سأتفق مبدئيا مع الصحفي محمد العلائي الذي يبدو مشدوداً في رسم معالم الطريق الأسلم لنجاح الثورة اليمنية بواسطة جسر اللقاء المشترك.. أتقف معه في البديهة التي تقول أن "أحزاب المعارضة، لمن لا يعرف، هي مكون أصيل من مكونات النظام السياسي الذي نطالب بإسقاطه. وهي الآن تقوم بدورها الطبيعي في قيادة التحول والتغيير من داخل النظام نفسه وليس من خارجه. مع إن الإصلاحات التي من المنتظر إجراءها ستكون جوهرية على نحو لا جدال فيه، وربما ستؤدي إلى تبديل شبه كامل لشكل النظام القائم". مع ذلك فلا يمكن أن نغفل الجانب السلبي المتهرئ الذي استخدمته قوى اللقاء المشترك خلال مسيرة الثورة الشبابية ابتداء بالسيطرة والتحكم بالمنصات، وانتهاءً بمنع أي تصعيد ثوري من قبل الشباب في الساحات. قبل أكثر من شهر وعدت المعارضة السياسية بالحصول على مواقف جيدة من الأطراف الدولية والإقليمية ذات الصلة بالشأن اليمني.. وطلب المتحدث باسم اللقاء المشترك السيد محمد قحطان من شباب الثورة عدم التصعيد مقابل تغيير مواقف دولية وإقليمية لصالح الثورة من شأنها المساعدة في نقل السلطة لكن أياً من تلك الخيارات لم يحدث بل ازداد الموقف تشويشاً وإحباطاً وزاد المشهد اليمني أكثر بؤساً وإنسانية. أكتفت المعارضة حينها بالبيانات السياسية الرعناء، والتنقل من قناة إلى أخرى للتحدث للعالم نيابة عن الشباب، ولم تكتفي بذلك فقط؛ بل أقعدت الشباب في الساحات ومنعت من أي تصعيد من شأنه أن يحول دون التحول السلمي النموذج حد وصفهم. مشكلة قوى المعارضة الحقيقية التي يجب أن نفطن إليها، هي أنها أشد تعقلا، وفي نفس الوقت أقل تحركا وتنقلا بين الدوائر الخارجية لتوضيح القضية اليمنية للرأي العام الإقليمي والدولي، باستثناء التحركات الشخصية التي يجريها كلا من النائبين البرلمانيين علي حسين عشال وعلي محمد المعمري اللذين شرعا في تحركاً سياسياً مكثفاً بدآه الشهر قبل الماضي لحشد الدعم الأوروبي السياسي للثورة اليمنية وتنوير صناع القرار في العواصم الأوربية بالمخاطر المحيطة بثورة التغيير في اليمن والعقبات التي تقف في طريق انتقال السلطة سلميا. أما قوى المشترك فهي على ما يبدو منتظرة لعملية سياسية مخملية لنقل السلطة بموافقة قوى الحكم والمؤتمر الشعبي العام، لأنها تهاب تأسيس مرحلة جديدة من الحكم على أنقاض عهد علي صالح بفعل رهاب غير مبرر لديها حيال المس بحكم صالح.
تجتهد قوى المشترك في الحصول على صيغة سياسية من شأنها أن تخرجها من مأزق الحسم الثوري، ولذلك يبدو التحرك البطيء لبدء مشروع المجلس الانتقالي واضح جدا، وإنما كان مجرد رسالة سياسية للعالم الخارجي فقط ليس إلا.
