كلنا نحب أصدقاءنا الطيبين، ونعتبر طيبتهم ذخيرة الصداقة أن تبقى حية ومتواصلة طوال حياتنا، ولولا طيبة الأصدقاء لفقدنا الثقة في هذه الرابطة بين بني البشر، ولا تزال الصداقة هي رباط الحياة أو هي شكلها المتأصل الباقي بين البشر، والطيبة سند أصيل للاطمئنان فيما بيننا البعض، ومن خلال هذه الثقة نبوح ونتبادل الآراء والقصص والحكايات المخبوءة والمغطاة لسنوات ونقول أسرارنا بلا خوف ولا وجل، ونحكي تفاصيل حياتنا بلا قلق كما لو كنا نتكلم مع أنفسنا، بل إننا نشعر براحة كبيرة بعد أن نحكي ما لدينا، وليس بالضرورة أن يكون الهدف بحثا عن حلول. لكن الطيبة وحدها لا تكفي، لا تتعايش الطيبة مع الحماقة، ولا تتوافق الطيبة مع الغضب، ولا تكفي الطيبة مع قلة المعرفة، ولا تكفي الطيبة مع قلة الصبر، فصفات أخرى قد تفسد على الطيبة المتأصلة بالآخرين علاقاتهم، ومهما كنت طيباً فالنوايا وحدها لا تكفي، إذ يجب أن تتحلى بصفات أخرى تجعل من الطيبة أساساً، وغيرها فروعاً وافرة من ظلال تحيط بك. كيف نتعايش مع إنسان حسن النوايا ومملوء بطيبة الروح لكنه أحمق ويتصرف بطريقة مليئة بالأخطاء؟ وكما قال الشاعر: «لكل داء دواء يستطب به= إلا الحماقة أعيت من يداويها». فقد تغفر لهذا الصديق طيبته في بعض الأخطاء، لكن الناس لا تغفر كل شيء وأي شيء، وقد نتحمل مرة واحدة، أو عشر مرات، لكن لا يمكن لأحد أن يتحمل مئات المرات، أو طوال العمر. وقد نحب هذا الشخص وهو بعيد لطيبته، لكن ما إن يقترب حتى تصبح الطيبة عبئاً ليس منها بحد ذاتها بل بسبب صفات أخرى تسيء إليها، فقد تكون مع الطيبة عصبية تسيء إلينا جميعاً، فنكره هذه الطيبة ويسيء صاحب الطيبة لنفسه ولنا بسبب هذه الطيبة اللا متناهية لكنها مخلوطة بما يعكرها! الطيبة صفة وحيدة لا تكتمل جماليتها لوحدها، وهي صفة لازمة لصاحبها تتعدى إلى الآخرين بكونها لا تسيء لهم لكنها لا تمنحهم أفضلية، ولا تكتسب صفة الكمال إلا بالصفات الأخرى، أي الصفات الإنسانية الأخرى وهي الصفات المتعدية للغير كالكرم والإخلاص للآخرين والمساعدة والصبر على الآخرين في وقت شدتهم. إن أي شخص يتمتع بالطيبة، عليه أن يدعمها بصفات التعايش الأخرى كالحكمة والصبر والتعلم مع الآخرين، يتعلم من حسناتهم ومن سيئاتهم، يتعلم من صفاتهم الإيجابية وصفاتهم السلبية، قدرته أيضا على التعايش مع الآخرين والإيثار والكرم، تلك الصفات التي تجعل من الطيبة جنة سلوكية مع الصفات الأخرى، وتجعل منه إنساناً متكاملاً يطمع الجميع أن يكسبه كصديق، أما إذا فشل فإن الإجابة المنطقية هي: أن الطيبة وحدها لا تكفي، ولا يمكن أن تغفر الذنوب أو الزلات في بعض الأحيان. نحب هذه الصفة لكنها لا تكفي مطلقاً لعلاقة قريبة وحميمة ولطيفة.