يطلقها المسئولون بإسراف - هكذا قال أحد اقارب الطلاب وهو يودع ابنه الوحيد مع عبارات الدعاء المختلطة بالشتائم للمسئولين ،في حين كان عامر شاحب الوجه إثر سهره الطويل تلك الليلة في الحديث مع اصدقاءه في الفس بوك والجمل الحزينة التي بعثها لهم مودعاً وطالباً للسماح من رفاق عالمه الافتراضي . عاد الطلاب ادراجهم من وطناً لم يتغير فيه شيئ اللهم إلا الأسماء التي تنوعت والوجوه الغير مألوفة للشباب والممسكة في المناصب العليا بالدولة الجديدة أو نظام الوفاق الحاكم كما يطلق عليه شباب الثورة . يقول الطلاب أن الحكومة أظهرت إصرار غريب على عدم سفرهم أشعرهم بالثقة التي ما لبثت أن تلاشت عند اكتشافهم حرص الحكومة على تذاكر رحلات الطيران المجانية التي استغناء عنها البعض وغادروا على نفقاتهم الخاصة . في رحلة العودة التي يتهرب المسئولين في الحكومة من تحمل نتائجها تبحث ألاف الأسر عن بهجت العيد التي غدرتهم مع قريباً انطلق نحو مستقبله غير أبه بالنتائج والعواقب ،فالموت مرة في سوريا أسهل من الموت ألف مرة في أروقت الوزارات والمكاتب الحكومية في اليمن الجديد. . قال أحد الطلاب ممن وصل إلى سوريا في الأسبوع الماضي عبر رسالته في الفس بوك "أنه في منزله دون طعام أو شراب منذ يومين فالوضع غير مستقر بالقرب منهم واصوات الانفجارات لا تكاد تتوقف حتى تبدأ من جديد ،إلا انه قال " اشعر بالراحة النفسية أنا وزملائي فقد أرحنا الرئيس ووزير التعليم العالي والحكومة عناء حل وضعنا ومشكلتنا وأعفيناهم من تحمل تكاليف ابتعاثنا لدول أخرى ، لكن نتمنى أن يتقو الله في أهلنا الذين غادرناهم وغادرت السعادة معنا ". انتهاء حديث الطالب ليتسأل أحد الناشطين في يمانيو المهجر بقوله "هل يعي رئيس الجمهورية والحكومة والوزير درساً من شعور الطلاب بالمسئولية تجاه وطنهم في حين تتخلى الدولة عنهم وتتنصل من واجب الحماية والأمن والأمان التي هي ميثاق الشرف بين الحكومات والشعوب .. والتساؤل الذي يطرحه الراحلون كوصية في رحلة الا عودة : هل تعود على اليمنيين أياماً تتحمل الحكومة مسئولياتها بدل أن يتحملها شباب في مقتبل العمر ؟ هل عرف وزير التعليم العالي ورئيس الجمهورية والحكومة حجم التضحيات التي يبذلها الشباب منذ اطلاق الثورة حتى أوصلوهم على مقاعد عاجية لا يحركون ساكناً في قضيت هي أبسط من مجرد التفكير في حلها إن كان للشيوخ الأفاضل بعض الضمير ؟