عندما اختار القدرعلي عبدالله صالح، لانقاذ الوطن في أصعب لحظات الانهيار والخطر.. إنما اختار رجلاً قوياً حكيماً وعقلاً متفتحاً نابهاً، وقلباً كبيراً عامراً بالثقة والأمل والايمان بعودة السكينة والاستقرار الى وطنٍ مضطربٍ، ظل نهباً لمخالب قوى التآمر والتخريب، وصنّاع الدسائس والمؤامرات المدمرة..علي عبدالله صالح، أخذ موقعه، واستجاب لموعده مع التأريخ.. ورغم التحاقه بالجندية عام 1959م في سن مبكرة، إلاّ أنه نضج مبكراً، حالماً وطموحاً وشجاعاً، وهو الذي عاش معاناة أهله وأبناء شعبه وهم يكابدون القهر والظلم واستبداد الحكم الامامي، أراد أن يثأر لكرامته وكرامة وطنه ومواطنيه.. فبدأ المعترك من البوابة الملتهبة..! وبينما كانت تتشكل وتنضج ملامحه وقدراته القيادية، كان يندفع باصرار وتصميم في درب النضال التحرري وسط الاخطار والانواء ومواجهة الموت بسيف الامام، ويبدي مهارات قيادية عالية وملاحم بطولية، خلال مراحل الدفاع عن الثورة والجمهورية التي قامت في 26 سبتمبر 1962م، وانتصرت نهائياً في فبرايرعام 1968م بعد التصدي البطولي لفلول الامامة في ملحمة السبعين يوماً الشهيرة. سطع نجمه وذاع صيته، وتوسم الجميع فيه، العبقرية القيادية المبكرة، وتعددت القابه "فارس الضباط" و "رجل المهمات الصعبة" و "رجل المفاجآت".. وبرز كقيادي عسكري محنك من الطراز الأول.. وكشأن القادة والزعماء التاريخيين العظام، سجّل انتصارات عديدة في مسار النضال التحرري، هي اليوم محل فخر وتقدير الجيش اليمني وجماهير الشعب، ومصدرإلهام واقتداء الأجيال في الحاضر والمستقبل..! وهو كذلك فتح صفحات مشرقة في حياته كانت تشي بحقيقة قائد كبير يسكن "كالمارد" كينونة شاب، عوده – حينئذ- كان ما يزال طرياً بقياس السنين، ولكنه صلباً شامخاً بمعيار الارادة والشجاعة والمهارة والدهاء العسكري والسياسي. كانت البلاد تربض على بركان متفجر.. والمسرح السياسي يرتج رجاً ويحدث فراغاً مخيفاً، سياسياً وأمنياً، وسقط بالفعل صولجان السلطة، وتناثرت أوراقها في حالة دراماتيكية غير مألوفة.. ولعل حوادث الاغتيالات لثلاثة رؤساء في أقل من سنة، قد أفضت بالبلاد الى هزات عنيفة وضعتها على حافة الهاوية.. وكان علي عبدالله صالح، يحرق دمه للبحث عن صيغة (أقل الخسائر مقابل أفضل الممكن..!) وذهب يشجع القيادات السياسية "بالاقدمية" على تدارك الموقف والامساك بزمام الأمور.. وفي أوضاع كهذه، ومثل وطن تتنازعه مخالب "الشياطين".. وشعب عصي، حكمه "كامتطاء الليث"، كان لا بد من قائد قوي ذو حكمة ودهاء ومحل ثقة واجماع الجميع..! ولأن علي عبدالله صالح اجتمعت فيه كل هذه المزايا والصفات، حيث النادر من القادة يحسنون صنع التاريخ ويمسكون بناصية انقاذ الشعوب والاوطان، فقد تقدم الصفوف – حينما تراجع الاخرين – استجابة لنداء الواجب، وبراً بأمانة المسؤولية الوطنية والتاريخية.. وبالاجماع انتخب مجلس الشعب التأسيسي في 17 يوليو 1978م المناضل الفذ علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة.. وكان