بخلاف الجرائم المادية التي يُعاقب عليها القانون، هناك جرائم من نوع آخر نقترفها ببساطة وأحياناً بمتعة وسادية. جرائم ليست مادية لكنها معنوية قاتلة وأكثر بشاعة وفظاعة فالكلمات الجارحة كالسلاح المدمّر والغدر كالسكين المسنون والتلاعب بمشاعر الآخرين ذنباً لا يقل سوءاً ودونية عن باقي الذنوب والرذائل الأخلاقية . كلنا يعلم أن السجون تمتلئ بمجرمين ارتكبوا جرائم مادية بعدما قُتلوا معنوياً ربّما آلاف المرات . بعضهم تعرّض للتشويه النفسي في مرحلة الطفولة، ارتكبها في حقهم أقرباء وأصدقاء تفنّنوا في أساليب الظلم أو الجرح والإهانة. البعض لا يُجيد التعامل مع هذه المشاعر السلبية والطعنات المعنوية التي تُوجّه إلى ظهورنا كما إلى كرامتنا وكبريائنا لكننا حتماً نتجاوزها بكثير أو قليل من الألم ثم لا ننساها. مثل هذه الجرائم تُؤدّي بالأطفال إلى عقد نفسية يصعب علاجها لاحقاً وبالمراهقين من ذوي الشخصيات الحسّاسة إلى الانتحار وبالبالغين الى الموت البطيء يأساً ومرضاً. كثيراً جدّاً ما تقع أفعال لا تدخل ضمن أفعال الجريمة المنصوص عليها بالقانون، لكنها في واقع الأمر تُحقق الأثر الإجرامي نفسه فمن يقتل الآخر معنوياً أو يُجرّح كرامته بطريقة متعمّدة قد يتسبّب بصدمة نفسية عنيفة تُؤدّي أحياناً إلى الوفاة . وما الحجود والنكران الذي يتعرّض له الوالدان بطريقة مؤذية وهو ما حدث لإحدى الأمهات مؤخراً حينما تركها ابنها طريحة الفراش بلا عناية إلى أن سكنت الحشرات فمها وما الخيانة التي تعصف بالعشّاق والأزواج إلا شكل من أشكال القتل المعنوي خاصة ذلك الذي يقوم على إنهاء الضحية بالمعاناة النفسية التي تسبّب أمراض نقص المناعة فتُؤدّي تلك الأمراض القاتلة إلى إنهاء حياة الضحية بنوع من أنواع القتل المعنوي الذي لا يقع بأسلحة بيضاء إنما باستمرار المعاناة النفسية. ترى ما الذي يمنع تجريم هؤلاء الجناة الذين يتقنون الإيذاء النفسي خاصة تلك التي تقع في ميدان العمل لموظفين تعرّضوا بسبب ضغط العمل للوفاة. وهو تماماً ما قام به البرلمان البريطاني بإنشاء جريمة القتل المعنوي أو الاعتباري أو Corporate Manslaughter لتجريم حالات الوفاة التي تقع لموظفين بسبب ضغط العمل ما قد يُعدّ خطوة إلى الأمام في تجريم أفعال خطيرة تُسبّب إزهاق الأرواح وحتماً القوانين في مجتمعاتنا تحتاج إلى إضافة بعض الجرائم المعنوية باعتبارها من الجرائم المؤدّية إلى الوفاة مع العمل على دعم وسائل الإثبات. فهل يحدث وننظر بجدية أكبر إلى اثم هؤلاء ليكونوا مجرمين ليس في نظر المجتمع فقط بل والقانون أيضاً ؟