يشهد المجال العربي الرسمي "صحوة" مفاجئة حول العراق تطال حتى الآن محورين. الأول يسعى للدفاع عن عروبة هذا البلد الجريح . والمحور الثاني يتركز على المصالحة الوطنية وذلك في إطار تحرك رسمي تحت مظلة الجامعة وضمن نية معلنة لإيجاد حل للأزمة العراقية.هذه "الصحوة" المتأخرة سنتين وبضعة اشهر على احتلال بغداد تستدعي أسئلة عديدة.لماذا الآن؟ أين الخطأ؟ وما العمل؟ الواضح أن التوقيت يتصل بالصعوبات التي يعاني منها الاحتلال الأمريكي للعراق والذي يتعرض لضربات قوية وان واشنطن لا تستطيع البقاء في بلد لا يريدها احد أن تبقى فيه وليست قادرة على فرض وجودها بالقوة العسكرية ناهيك عن أنها تعاني من غضب الطبيعة في الآن معا وبالتالي لن يكون بوسعها مواجهة الأعاصير القاتلة في الداخل والخارج فضلا عن نفقات هذا وذاك التي تغطى بالاستدانة من الصين واليابان وغيرها وان حجم العجز في الموازنة الأمريكية يتزايد ولا يعين القوة العظمى الوحيدة في العالم على الاحتفاظ بمهابتها والدفاع عن ادعاءاتها على كل صعيد وخاصة في منطقتنا. باختصار نعيش هذه الأيام حالة تراجع أمريكي في الشرق الأوسط هو اقرب إلى الهزيمة منه إلى الانحسار التكتيكي.لقد كفت واشنطن عن الحديث عن الديموقراطية العراقية التي ستكون نموذجا للعالم العربي وصار منظر الديموقراطية العراقية «توماس فريدمان» يطلب من بلاده أن تسلح الأكراد والشيعة لكي يقاتلوا السنة. ونكاد ننسى أحاديث بوش العدوانية عن محور الشر الإيراني السوري الكوري الشمالي.فقد حصلت كوريا الشمالية على مطالبها لا بل كسبت الحرب الكورية المندلعة في خمسينات القرن الماضي بعدوان أمريكي. أما إيران فيبدو أن فرائصها لا ترتعد من التهديد الأمريكي الإسرائيلي وهي ماضية في سعيها للحصول على القنبلة النووية. في حين تبدو سوريا المكبلة بالضغوط الأمريكية من جهات حدودها المختلفة قادرة على الصمود وان النظام السوري لن يسقط بفعل غزو العراق وفق تصور المحافظين الجدد قبل الحرب فضلا عن انه بدأ يتلقى عروضا أمريكية غير رسمية لإنقاذ ماء الوجه الأمريكي في العراق. أما حديث الشرق الأوسط الكبير ووضع مدونات سلوك للأنظمة العربية وتكليف السفراء الأمريكان بالتحقق من تطابق السلوك مع المدونة كل ذلك بات يثير السخرية في الأوساط الأوروبية. لا أدري إن كان الاحتلال الأمريكي للعراق يعيش ربع الساعة الأخير لكنه بالتأكيد يعيش ما يشبه ذلك. ما يعني انه عندما يرحل الاحتلال ستبقى آثاره في العراق وهي كوارثية لجهة تخريب الدولة والاقتصاد والمجتمع. وبما أن الكوارث العراقية مرشحة للتمدد إلى دول الجوار العربية فمن البدهي أن تصحو هذه الدول وان تسعى للحؤول دون وصول المخاطر إلى أراضيها. المفاجيء في هذه "الصحوة" أنها تحرض على النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين بحيث يخشى من أن يتجه العرب مجدداً إلى الصراع مع إيران بما يخفف عن الاحتلال الأمريكي الذي يبقى الأصل في كل ما حصل ويحصل للعراقيين. صحوة عربية نحو العراق؟ نعم . لكن حذاري ان تكون من اجل حرب جديدة مع إيران. أما عروبة العراق فهي مهددة ليس بالنفوذ الإيراني وحده ولكن أيضا بالنزعة الكردية الانفصالية لا بل ثمة من يعتقد أن الانفصال الكردي اخطر من النفوذ الإيراني ذلك أن العروبة هي المركز الناظم لوحدة العراق وكل تهديد لوحدة الأراضي العراقية هو تهديد في الآن لعروبته ذلك أن انهيار وحدة الأراضي يؤدي إلى تصنيف العراقيين أكراداً وسنة وشيعة وأشوريين جمعتهم العروبة في وطن واحد. بهذا المعنى يمكن القول إن الدفاع عن عروبة العراق هو دفاع في الآن معا عن وحدة أراضيه وان الصحوة الرسمية العربية تأتي في الوقت المناسب. وحتى تكون صحوة مثمرة وليست أضغاث أحلام لا بد من أن تأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية: إن خراب العراق ناجم عن الاحتلال وان انقاذ العراق رهن بجدول زمني صريح وواضح بانسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد انسحابا شاملا واضحا لا لبس فيه. كل جهد يبذله العرب بدون انسحاب أمريكي مبرمج، هو جهد ضائع وغير مفيد في حل الأزمة العراقية بل مفيد للاحتلال ومضر بالعراقيين. العودة إلى صيغة الحكم الذاتي للأكراد بدلا من الفدرالية وتعيين رئيس جمهورية عربي في هذا البلد وبالتالي إزالة الآثار الناجمة عن الاحتلال على كل صعيد. تجنب الحديث عن الشيعة العراقيين بوصفهم ملاحق لإيران فهناك ملاحق لكل الدول في العراق وليس للإيرانيين وحدهم. لقد حفظ شيعة العراق عروبة بلدهم عبر التاريخ ودفعوا ثمنا باهظا للحرب العراقية الإيرانية ولا يجوز التعامل معهم وهم أكثرية سكان البلد بوصفهم خونة وكل تعامل من هذا النوع يعرقل استئناف وحدة العراق والحفاظ على عروبته. تقديم اعتذار علني للشعب العراقي عن التخلي الرسمي العربي عنه طيلة الفترة الماضية وتركه نهبا للاحتلال وأزلامه. الكف عن التعامل الرسمي العربي مع الأزمة العراقية بوصفها قضية الزرقاوي والاعتراف الصريح بالمقاومة العراقية التي يعود إليها الحق في قول ما تريد للعراق والعراقيين. إن أي حديث عن المصالحة الوطنية يعني أن ما حصل في العراق هو خلاف بين العراقيين في حين إن مأساة هذا البلد ناجمة عن الاحتلال وحده لذا يفضل الحديث عن الوئام العراقي بعد زوال الاحتلال وليس عن المصالحة العراقية. هكذا تبدو الصحوة الرسمية العربية مفيدة إذا ما كانت من اجل إنهاء الاحتلال ومضرة للغاية وغير مفيدة إذا كان الهدف منها مساعدة الاحتلال على الاستقرار في هذا البلد في الحالة الثانية يفضل أن يعود المعنيون إلى سباتهم العميق لعله أفضل لهم وللعراق والعراقيين والأمة العربية.