الحدث نقطة تحول ديمقراطية في مسار تولي السلطة في اليمن، لأول مرة يشهدها التاريخ السياسي اليمني. لم تغب عن ذهن علي عبدالله صالح خطورة تسنّم قيادة الوطن، بل كان يعي تماماً بأن الثمن– حينئذ- سيكون باهظاً، ربما فقدان حياته، إلاّ أن الوطن استوطن قلبه وعقله "التضحية بالنفس سهلة لانقاذ الوطن" كما قال في أول حديث له يوم 17 يوليو 1978م.. فقد كان وما يزال ايمانه العميق والمطلق بقضية وطنه وشعبه، أهم واعظم دعامات عبقريته وعظمته.. واثمن ثروة هي له خير ذخر ينتفع به في مسيرته الظافرة بالانجازات الكبرى التي جللت وتجلل حكمه، وجعلت منه بطلاً وطنياً وفارساً قومياً وزعيماً تاريخياً عظيماً.. راهن منذ البداية على أن يحقق من عبقرية شعبه ثورة جذرية يقودها بايمانٍ راسخ، وخطوات متوازنة.. وهذا سر عبقرية الجماهير وعبقرية القائد كلاهما انعكاس للآخر. وجماهير شعبنا الابية التي تستوعب أهمية "دور الشخصية في التاريخ" ظلت وما تزال ترسم اروع مشاهد الارتباط الحميمي مع القائد، ليس فقط بما يقتضيه الالتزام الاخلاقي تجاه رئيس البلاد، بل لعبقرية هذا الزعيم الفارس التاريخي صانع الانتصارات والانجازات التاريخية الكبرى، التي رسخّت أهميتنا ومواقعنا وأدوارنا، ورفعت من سمعتنا الحضارية وامتدت بآفاقها الى ما وراء الحدود والبحار والمحيطات. جاء علي عبدالله صالح، حاملاً منهجاً وطنياً شاملاً يعكس استقراءً عميقاً للواقع، ونظره عقلانية ثاقبة، افصحت عن الاحاطة الدقيقة بجزئيات المعطيات والتناقضات السياسية والاجتماعية المضطربة، وما تفرزه من تحديات ومهام جسام لا مفر من مواجهتها وتجاوزها.. فاستهدف في نهجه السياسي للعهد الجديد الميمون، حقن الوعي الجمعي بدفقات من النور لتبصير المواطن الذي طالما احاطت به الاضاليل وعومت رؤيته في تعاطيه مع قضاياه الوطنية، وليضع من خلال مشروعه المعلن في بيانه يوم 17 يوليو 1978م الجميع على المحك.. يعيد حساباته واكتشاف ما حوله وتحسس واقعه المرير والتعاطي معه بروح جديدة ورؤية جديدة وايمان قوي جديد..! وليعطي الجماعات والافراد والتيارات... الخ، ثمة فسحة لمراجعة الذات والتأمل والتمييز بين طريق الهاوية والفناء، وطريق النجاة والطمأنينة والحياة الرغدة..! فلله درَّه علياً، قائداً حكيماً.. وسياسياً محاوراً ومحارباً فذاً بارعاً.. ثاقب الرؤية.. متوقد الذهن.. سريع البديهة والنباهة، اعتمد الحوار والتسامح والتصالح، عناوين لمنهجية الحكم.. هو أبعد الناس عن الأثرة والانانية حتى مع خصومه.. وبتسامي عظمته وروحه ومروءته أعفى عن مدبري انقلاب اكتوبر 1978م.. ومد يد التسامح لمرتكبي الاعمال التخريبية في المناطق الوسطى واشركهم في مواقع المسؤولية والعمل.. ومثلما عُرف كريماً متسامحاً، هو معتزُُ بكرامته وكبريائه.. فالكبر على أهل الكبر صدقة – في سنة الرسول «صلى الله عليه وسلم».. غير أن الذين قادتهم ظنونهم الشيطانية الى اقتراف مؤامرة الانفصال، لم تسعفهم عقلياتهم لفهم كينونة الرجل.. فتمادوا وفشلوا وانهزموا.. ومع