حاوره : سلمان الحميدي من حركاته تعرف كم هذا الرجل متوتراً، فهو يشوِّط غرفته ذهاباً وإياباً للبحث عن حلول لقضية من القضايا، أو متحدثاً بهاتفه الخلوي مع أُسرةٍ ما لديها ابن مختطف في سجون الأمن القومي. «الأهالي» التقت المحامي عبدالرحمن برمان وأجرت معه حواراً حول القضايا الحقوقية والقانونية الراهنة.. * أولاً لنبدأ من دار الرئاسة، ما موقع المعتقلين أو المختفيين قسراً على ذمة حادث جامع النهدين، ما موقع هؤلاء من أنشطة الحقوقيين؟! - كنا نتلقى بلاغات حول أشخاص مفقودين ومختفيين لكن المفاجأة أتت من أهاليهم حين علموا أن أبناءهم مُعتقلون على ذمة أحداث دار الرئاسة، عدة أشهر وهم لا يعلمون أين أولادهم إلا بعدما أُعلن إحالتهم إلى النيابة الجزائية المتخصصة بتهمة أحداث جامع النهدين. كُنا نتابعهم ضمن المختطفين والمعتقلين المنضوين تحت شباب الثورة ولم تكن لدينا أي معلومات بأنهم مخطوفون في دار الرئاسة إلا بعد أن أُحيلوا إلى النيابة حيث وجدنا الأسماء ووجدنا بلاغات موجودة عندنا.. * كم عدد المختفيين على ذمة أحداث دار الرئاسة؟! - ثلاثون معتقلا أحيلوا جميعاً إلى النيابة وهناك أيضاً مهدية النوفي ووالدها كانوا رهينتين وتم اعتقالهم لقرابتهم بمؤذن جامع الرئيس، وأعتقد بأن هناك معتقلين آخرين ربما أفرج عنهم وربما لا. * بما أنك ذكرت مهدية النوفي (زوجة مؤذن دار الرئاسة) التي أطلقت السبت المنصرم، كيف تعاملتم مع هذه القضية خصوصاً وأنها مُختفية مع والدها ما يُقارب من ستة أشهر. - أكثر من نصف سنة، اعتُقلت في 17/6/2011م وأُطلقت في 28/1/2012م، طيلة هذه المدة كانت لدى جهاز الأمن القومي الذي رفض الاعتراف بأنها موجودة لديه، تواصلنا مع منظمات إنسانية دولية حاولت أن تتدخل لدى السلطات اليمنية أو أجهزة الأمن من أجل الإفراج عنها خصوصاً جهاز الأمن القومي ولكنه رفض التجاوب مع كل هذه النداءات التي وجهت لهم.. كُنا أيضاً أرسلنا مُذكرة يوم أمس إلى النائب عبده ربه منصور هادي طالبنا فيها بسرعة الإفراج عنها والتحقيق في قضية الاعتقال.. كان في عهد الأئمة ما قبل ثورة 26 سبتمبر يأخذ الأئمة رهائن ولكن من الرجال واليوم أجهزة الأمن والاستخبارات تجاوزوا حتى الأعراف والقيم للمجتمع اليمني واعتدوا على النساء واعتقلوهن كما اعتقلوا الأطفال وهُدِّد الناس بأبنائهم ونسائهم أيضاً.. نحنُ نتلقى بلاغات في هذا الجانب: استخدام المرأة والطفل كأداة من أدوات الضغط إما لاعتقال أشخاص أو لإخراج أشخاص.. * علي أي أساس تم الإفراج عن مهدية النوفي؟ وهل يُمكن أن تعود إلى السجن مرةً أخرى؟ - لا أعتقد بأنها ستعود إلى السجن، والإفراج عنها جاء بعد إيصالها اليوم (السبت المنصرم) إلى النيابة الجزائية المُتخصصة وفُتِح محضر معها بعد انتهاء المحضر تم الإفراج عنها.. لا أريد أن أخوض ما ذُكر داخل المحضر لأننا ملتزمون بقرار النائب العام بعدم نشر مُجريات التحقيق وهذا التزام قانوني والتزام أدبي وأخلاقي وإن كانت وسائل الإعلام التابعة لأسرة علي عبدالله صالح قد سارعت بالإساءة إلى موكلينا ونشرت أسماءهم قبل أن ينتهي التحقيق وأصبحوا أمام المجتمع مذنبين قبل أن يتم التحقيق أو المحاكمة. * ظروف اعتقال مهدية النوفي، ممكن توضح لنا ظروف اعتقالها؟ - تم اعتقال مهدية في 11/6 من بين أطفالها (4 أطفال)، وجاء عاقل الحارة متعهداً بأن تذهب لقسم الشرطة وتعود بعد نصف ساعة لكنها أُخذت مع والدها كرهائن.. والدها عمره 70 سنة مصاب بالضغط وتم نقلهم إلى الأمن القومي وهناك انقطعت أخبارهم.. أنا التقيت مهدية في النيابة العامة ولم أتحدث إليها كانت نفسيتها مُتعبة جداً مع والدها، وكانوا فرحين بشأن الإفراج وينتظرون السيارة التي ستُقلهم إلى بيتها، كانت تبكي وتدعوا لمن أفرج عنها -والله إننا بكيت- عندما رأيتها تبكي وتدعو لخاطفيها «طبعاً العاطفة من غرائز الشعب اليمني». النيابة العامة لم تجري أي تحقيق..