يصر المشترك على عدم إسدال الستار على حقبة صالح عبر مجلس انتقالي وشرعية ثورية، ويسعى للوصول على الصيغة السياسية سهلة التكاليف؛ ولكنها تغفل أنها تواجه حاكماً من سابع المستحيلات أن يوافق على تنحية نفسه عن الحكم بأي صيغية سياسية أيا كانت بنودها، كيف لا وهو المهووس بالسلطة ولن يحجم عن ارتكاب إبادة جماعية دفاعا عنها. ولعل كلمته الأخيرة التي ظهر فيها من جناحه الملكي في المستشفى العسكري بالرياض أدل حقيقة على أن الرجل لا يقبل بالخروج بأي طريقة أو صيغة سياسية سلمية. دعوني أوضح لكم حقيقة.. وهي أن ثمة قلق يستبد بالساحات، وثمة مخاوف تواجه شبابها وأسئلة كبرى تؤرقهم، ويبدو السياسي في الوقت ذاته كما لو أنه غير معني بالتوضيح لهذا القلق وتلك المخاوف. يُقلق الساحات تلك الجرأة الدامية التي تعمل بها قوات أبناء الرئيس وأبناء أخيه في مواصلة مشروع "حمام الدم" الذي كان علي صالح قد تنبأ به في لقاءه بلجنة الوساطة من العلماء ومشايخ القبائل.. ويُقلق الساحات ذلك الدور السلبي المتهرئ الذي تتعامل به قوى اللقاء المشترك مع شباب الثورة وكذلك مع العمل السياسي بشكل عام. قبل أيام ألقت القوات الأمنية القبض على القيادي في اللقاء المشترك السيد حسن زيد وهو في طريقه إلى أداء العمرة في بيت الله الحرام حسب إدعائه، وكأن الرجل لا يوجد شيء يشغله سوى متابعة أعماله التطوعية والتفرغ للعبادة واستقبال شهر رمضان الكريم. وقبل السيد حسن زيد كان قياديون آخرون قد يمموا نحو عواصم عربية وغربية، بعضها طلبا للشفاء من وعكات صحية وأخرى قدمت شعائر تعبدية، وقدمت أوراق طلب اعتمادها وكيلة عن ثورة الشباب، ومتحدثة باسم ساحات التغيير حسب وصف الكاتب أحمد الشرعبي في مقالهٍ له عن "نوافل السياسة".
هذا يكشف لنا حجم المعاملة السيئة التي يتعامل بها قادة اللقاء المشترك مع ساحات وشباب التغيير، يتنقلون بين الدول ويؤدون الفروض والنوافل والسنن وليس لنا معهم مشكلة في ذلك، لكننا نود أن نوجه لهم مجرد سؤال بسيط: ماذا حققتم للثورة حتى تذهبوا للعمرة قبل موسمها، وتطلبون العلاج من الوعكات الصحية البسيطة من عواصم الدول الأوربية؟ كنا سنقدر لقادة المشترك دورهم فيما إذا تنقلوا بين الدول والعواصم طلبا لدعم ثورة الشباب وتأليب الرأي العام لمساندة ثورة الشباب كما يفعل كلٌ من عشال والمعمري منذ أكثر من شهر. أما أن يطلب المشترك من الشباب عدم مواصلة التصعيد الثوري ويطلبوا منهم مدة محددة للوصول إلى حل سياسي يرضي الجميع، وتمر الأيام وتتجاوز المدة أكثر من شهر، ويُخرج لنا المشترك مولودا كسيحاً في مشروع قائمة مبدئية لمجلس انتقالي كسلاح تهديد فقط، وتهدئة للساحات ولا يبدو عليهم أي نية لفعل ذلك.
رحلات السادة قادة المشترك وتنقلاتهم المريحة تبدي عورا واضحا في مسيرة عرقلتهم للساحات الثورية، كان الأجدر بهم أن يتركوا الأمر للساحات ويجعلوا أنفسهم مجرد مراقبين للوضع ويستخدموا أسلوب التوجيه والتوعية فقط كما فعل غيرهم في مصر كدليل بارز، وسيعلمون أن الشباب لهم القدرة في الحسم بأقصر الطرق وأسلمها. وبعدها سيستلمون مقاليد الحكم بأقل الخسائر ولن ينازعهم فيها أحد!
يتناقل المتكلمون على القنوات الفضائية المختلفة ويهيمون بأن النظام قد سقط وولى من غير رجعة، وأن لا وجود لأي شرعية سوى الشرعية الثورية وأن النظام سقط وسقطت كل أدواته، وحين يسألهم مقدم البرنامج عن الوضع الإنساني في اليمن؟ يُقيمون الأرض وما يقعدوها بأن النظام يفرض عقوبة جماعية على الشعب اليمني من خلال قطع الديزل والبترول والكهرباء، وقلما يستدرك أحدهم بكلمتي "بقايا النظام".
