هناك الكثير من المنظمات والهيئات الاقليمية والقومية والقارية والدولية التي مثل إنشاؤها استجابة لظروف واوضاع اقتضتها مصالح واستدعتها ضرورات فرضت نفسها على مجموعة الدول الأعضاء في تلك التجمعات التي تضيق وتتسع وفقاً للقواسم المشتركة فيما بينها، فاذا مابدأنا من النطاق الأقرب مجلس التعاون الخليجي الذي كان قيامه مطلع الثمانينات كان خطوة ايجابية بالنسبة لمصالح اعضائه الستة كونه لبى موجبات مواجهة الظروف الناشئة في تلك الفترة وحقق نجاحات في التعبير عن مصالح هذه الدول اسهم فيها الى حد كبير الوجود الجغرافي وتقارب الاوضاع الاقتصادية والمعيشية ناهيك عن وحدة العادات والتقاليد كمكون ثقافي مشترك، لكن بقاء المجلس على صورته تلك عند تأسيسه لم يعط مسيرة تطوره البعد الذي يواكب المتغيرات في تأثيراتها المختلفة على هذه الدول سواءً من حيث بنيته المؤسسية أو اتساع حجمه ليستوعب بقية دول منطقة الجزيرة والخليج، لاسيما وان توجه كهذا يستجيب سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأمنياً لمصالح الجميع في هذا الاقليم الحيوي من العالم والذي مستقبل ابنائه مرهوناً سلباً وايجاباً بالاتجاهات النابعة من صيغ تطويرية واعية لطبيعة التحديات والاخطار واضحة الملامح في الاحداث التي شهدتها المنطقة في سنوات عقد القرن الماضي الأخير ومطلع هذا القرن، التي مازالت اتجاهاتها وابعادها ليست واضحة المعالم ومواجهتها يوماً عن يوم تزداد جلاءً، كون مايحدث مجابهته تعني الدول الست وفي قدرتها التعاطي مع تداعياته وتجاوز مخاطره بشكل معزول عن المحيط الجغرافي الاقليمي، وانضمام اليمن الى بعض مؤسسات مجلس التعاون الخليجي يعد بارقة أمل لم يكتمل لمعها، لنقول أن ما أصبح مدركاً في وعي قادة دول المجلس قد أخذ طابعاً عملياً يتلاءم مع طبيعة المرحلة التي فيها مصالح كل دول منطقة الجزيرة العربية والخليج. واذا انتقلنا الى مجال أوسع واكثر تداخلاً فان الجامعة العربية تعتبر في هذا السياق المنظمة الأشمل في أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية وفي تعبيرها عن الوحدة الديموغرافية والسكانية المجسدة في الانتماء القومي العربي لشعوبها، لكنها وجدت في مكوناتها محدودة الفعالية والتي يمكن إرجاعها الى ظروف النشأة فكانت فضفاضة أهدافها تعبر عاطفياً عما يجيش في نفوس أبناء الأمة محتوية الشعور القومي الذي حينها بدأ يكتسب مساراً ايجابياً ربما اذا استمر مع الاوضاع الناشئة في ذلكم الحين تؤدي الى نشوء تجمع عربي اكثر عملية في تمثله للمصالح العربية ولعل المسار الذي أخذته الجامعة العربية في عقدي الخمسينات والستينات مؤشراً يرجح كفة استنتاج كهذا، ومازال ممكناً الانتقال بمنظومة العمل العربي المشترك الى مستوى اكثر عملياً، بل وضرورة، وهذا هو بالضبط مادعت وتدعو اليه اليمن بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، وعبر عن رؤيته هذه في العديد من المقترحات والمشاريع التي تقدم بها وآخرها المبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك.. والنموذجان العربيان السابقان يعكسان حال الأمة الذي الخروج منه يتطلب استيعاب موجبات ضرورات التكامل والتضامن الاكثر واقعية