لا شك ان الحرب المسعورة التي قادتها السلطة على حرية الكلمة مؤخراً كانت بمثابة إنقلاباً على ما تبقى من الهامش الديمقراطي وقرار غير معلن بالتراجع عن خيار الحرية ومثل التعامل والتعاطي اللامسئول مع الحراك والمطالب الحقوقية في المحافظات الجنوبية إنقلاباً على الوحدة التي قامت على الشراكة وعلى التعددية وعند إنقلاب السلطة على الوحدة بما تمثلة من عظمة والديمقراطية والحرية أعتقد أنها أعفت نفسها من مهمة حضارية تفرضها تبعات الإيمان بالنهج الديمقراطي وأن سوى ذلك يعفي التاريخ أيضاً من أي مسئولية في التطرق لمرحلة هامة من تاريخ شعبنا كانت الأزمات والصراعات عنوانها العريض ومثل الإقصاء والتهميش وتفشي ورعاية الفساد أهم سماتها والتراجع الثقافي والفكري وغياب المشروع الوطني أبرز ملامحها . لطالما تحدث فخامة الرئيس عن الوحدة والديمقراطية وأعتبر الأخيره منجزاً هاماً والتزاماً ونهجاً وطالما تغنى فخامته بالحرية والتعددية الحزبية وتفاخر بها أمام الجميع وكم هي المرات التي تطرق الى هذه النعمة كما يقول وعند التأمل في حديثه والمقارنه بالواقع سنجد أن هُناك بوناً شاسعاً بين القول والفعل وما كان متاحاً تناوله في فترة من الفترات أصبح اليوم ممنوع التطرق اليه وكأن الديمقراطية والحرية التي حلت علينا لم تكن إلا سحابة صيف سرعان ما تنقشع مهما حاولنا الإعتقاد بها والإيمان بتواجدها وبقدر ما يزداد نظامنا عمراً يزداد جهلاً وتخريفاً وإستبداداً وظلماً فينقلب على عنفوان شبابه وزهو بداياته الأولى على عكس الأنظمة المماثلة التي كلما أزدادت عمراً زادت نضوجاً فعادت الى جادة الصواب وتخلت عن مشاريعها الفاشلة وقرارتها الخاطئة فحاولت الإصلاح من إعوجاجها ولم تشعر بالخجل عند إعترافها بفشل توجهها السابق رغم أنها تجد من المبررات والمسوغات للمرحلة الجديدة ما يجعلها إمتداداً لمرحلة الثورة رغم الإختلاف بين المرحلتين وفي بلادنا يحدث عكس ذلك تماماً فالنظام ينقلب على إنجازاته ولا يتواني في دراسة خيارات التراجع عن قرارات قال عنها البعض أنها أتخذت في لحظات تجلي وساعات سليمانية لا توصف . لا أدري ماذا سيترك نظامنا الحالي من إنجازات وإيجابيات نتحدث عنها ونعطيها حقها من التناول والتباهي ونتفاخر بها وماذا سيترك النظام الحالي للأجيال القادمة لتتوقف عنده من إنجاز وهل هُناك إنجازاً حقيقياً يتناسب مع كل معايير الجودة التي تؤهلة للمنافسه للدخول الى ذاكرة التاريخ والإنجاز الذي يستحق ذلك لابد ان تكون أهم شروطه هو دوامة أو على الأقل الحفاظ عليه ممن صنعوه وما يحز في نفسي اليوم هو أن هُناك إنجازات تحققت في عهد الأخ الرئيس تتعرض لمخاطر جمه والعجيب أنها تتعرض لتلك المخاطر في نفس عهد الرئيس كالوحدة التي طالما تغنينا بها وطالما كانت بمثابة فخر وعز لكل يمني ها هي اليوم محل تنازع وإختلاف بل ويُنقلب عليها بعد أن كانت محطة إجماع الجميع ومع الوحدة كانت الديمقراطية كنهج والتزام فهي الأخرى تشهد تراجعاً كبيراً فحرية الرأي تتعرض اليوم لإنتهاكات جسيمة والصحافة تعيش أسوأ أيامها بعد أن كان النظام يزهو بها ويعتبر التعددية وحرية الرأي في اليمن إنجاز ومشروع يضاف الى إنجازاته وطالما تباهى بها أمام دول الجوار فكادت صنعاء أن تتحول الى كعبة أخرى يحج اليها كل عشاق الحرية والديمقراطية لولا التغيير الدراماتيكي الذي طرأ على الساحة ودون سابق إنذار ففرحة الوحدة لم تكتمل ومع مشاهد المظاهرات والمواجهات مع الأمن في أكثر من مدينة بالمحافظات الجنوبية تيقن الكثيرين من المراقبين والمهتمين أن ثمة أمراً غريباً يحدث ..؟ وأن الوحدة التي كانت بمثابة الأله المقدس ومصدر إلهام للجميع لم تعد كذلك وأيضاً الديمقراطية والحرية هي الأخرى تعرضت صورتها للإهتزاز والشكيك ومع مشاهد إغلاق الصحف وحبس الصحفيين والإعتداء عليهم تهاوى ما كان النظام يُفاخر به وعادت الى مربع الشعارات والدعايات الإنتخابية فلاحرية في الواقع وعندها تأكد الجميع بما لا يدع مجالاً للشك أن الوضع في اليمن يتجه نحو الأسوأ فأزدادت إسطوانة النظام شرخاً وتزعزعت ثقة الأشقاء والأصدقاء به . لم تعد هُناك شراكة في القرار وفي الحكم فالوحدة صناعة طرف واحد وبه تحققت والحرية والتعددية أصبحت منه ومكرمة من القائد الأوحد وأصبحت الديمقراطية رهينة التقلبات المناخية والمزاجية عند البعض في الحاكم ولا يجد إحراجاً في إنتزاعها أي وقت شاء والتهديد بالعودة قليلاً للوراء أي قبل التعددية والحرية . هكذا ينقلب النظام على إنجازاته ... ويظن بذلك أنه يحافظ عليها كما يتوهم مستشارية فبذريعة حماية الوحدة أعتقل المئات وقتل العشرات وباسم الوحدة أيضاً نهبت أراضي عدن ولحج وأبين وكممت أفواه وأختطف أبرياء وسرح الآلآف من الجيش وطرد الكثير من وظائفهم وبأسم الوحدة والثوابت الوطنية أغلقت الكثير من الصحف وحوكم الكثير من رجالاتها في مسلسل لم ينتهي حتى اللحظة ولا أدري ماذا تبقى من نجاح حتى نتحدث عنه ونشير اليه بأصابع اليد فأينما وليت وجهك وأينما أتجهت فثمة فساد وثمة خلل وأزمة وتأزم ومهما حاولنا تجميل هذا النظام فأفعالة من القُبح والأثر لا تدع مجالاً للتحسين ولا تصلح معه عمليات جراحية . ألا أجدها فرصة لدعوة قد أكون على علم بإجابتها مُسبقاً أوجهها لرئيس الجمهورية والذي يقع على عاتقه الحفاظ على ما تبقى من الهامش الديمقراطي وإعادة الإعتبار لدولة الوحدة وعدم تكريس الإنفصال بمشاريع تلتف عباءة الوحدة وترك دعم الفساد والمفسدين نكايةً بالمعارضة فطالما كانت بوابة التاريخ مفتوحة لقادة ورجال عرفوا الحق فأتبعوه وعرفوا الباطل فأجتنبوه ونهوا عنه ولم يخافوا في ذلك لومة لائم .