ادعائهم أن النظام سقط قد يكون حقيقة، ففي محافظات الجوفومأربوتعزوأبين وغيرها من المحافظات، سقطت السلطات المحلية كلية، وفر المحافظون وتركوا الساحة خالية من ورائهم، وبدلا من مبادرة قوى المعارضة إلى الإمساك بزمام الإدارة والتحالف مع القوى المؤثرة في تلك المحافظات للإمساك بزمام الأمور؛ بدلا من ذلك تركت المعارضة الأمور إلى أن آل الحكم في الجوف إلى فراغ وفوضى وفي مأرب إلى عصابات مسحلة مدعومة من النظام، وفي تعز إلى السلطات العسكرية النظامية. أما أبين فقد سيطرت عليها أعداد قليلة من المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة. نتيجة لذلك؛ تحجم الفعل الثوري في مختلف الساحات، وبدأ القلق واليأس يضرب في قلوب المعتصمين ولن نُخفي أن كثيرا منهم شدوا رحالهم مع أن قلوبهم ما زالت في مخيماتهم. ولذلك عجزت المعارضة في التعامل مع النتائج التي حصدها تصعيد الساحات المتمردة على الدليل الإرشادي لنشاط الساحات أو غير المتقيدة كثيرا بتعليمات المعارضة السياسية كمحافظة صعده أبرز مثال، حيث فر محافظ صعده فأمسكت جماعة الحوثيين ورجال القبائل بالحكم المحلي مباشرة وجرى اختيار فارس مناع محافظا دون تسجيل حادثة فوضى واحدة. ماذا لو تعاملت المعارضة مع محافظات تعزوأبينوالجوفمأرب بتلك الطريقة التي استخدمتها جماعة الحوثي؟ أظن أن نصف المساحة الجغرافية كانت في يد سلطات المعارضة. وهو الأمر الذي اعترف به حسن زيد في لقائه مع أسبوعية الشارع بالأمس الماضي السبت حيث قال" مشكلتنا- يقصد المشترك- أننا لم نحاول أن نُكرر، أو نُعمم، التجربة الحوثية الموجودة في صعده، وبعض المحافظات التي حققت الأمن وقدمت الخدمات بدون أي تعارض".
تجلت حالات كثيرة من الحسم الثوري ابتداء بجمعة الكرامة، والانشقاقات المتتالية، وسقوط بعض المدن، وأخيرا حادث جمعة أول رجب في جامع النهدين، وكلها حالات كان الفعل الثوري بيده القدرة على المباغتة والحسم الثوري السريع؛ ولكن المعارضة تعاملت مع كل الحالات الأنفة الذكر وغيرها بتعامل بطيء وتغافل وتخوف غير معقول، ولذلك غابت عن المعارضة المغامرة الإيجابية وتجريب الحل الثوري.
سأُضيف فائضا من الشك والريبة من الدور السلبي الذي لعبه المشترك على صعيد الممارسة السياسية المتعلقة بالثورة، إلى فائض الكاتب الصحفي جمال أنعم ..لأن المشترك توقف عند باب مسدود، وكل ما لديهم: المبادرة الخليجية، وما في يدهم منها شيء، فقط هم منتظرون ويتطلعون برجاء إلى "فايرستاين" بأكثر مما يرجون من الثورة، هكذا يختم جمال. وأنا أختم بأن على المشترك أن يراجع طريقة تعامله مع الثورة كمفاوض بالنيابة، أو وكيل حصري، وعليه أن يعي المردود السلبي لتأخر نجاح الثورة اليمنية، عليه أن يفك جموده السياسي العتيق، ويترك الراية للشباب ويساعدهم في رفعها حتى تتحق أخر مطالب الثورة وتعود السكينة إلى قلوب الناس، ويحفظ الله اليمن.