ذلك احاطتهم مكارم عهد الاخلاق والتسامح واصدر فخامته عفوه العام بحقهم وهم المتورطون في حرب صيف 1994م. ان حلم الرئيس علي عبدالله صالح وتسامحه ومنهجه الحواري، كان من أهم اسباب الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي شهده اليمن، وكان الدافع لاستجابة كثير من القوى السياسية المعارضة في الشمال (سابقاً) للانخراط في الحوار السياسي الذي دعا اليه الرئيس وتمخض عنه المؤتمر الشعبي العام، ومن ثم مساهمتهم في مختلف مفاصل مؤسسات الدولة والمجتمع. وفلسفة الرئيس بمنظومة الديمقراطية والحوار وحرية الفكر والرأي، وضمان المساواة وحقوق الانسان وتوسيع المشاركة الشعبية، وجدت التعبير عنها على الواقع منذ بداية العهد الميمون، بحيث اعطت لحق الاختلاف مضمونه الايجابي في تخصيب التنوع، باعتباره مانعاً للتعصب والتطرف الذي يقود الى تصاعد الصراعات والصدامات الدموية.. فجاء بالممارسة الديمقراطية التدرجية.. يقول في بيانه السياسي الأول عام 1978م «ان مفهومنا للثورة هو الحرية بلا فوضى، والديمقراطية بلا شعارات زائفة».. فهو ليس ممن تستهويهم "لعبة" القفز فوق الزمان والمكان، بل يؤمن بالديمقراطية المتأنية التي تأخذ في الاعتبار موروثاتنا الاجتماعية المعقدة، بعمق فكره المسكون باحتضان مجتمع واستبطانه بكل تناقضاته وحالات التوجس والحساسية التي تسرطنت في خلاياه وتكويناته سنواتٍ عجافاً وعقوداً طويلة سادتها انماط حكم وانظمة منغلقة تعاقبت على الوطن والشعب.. وبالمنهج التدرّجي المتكئ على تراكم التجارب والانجازات في المسارالديمقراطي منذ العام 1979م بانتخاب الهيئات التعاونية والمجالس المحلية والبلدية... الخ، تواصلت الخطوات العملية في إطار المشروع الديمقراطي وبلغت مستوىً رفيعاً من النضج مع تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م بتجسيد التعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة واستكمال بناء النظام السياسي والدولة المؤسساتية العصرية.. وهي ترجمة للمنطلقات الفكرية والسياسية النابعة من مبادئ العهد الميمون، ومضامين منهجية بناء مجتمع الوحدة والديمقراطية بمعيار التأمين الاقصى للمسؤولية الحقوقية والسياسية والاخلاقية بين السلطة والمواطن وضمان الحماية الاجتماعية. وهكذا أثبت فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، ان لا مجال للانماط البالية والرواسب البغيضة إلاّ أن تتكّور وتتلاشى..! وراح يرسم انطلاقة وطنه الى فضاءات المعاصرة والتحديث بآمال واعمال متجددة، يجسدها بديناميكية العمل والانجاز.. فكانت الانتصارات والانجازات في عهده الجديد بابتكارات الجاد الخلاق وبالتضحية والايثار وصرامة الانضباط والتحام القائد والشعب في بوتقة انصهارالارادة.. ومدارج حركة دائبة تشكل الوعي والفعل الخلاقين.. وفي كل مرحلة كان القائد وما يزال لا يهدأ ولا يستكين إلا عندما يحقق إنجازاً أو انتصاراً يهديه لجماهيره، ولذلك احبته الجماهير.. وهي اليوم تهتف باسمه وتشيد بفضله وحكمته وعدله وانتصاراته