وفاعلية. أما الصورة الايجابية لمثل هذه التكتلات ولكن بصورتها القارية فيمكن اعتبار الاتحاد الاوروبي هو الاكثر نموذجية كونه الاكثر تعبيراً عن مصالح دوله الذي كان منذ البداية مبني على اسس صحيحة وواقعية وهو ماجعله اكثر قدرة في التطور والتحول النوعي ليصل الى ماهو عليه، وايضاً الاتحاد الافريقي الذي تحول من منظمة تجمع الدول الافريقية الى مؤسسة قارية اكثر فعالية في دوره وان كان لم يرق في مؤسساته الى مستوى الاتحاد الاوروبي، لكنه يشكل حالة افضل من الجامعة العربية. وتأكيداً لماذهبنا اليه فيما يتعلق بضرورة احداث تغيير في المنظمات الاقليمية والدولية، فان الاممالمتحدة تعد المثال الأبرز والأكبر الذي يستوجب هذا التغيير، فهي اليوم لافي بنيتها ولافي تكوين مؤسساتها وخصوصاً مجلس الأمن المنوط به مهمة حماية وضمان الاستقرار والسلام العالمي، قادراً على ان يكون كذلك، فالأممالمتحدة في مؤسساتها. قامت استجابة لوضع دولي نشأ بعد حربين عالميتين نجم عنها بروز قوتين دوليتين على قدر كبيرمن الاختلاف والتناقض في توجهاتهما ولدت مخاوف الصدام المريع بينهما ضرورة ان يكون هناك مؤسسة عالمية تأخذ صورة النظام الدولي الذي يحول دون تهديد الاستقرار والسلام العالمي، فكان مجلس الأمن هو الاكثر تعبيراً عن هذه الهواجس وعن التوازن الذي ينبغي ان يكون حائلاً دون نشوب حرب عالمية جديدة، وهذا واضح في حقوق الأعضاء الخمس الكبار في اتخاذ قرار هذه المؤسسة الدولية التي تأخذ طابع التنفيذ اذا لم يتخذ ماسمي «بالفيتو» على قراراتها، فكانت هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن تعبيراً عن فترة تاريخية عرفت بفترة الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط انظمة المعسكر الشرقي الذي عنت نهاية الحرب الباردة وبالتالي لم يعد هناك مبرر لبقاء الأممالمتحدة في بنيتها القانونية والمؤسسية وفقاً لماكانت عليه قبل اكثر من نصف قرن لتعلو اصوات عدد من دول العالم على ضرورة تطوير المنظمة الدولية واعادة النظر في مهامها حتى تتواءم وتنسجم مع دورها في صون السلام والاستقرار العالمي وفقاً لمعطيات الوضع الجديد لفترة مابعد الحرب الباردة. ان اليمن أكد موقفه بهذا الاتجاه في احاديث الاخ الرئيس علي عبدالله صالح حول الشأن الدولي في ارتباطه بدور ومهام الأممالمتحدة لتبقى المعبرة عن ارادة ومصالح كل دول العالم دون استثناء.. داعياً الى توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن لكي لا يكون معبراً عن مصالح الكبار والاقوياء، بل ومصالح الدول النامية أيضاً، بحيث تأخذ قراراته مضموناً اكثر عدالة في التعبير عن واقع العالم في ظروف الاحادية القطبية، بدلاً من أن تتحول المنظمة الدولية ومجلس الأمن الى غطاء لنهج عدائي تجاه قضايا الدول الضعيفة من الدولة الأقوى في عالمنا اليوم. وهكذا تأخذ النظرة الثاقبة لقيادة اليمن السياسية بعداً يتجاوز في نظرته للتكتلات والمنظمات والهيئات الاقليمية والعربية والقارية والعالمية، الواقع الراهن الذي لم يعد معبراً ولامستجيباً لمسارات الاحداث ومصالح الدول والشعوب في اطار هذه المنظومات برؤية مستوعبة لمعطيات متطلبات الحاضر واستحقاقات تطلعات المستقبل.