طلبنا منهم التحقيق مع الشخص المنتمي للأمن القومي الذي قام باختطافها وهو شخص معروف. المعلومات التي توفرت لدينا أنها كانت في زنزانة انفرادية تحت الأرض وأبيها في زنزانة أخرى وكانوا لا يسمحون لها بالدخول إلى الحمام.. مُسجل عندنا أن عمرها 35 سنة والله العظيم أني عندما رأيتها لم أعرفها ولم يدر ببالي أنها بذاك العمر: لقد أصبحت وكأنها في عمر من 50 إلى 60 سنة «سبعة أشهر في السجن بعيدة عن أولادها وكأنها عشرون سنة». عندما عرفت بأني المحامي المكلف بمتابعة قضيتها أول سؤال سألتني عنه: أين هم أولادي؟ كثيراً من السجناء يُخبرونهم بأخبار سيئة عن أهاليهم ليسببوا لهم إرهاقاً نفسياً. * هل فتحتم خط تواصل مع الأمن القومي أو المخولين بالاعتقال للإفراج عن المعتقلين المتهمين بتفجيرات دار الرئاسة وغيرهم؟ - يضحك.. الأمن القومي لا يتفهم أحداً، الأمن القومي يرى بأنه فوق الأمن وفوق وزارة الداخلية وفوق القضاء وفوق المنضمات الحقوقية والإعلام، لا يتفهموا أي شيء هم فقط ينفذوا ما تصلهم من أوامر وبصورة بشعة تتم الاعتقالات، وحتى الآن لم يوجد أي تفهم لأي قضية من القضايا الموجودة لدى الأمن القومي الذي لا يتعامل مع منظمات مدنية ويتعامل فقط مع مرؤوسيه، ويُعتبر جهاز الأمن القومي هو من يمارس أبشع الانتهاكات في اليمن. * هل عندكم إحصائية كم عدد المعتقلين هناك من شباب الثورة؟ - هناك إشكالية في موضوع الإحصائيات، فالإحصائيات الموجودة معنا متواضعة أمام الواقع الموجود لأنه لا يتم تسجيل الأشخاص إلا من نجد معلومات كاملة عنهم. تلقينا ما يقارب 2500 بلاغ هذا العام بما يتعلق بالاعتقال، ولكن أعتقد أن العدد أضعاف هذا بكثير، وطبعاً تم الإفراج عن كثير من هؤلاء ال2500 بمتابعة المنظمات الحقوقية ومتابعة المحامين المتواجدين في الساحة الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن المعتقلين، عن الثوار، ولكن أحياناً هؤلاء الناشطون يتلقون بلاغ الاختطافات بعد ستة أشهر من الاعتقال، هناك كثير من الشباب المعتقلين من الساحة من الأرياف لا تستطيع أسرهم بأن تبلغنا فيظلوا في المعتقلات لشهور وأحياناً لا نعرف عن اعتقالهم إلا بعد أن يخرجوا، وتقديراتي أن يكون هناك من بداية الثورة من 7 آلاف إلى 10 آلاف شخص في معتقلات النظام من شباب الثورة.. * هل تتحدث عن شباب الثورة في صنعاء أم في جميع المحافظات؟ - أكثر الاعتقالات في صنعاء وبقية المحافظات الاعتقالات نادرة وفي حال اعتقال أفراد في بقية المحافظات يتم الإفراج عنهم سريعاً على خلاف ما يحدث في صنعاء. في صنعاء مثلاً في 1810 في مذبحة القاع تم رصد أكثر من 400 حالة اعتقال كان العدد مهولاً جداً، في صنعاء هناك خصوصية مهمة في تلك اللحظة، كان في ذهن أجهزة النظام بأن المحافظات كلها قد سقطت في أيدي الثوار ولم يتبق إلا صنعاء فكان هناك استماتة للحفاظ على منطقة السبعين فاستخدموا الأسلحة الثقيلة ضد المعتصمين واعتقلوهم وعذبوهم، كان هناك انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان رصدنا الكثير منها وموثقين لها. سما حوارات * صالح خرج بضمانة دولية تعفيه عن جرائمه، لماذا لم يخرج المعتقلون على اعتبار أن ذلك كان في عهد نظام سابق ونحن الآن في عهد جديد؟ - أولاً شباب الثورة ليسوا مجرمين حتى نحتج بقانون الحصانة، هم أصحاب حق مظلومون فلماذا لا يخرجون ويتم محاكمة من قام باعتقالهم؟ الأمر الآخر بالنسبة للمعتقلين على ذمة أحداث دار الرئاسة هؤلاء لازالوا أمام النيابة ولازالت القضية قيد التحقيق، وهذا القانون قانون الحصانة هو انتهاك لحقوق الإنسان وخرق لدستور الجمهورية اليمنية وقانون الجرائم والعقوبات اليمني وللمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن، وبالتالي نحن لا نحتج بهذا القانون ولا نريده خصوصاً عند الدفاع عن شباب الثورة، وبالنسبة لدار الرئاسة نحن تقدمنا للدفاع عن المعتقلين في دار الرئاسة لأنهم لا تهمة لهم والنيابة باشرت بالتحقيق دون محامين والقانون اليمني لا يجيز التحقيق مع المعتقلين إلا بوجود محامين خصوصاً في الجرائم الجسيمة.. نحن نعرف أن علي صالح هو الخصم.. كان لابد من أن نتطوع في هذه القضية ونرجو أن يظهر الجناة الحقيقيون ويمثلوا أمام القضاء. * بما أن علي صالح هو الخصم كيف تقرأ الضمانة التي جعلته يغادر خارج البلاد؟! - لا يوجد تداخل، نحن كناشطين لا نعترف بها وإن كان السياسيون رأوا بها مخرجاً للبلاد لكن نحن كناشطين في حقوق الإنسان يجب علينا الالتزام بالمبادئ. * هل يمكن أن تقوم منظمة دولية برفع قضية ضد صالح واحتجازه خارج حدود البلد؟ - أعلنت المنضمات الدولية أنها ضد هذا القانون (يقصد الحصانة) وأنها ستسعى إلى إلغائه وملاحقة كل من ارتكب جرائم إنسانية، كل يوم تعلن هذه المنظمات وعلى رأسها هيومن رايس ووتش ومنظمة العفو الدولية وهذه من كبرى منظمات حقوق الإنسان في العالم، بل إن مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تؤكد على ذلك.. * دعنا نعرج قليلاً على جمعة الكرامة: الظاهر أن هذا الملف الشنيع يختفي تدريجياً.. لماذا؟ - حدث تواطؤ كبير وتآمر على ملف جمعة الكرامة، كانت القضية تمشي في مسارها الصحيح عندما كان عبدالله العلفي (النائب العام السابق) يجري التحقيقات ويشرف عليها بنفسه وكان هناك دفع قوية بتحريك الملف إلى القضاء، لدينا آلاف القضايا متعلقة بالثورة ومجرياتها لم يقدم إلى المحكمة سوى جمعة الكرامة. ولسبب أنهم أرادوا أن يُصدروا حكماً يُبرئ علي صالح لأن العالم كله اتهم علي صالح بارتكاب هذه المجزرة وأصابع الاتهام اتجهت نحوه والدليل على ذلك إنه مؤسسات الدولة كلها تساقطت عقب المجزرة عندما أدركت أن علي عبدالله صالح هو من ارتكب هذه المجزرة حتى قيادات من المؤتمر الشعبي العام انضمت إلى الثورة عندما أيقنت أن رئيس النظام ورئيس المؤتمر الشعبي العام هو الجاني، الكل كان يريد إحالة الملف إلى القضاء بأقصى سرعة قبل حتى أن يُجر ى تحقيق جدي لتتضح صورة القاتل الحقيقي للجميع. ولأنهم أرادوا تبرئة صالح قاطعنا جلسات المحاكمة وخلال الجلستين السابقتين اضطرت المحكمة إلى إيقاف الجلسات المتعلقة بجمعة الكرامة على أمل أن يأتي قضاء يمني نزيه ونستأنف القضية.. * بمعنى أن القاتل طليق في هذه المرحلة.. - قد يظل القاتل طليقاً ولكن العدالة ستأتي حتماً.. * متى..؟! - عندما تتحقق أهداف الثورة، عندما يأتي القضاء اليمني النزيه، الآن القضاء مخطوف، كل ما في الأمر أن هناك أمنيين يديرون القضاء اليمني. * ما موقف النائب العام من جمعة الكرامة؟! - منظومة القضاء العامة (وليس النائب العام وحده) موقفها سلبي من جمعة الكرامة.. حدث تلاعب كبير. حتى النيابة العامة لو جاءت وحققت تحقيق جدي أجهزة الأمن لا يوجد عندها جدية في القبض على الجناة. لدينا 137 مُتهما في قضية جمعة الكرامة وردت أسماؤهم في التحقيقات، النيابة قدمت 78 والبقية لم يُقدموا.. * لماذا؟ - لأن أسماءهم مش كاملة، واحد موظف مع المحافظ ولا تستطيع أن تأتي باسمه.. كان هناك تواطؤ من أجهزة الأمن، تواطؤ من الأجهزة القضائية، تواطؤ من النيابة العامة، كان هناك تواطؤ على دفن قضية الكرامة، وإصدار حكم تبرئة لعلي صالح وأسرته من هذه التهمة. * البعض يتهمكم بأنكم تُبالغون في نقل الحقيقة؟ - نحن لا ننقل إلا جزء قليلاً من الحقيقة، أتمنى أن يأتي هؤلاء الأشخاص معنا ليوم واحد، نحن لا ننقل إلا جزء يسير من الحقيقة، هناك أساليب بشعة تتم في جهاز الأمن القومي لانتزاع الاعترافات ونحن لا نتحدث عن هذه الأساليب حفاظاً على مشاعر أهالي السجناء