وانجازاته العظيمة، كبطل وزعيم عظيم لم تعرف من قبله زعامة بوزنه ودوره وعطائه وثراء مكاسبه التاريخية، ومقدرته على صنع الاحداث العظيمة..! فالاحداث العظام، لا يصنعها إلاّ العباقرة العظام.. وحدث عظيم كالوحدة اليمنية، لم يتحقق إلاّ على أيدي الزعيم الوحدوي الرمز فخامة الرئيس علي عبدالله صالح.. ولإن اصبح في مصاف الزعماء التاريخيين، فلأنه صانع التاريخ اليمني الجديد، ومحقق الانجازات التاريخية التي لا يمكن حصرها هنا، ولكن يشهد بها الواقع..! فمن اجتراح معجزة انقاذ الوطن من الوهن والضياع والانهيارعام 1978م، قاد الوطن والشعب الى مرافئ الأمن والاستقرار، الى عبقرية الوحدة والبناء والتحديث، ينسجها بفكره المستنير وحكمته ودهائه وزعامته الفذة..! وللعهد الجديد فرادة نموذجه الذي ابدعه الفكر الاستراتيجي للرئيس القائد الفذ علي عبدالله صالح، وأصبح يكتسب بعداً ارتقائياً وديناميكياً في التعبير عن طموحات وتطلعات الجماهير، وبوسائل لم تقررها السياقات الاعتيادية لمسارات التعامل اليومية، التي كانت تفضلها الانظمة والقيادات السابقة من ابراجها العاجية، بل بابتكار صيغ واساليب تلامس مباشرة قضايا المواطن من خلال الزيارات الميدانية الى كل منطقة وسهل وقرية ومدينة.. فيكون لهذا التلاحم الحميمي بالجماهير حسن الوقع والتأثير البالغ في نفوسهم..! انه الرئيس علي عبدالله صالح الذي جاء من صميم الجماهير، وحمل آمالها وآلامها.. ونذر نفسه لخدمتها وخدمة الوطن الغالي.. وتبنى قضاياها، بحس وطني وانساني رفيع، وسخاء غامر.. يتحاشى الضجيج وهو في صميم حماسه وعمله.. معتدل في تقدير الامور.. متروياً ومتبصراً.. جاداً وحازماً أينما وحينما تستدعي ذلك مصالح الوطن والمواطن لصونها. وجد نفسه في خضم الدسائس والمؤامرات منذ بداية عهده الميمون، وبقي كما هو، متسامياً فوق الخصومات «ليس لي خصومة مع أحد- يقول فخامته- وقلبي مفتوح للجميع».. متسامح عن قوة وحكمة.. صادقاً صدوقاً.. مرناً رشيقاً في حسن المعاملة وهي علامة تمام الخلق الكريم..! لا يقبل المداهنة، ولا مكان عنده للمتزلفين أو "الإمعات" الذين لا يجيدون إلا القول تزلفاً..! في ذكرى "17 يوليو".. وخلال سبعة وعشرين عاماً للعهد الميمون.. ها هي حدائق العطاء وثراء المكاسب على شواطئ الحياة.. تتسامق الامجاد وصروح الانجاز والاعجاز..وها قد توارت السنون التي ظلت تعفر دروبنا بغبارها التافه.. لنلتقي اليوم وكل يوم وشهر وعام بفرح ينثال عطراً، نغتسل بمياه نهر المحبة العذب..الحب الذي يجمعنا اليوم حول القائد ليس ترفاً، وقد تعلمنا ان الربيع بأوراقه وأزاهيره قد ملأ اعطاف كل مواطن.. ذكرى «17 يوليو» تغتسل منه عيوننا وقلوبنا بنشوة، كما يغتسل الفجر في الندى.. وترفرف الاحلام طائرة بأجنحة من النور والطمأنينة، وصدور منشرحة ترقص فرحاً وتختلج بهاءً وبهجة.. وهامات تتسامق شموخاً تلقي تحيات الوفاء والولاء الى القائد الرمز.. الزعيم التاريخي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي صنع لليمن مجده.