دعوني أبدأ من الكلمة الأولى في عنوان المقال، فبعضهم ينسب الثورة إلى نفسه منهم من يتواجد في اليمن والبعض الآخر يرتبطون بهم ولكن من الخارج ومن عواصم عربية وأجنبية والآن نبدأ بموضوع الطير بجناحين ، فثمة مشاعر إحباط في الآونة الأخيرة أزعم بأني أرصدها بدقة وبمتابعة حثيثة عبر كل سبل التواصل المتاحة فيما لا يعكسها الإعلام وإن كانت تتسلل من بين خيوط الأخبار لمن يدرك ذلك ويتقن قراءة ما وراء السطور . ولماذا أذهب بعيداً فاتصالي المباشر بعديد نشطاء أساسيين ومؤسسين للثورة من الشباب ومايعكسونه من مشاعر إحباط وصلت حد عض الأصابع بحسب تعبير أحدهم تكفي لأن أؤكد الحالة التشاؤمية التي تهيمن على موقف الثورة في الوقت الراهن وربما على المدى المنظور ، ومرد ذلك عدد من العوامل أبرزها ذلك العامل الذي ذهب بعضنا بل كثيرون إلى إنكاره ونفيه في باديء أمر الثورة والمتمثل بأن اليمن ليست كتونس ومصر وهناك تمايز كبير ونوعي وعلى مختلف المستويات المحلية والخارجية ، فليس بجوار تونس ومصر كابوس اسمه السعودية وليس لديهم جنود حُمر يتوزعون الأدوار بين سلطة ومعارضة وليس لديهم نسخة شوهاء للأخوان المسلمين وليس لديهم لقاء مشترك وليس لديهم مشائخ مرتهنين يستلمون رواتبهم وأوامرهم من استخبارات الرياض وليس لديهم حزب ناصري يسعى في ذكرى التصحيح للشهيد الحمدي الذي قتله علي صالح –بحسب شقيق الشهيد- إلى تبرئة القاتل والبحث له عن ضمانة من الملاحقة القانونية فضلا عن قيامه بمجزرة بحق الناصريين الحقيقيين الذين لا تُعرف لهم مقبرة حتى اللحظة . الثورة الشبابية علينا أن نعترف بأنها مخترقة وأن ماحدث مما أسمونه رافدا للثورة بانضمام العسكر والمشائخ وخاصة المرتهنين للرياض وانضمام قيادة المشترك لم يكن سوى رافد إجهاض لا عامل إنهاض ، فلا العسكر حموا الناشطات والناشطين الشباب ولا القبائل حموا المقرات الحكومية والوزارات ، ولا حزب الإصلاح اوقف حملاته التكفيرية والتمييزية وملاحقته للناشطين وسيطرته على المنصات واستحداثه لمقرات تحقيق واستجواب وسجون خاصة فوق وتحت الأرض . ثمة أجنحة تتجاذب الثورة الشبابية من كل جانب ولكن دعونا نتحدث اليوم عن جناحين يبرزان في معظم ساحات التغيير والحرية إن لم يكن في جميعها ، ويبرزان بجلاء في عدم انسجام المواقف أو القيام بالأخذ بزمام مبادرة من طرف واحد تارة على نحو بريء وأخرى بطريقة رد الفعل، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، اقترحت حركة خلاص اليمنية إطلاق تسمية جمعة الوفاء لصعدة على الجمعة التي تلت جمعة الوفاء للجنوب والتي كانت جمعة ناجحة سياسيا وميدانياً وإعلامياً ، وتم تعميم الاقتراح عبر كل السبل وكنت مشرفاً وبصورة شخصية على هذا التعميم ، وتركنا المسألة لاستقراء نتائج الاقتراح ومدى ماسيلقى من قبول أو رفض من قبل الشباب وبالفعل وبعد أيام على الاقتراح فوجئنا وفي عملية تفاعل ايجابي بقيام المجلس الإعلامي للثورة بإعلان تسمية الجمعة " الوفاء لصعدة "، واستبشرنا خيراً ، وما إن دنت الجمعة حتى فوجئنا بإسم آخر ينافس الإسم المعلن ألا وهو "جمعة الحسم" ، وكانت المنافسة على أشدها ورشح ذلك حتى على مستوى الإعلام الخارجي ، ففيما أصرت قناة الجزيرة وقناة العربية على تسمية الأخوان المسلمين وحزب الإصلاح جمعة الحسم ذهبت قناة البي بي سي وقناة العالم الفضائية باتجاه التسمية الأخرى للشباب وهي جمعة الوفاء لصعدة والحق يقال أن الغلبة كانت لأصحاب "الحسم" بالمعايير الحسية وفخامة إمكاناتهم وكأنهم سلطة والجناح الآخر معارضة .. الشيء ذاته تكرر مرة أخرى هذه الجمعة ففيما أعلن المجلس الإعلامي للثورة تسمية الجمعة ( كلنا أبين ) وفاءا وانتصارا لهذه المحافظة المنكوبة من قبل السلطة وأتباعها الجهاديين المتطرفين وصنيعتها من عناصر مسلحة لا تعرف هذه المحافظة لهم من قرار ، ذهب الجناح الآخر إلى العمد نفسه وتسمية الجمعة ب "الشرعية الثورية" ، والظريف في الأمر أنني لم أسمع أحداً تحدث عن الشرعية الثورية وفندها بطريقة تخدم الثورة أو حتى تخدم المصطلح نفسه الذي استهلك في الأيام القليلة الماضية بصورة تذكرنا باستهلاك المشترك لمصطلحات قديمة كانت تجود بها "المقايل والتخازين" فتستهلك ردحاً من الوقت لتأتي سواها وهكذا ، ونخشى على الثوار أن يقعوا في نفس المأزق فلازلنا نعتبر بأن المشترك محسوب عليهم لا هم محسوبون على المشترك والحديث هنا موجه للشباب المنتميين لأحزاب المشترك ، ولشيخ المشترك ( حزب الإصلاح ) . وبالرغم من التحديات الكثيرة التي تواجهها ثورة الشباب اليمني وجلّها تحت تأثير الملهم الخارجي والسعودية تحديداً إلا أن هذه التأثيرات لا تزال تصطدم بحائط الإصرار والصمود الملحمي العظيم الذي يقدمه شعبنا في أروع لوحة تاريخية ، وآخر الإحباطات بالنسبة لهم كانت في تبني الشارع شعار "الشعب يريد مجلس انتقالي" وإصراره عليه كإصراره في السابق على شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ولهذا فإن الشارع يشكل أهم محبط لكل المؤامرات ، ولذلك تراهم يضربون خبط عشواء ، ولا يعرفون ماذا يريدون ، ونتيجة خشيتهم من مجلس انتقالي شرعي تراهم يبحثون لعبده ربه عن شرعية في ثنايا دستور علي صالح (الأخرق) ، إنهم لايريدون أن يروا كابوس المرحلة الانتقالية التي تستند على الشرعية الثورية وهي بالمناسبة –أي الشرعية الثورية- شرعية مبدئية وليست قانونية مما يعني أنها مقدمة إلى الشرعية الدستورية التي ينبغي على المجلس الثوري بلوغها خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق عليها . ثورتنا إذاً بجناحين كما يتضح مما سبق إلا أنه – وعلى عكس الحالة الطبيعية- لا يُراد لها الطيران والتحليق ، وإنما يُراد لها أن ( تطيييير !!) .. والحليم تكفيه الإشارة !!. [email protected]